القضية الفلسطينية: اليسار اللبناني يفقد بوصلته!

ترجمة هنا لبنان 8 أيار, 2025

كتب Hussain Abdul-Hussain لـ“This Is Beirut”:

يعيدنا الغوص في تاريخ اليمين واليسار السياسيين إلى فرنسا إبان ثورة 1789، التي أدت إلى تقليص جزء من صلاحيات الملك لصالح البرلمان. آنذاك، تمركز الأنصار على يمين الملك، بينما جلس معارضوه إلى اليسار. ومنذ ذلك الحين، ربط “اليمين” بمناصرة السلطة والتقاليد و”اليسار” برفض الماضي والسعي من أجل التغيير.. بيد أنّ هذا التمييز بقي نظرياً بمعظمه، إذ سرعان ما استحال اليسار بمرور الوقت لتقليد قائم بحد ذاته.. وأضاع بوصلته بفعل التمسك بالأفكار القديمة ورفض التحديث والتجديد.. فخذل التغيير وعلقت ثوريته المزعومة في مستنقع الجمود.. وخير مثال على ذلك، اليسار اللبناني.

وماذا عن اليمين اللبناني؟ شهدت بلاد الأرز تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 في أعقاب مؤتمر عقد في القدس الشرقية آنذاك تحت السيادة الأردنية. وشرعت المنظمة بتجنيد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتدريبهم وتسليحهم، وشنّ هجمات عبر الحدود الجنوبية ضد إسرائيل. الأمر الذي استجلب ردود فعل عسكرية إسرائيلية انتقامية. هذه التطورات حركت الغضب لدى النخبة المسيحية التي حملت الميليشيات الفلسطينية المسؤولية بصفتها تمثل تهديداً لسيادة الدولة اللبنانية. وانحازت هذه النخبة إلى جانب المعسكر الغربي والرأسمالية العالمية بوجه منظمة التحرير والكتلة الشرقية التي ما عادت قائمة اليوم. وهكذا تجلى “اليمين اللبناني” في صورته المسيحية.

وفي المقابل، برز ما سُمّي بـ”اليسار اللبناني” مع وقوف العديد من المسلمين اللبنانيين إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين. وارتبط هؤلاء بالحركات اليسارية حول العالم وبانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1991، كانت الغلبة قد آلت إلى هذا اليسار المسلم على اليمين المسيحي. واشترط المسلمون تحقيق السلام مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية مستقلة.. ثمن باهظ وشرط يفوق قدرة لبنان الضعيف اقتصادياً.

وبالتالي، باتت الدولة الفلسطينية شرطًا أساسيًا للسلام اللبناني مع إسرائيل.. سلام لا يزال بعيد المنال بعد مرور 33 عاماً وأربع حروب. وعلى الرغم من كل شيء، يتشبث اليسار المسلم اللبناني بالمطالب عينها: المزيد من الحروب والمقاطعات والدعم غير المشروط للفلسطينيين، مما يولّد مزيداً من عدم الاستقرار واليأس داخل لبنان.

ويفتقر اليسار اللبناني اليوم لأدنى فكرة جديدة أو طرح مبتكر؛ ويكتفي بتكرار الشعارات المستلهمة من أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، للدعوة للمزيد من المعاناة مقابل وعد دائم بالسعادة المؤجلة إلى ما لا نهاية.. وعلى أرض الواقع، اللبنانيون يتدحرجون من كارثة إلى أخرى، بالتوازي مع تعمق هوة أزماتهم وتناقص عديدهم.

الحق يقال، إن كان لهذا اليسار عصا سحرية قادرة على تغيير الواقع، فليستخدمها رجاء..وإلا، فأي نفع لمواصلة مطالبة اللبنانيين بالصبر وهدر الموارد المحدودة والتمسك بعداء لا ينتهي مع إسرائيل؟ لقد أثبتت كل تلك السياسات إخفاقها وفقدت مصداقيتها. وقد آن الأوان لإسدال الستار على ما يسمى بـ”المقاومة”.

قد تسألون: وماذا عن “القضية الفلسطينية”؟ لا يخفى على أحد أن اللبنانيين قدّموا الغالي والنفيس وتضحياتهم تفوق ما قدّمه أي شعب عربي آخر، وضمناً الفلسطينيون أنفسهم.
ولعل الفكرة الثورية الحقيقية اليوم تقتضي كسر 75 عاماً من العداء مع إسرائيل، وخوض غمار تجربة مختلفة: بعد الحرب، لم لا نجرب السلام؟ لم يوفر لبنان أي استراتيجية: المقاطعة والحرب المحدودة والحرب الشاملة، دون أن يحقق الفلسطينيون أي اختراق سياسي، وبالتوازي، تفاقمت أزمات لبنان وزاد بؤسه يأسا.

الآن وقد أثبتت كل التجارب أنها عقيمة، أليس من الأجدى التفكير في تطبيع شامل وفوري وغير مشروط للعلاقات مع إسرائيل، سواء على المستويين الدبلوماسي أو الشعبي؟ ألن يمكن حينها حلّ قضية النقاط الحدودية الثلاث عشرة العالقة بين البلدين بسهولة؟ في نهاية المطاف، ألا يعالج الأصدقاء خلافاتهم بشكل أسهل وأسرع مقارنة بالأعداء؟
إنّ الثورة الحقيقية في لبنان لا يمكن أن ترتهن بالتمسّك بأيديولوجيات اليمين المسيحي أو اليسار الإسلامي، بل بمنح فرصة مصيرية للتجارب المؤجلة: السلام والتطبيع. حينها، ربما يتحول الخطاب السياسي من شعارات الكرامة والمقاومة والتحرير، إلى مفردات الحرية والنمو الاقتصادي والمصلحة الوطنية.

أليس ذلك ما ينص عليه شعار “لبنان أولاً”: إعطاء الأولوية للسلام وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية والانتقال من العواطف إلى العقل ومن الإيديولوجيا إلى الاقتصاد. وكلها أفكار ثورية لم يسبق أن وضعت قيد الاختبار في لبنان.

من خلال هذا النهج الجديد، يبرهن المسيحيون اللبنانيون عن هويتهم الثورية الحقيقية، بينما يقبع اليسار الإسلامي، بعقيدته الجامدة وعدائه الدائم، في مستنقع بصبغة دينية.
ومع ذلك، في النهاية قلّما يهم التصنيف سواء في اليسار أو اليمين؛ مصلحة لبنان هي الأهم فعلاً.. وألا تقتضي هذه المصلحة الخروج من صراعات المنطقة والانطلاق أخيراً نحو الإزدهار ونحو المستقبل؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us