الحوثيون وفنّ الانتحار الطوعي

ترجمة هنا لبنان 8 أيار, 2025

كتب Marc Saikali لـIci Beyrouth”:

في خضمّ الفوضى العارمة التي تجتاح الشرق الأوسط، تطفو إلى السطح سلوكيّات يعجز أي منطق سياسي عن تفسيرها مهما ادّعينا فهمها. وآخر المفاجآت: الصواريخ الحوثيّة التي تستهدف إسرائيل اعتبارًا من اليمن.
في هذا المسرح العبثي بالكامل، استيقظ الحوثيّون منذ شهورٍ معدودةٍ على نيّة استهداف إسرائيل. لماذا؟ حسب الصيْحة الأخيرة، لا بدَّ بالطبع من ربط أي تحرّك بدعم غزّة. ولكن هذا التصعيد لا يعدو في الواقع كونه أكثر من محاولة فرض الوجود… مذكّرين بـ”نحن هنا”… “آخر المقاومين” مقارنة بالآخرين ممّن ألقى السلاح أو تجاهل المواجهة.
الرّد لم يتأخّر البتّة على الصواريخ الحوثية التائهة في سماء البحر الأحمر بحثًا عن صيد رمزي (كاستهداف مطار بن غوريون مؤخرًا)… والصاع أتى مدمّرًا مع ضربةٍ قاضيةٍ لمطار صنعاء… ضربة واحدة ككبسة زر!
يعصى على العقل تصوّر كيف خُيّل لقادة الحوثيين أنّ إطلاق الصواريخ على مطار بن غوريون سيمرّ من دون ردّ بهذا الحجم! وفي سلسلةٍ من العمليات المشتركة مع الولايات المتحدة، دمّر الإسرائيليون البنى التحتية المينائية والطاقوية بالكامل. وفي مناورة دبلوماسية مذهلة، أعلنت واشنطن أنّ الحوثيين، الذين أعاقت الضربات (المتوقّعة بأغلبها) حركتهم، “ألقوا بالسلاح” وأنّ الغارات عُلّقت تباعًا. وقف إطلاق النار أعلنته الولايات المتحدة من طرف واحد. مدهش أليس كذلك؟
ولعلّ هذه التطورات تلخّص الاستراتيجية الحوثية العصيّة على المنطق. فالجماعة التي نشأت من صراعٍ قبليّ واستحالت في قلب حربٍ إقليميةٍ، اختزلت بآخر بيدقٍ لما يُعرف بـ”محور المقاومة”، بعد أن انسحب قادته من الميدان أو قضوا نحبهم. أمّا إيران التي تدعم الحوثيين ماليًا وإيديولوجيًا، فمنشغلة بالمفاوضات حول برنامجها النووي وصواريخها الباليسيتية. وهي تستخدم الحوثيين كورقة ضغط في هذه المفاوضات. ولا تكترث حقًا بالدمار الذي قد يلحق باليمن أو بالعقود التي ستتطلبها إعادة بنائه. لا شيء أهم من بقاء نظامها… وفي سبيل النظام، كل التضحيات واجبة.
من جهتها، تجد السعودية في المستجدات فرصةً للثأر. فقد أطلقت المملكة عام 2015 حربًا “خاطفةً”، أملا بالقضاء على الحوثيين في غضون أسابيع قليلة. لكنّها لم تأخذ سيول السلاح والأموال التي أغدقتها إيران وحزب الله على الجماعة في الحسبان. وبدعمٍ غربيّ متواضعٍ، انتهت تلك الحرب بلا نتائج واضحة، بعد أن استنزفت مئات المليارات من الدولارات وأدخلت المملكة في حربٍ طويلةٍ من دون حسم.
ومع اقتراب موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي إلى الخليج، يُطرح سؤالٌ محوري: هل سيطلب دونالد ترامب من الرياض “إكمال المهمة ميدانيًّا” وبدعمٍ فعلي هذه المرة؟ كلّ الخيارات مطروحة ولا شيء مستبعد.
في نهاية المطاف، يبدو أن الحوثيين أسدلوا الستارة على فصلهم الأخير في مأساةٍ لا يكترث بها أحد. فقد استحالوا جنودًا مُهملين في خدمة مشروع التوسّع الإيراني. وربّما تكمن الهزيمة الحقيقيّة في الاستمرار بالقتال… الآن وقد انسحب الجميع من ساحة المعركة.
وكما قال نابوليون بونابرت: “إيّاك أن تقاطع عدوّك وهو يرتكب خطأً!”… وها هم الحوثيّون… لا يوفرون أصلًا أي فرصة لتكرار الأخطاء… مرارًا وتكرارًا.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us