ترامب يُعيد رسم ملامح الشرق الأوسط

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth”:
لقد وعد دونالد ترامب… وحقًّا بوعده وفى! زيارة “تاريخية” بامتياز إلى دول الخليج… وبالكاد حطّت طائرته حتى تدفّقت الإعلانات مؤذنةً بلحظاتٍ حاسمة.
ولعلّ الأرقام تختصر بادئ ذي بدء، حجم المشهد وعمق الدهشة: عقود بقيمة 300 مليار دولار تشمل قطاعات الصناعة والبحث العلمي والدفاع والفضاء والطاقة النووية السلمية… ووعود من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بفرصٍ استثمارية بـ”700 مليار” إضافية. صدى الأرقام المشابهة يصدح في قطر والإمارات أيضًا ليتجاوز إجمالي القيمة المحتملة عتبة الألفي مليار دولار… أرقام تبدو خياليةً عند مقارنتها بحجم اقتصاد دولة صغيرة كلبنان. وأرقام وصّف ترامب في سياقها الرياض كأحد أهم مراكز الأعمال على مستوى العالم.
وعلى المستوى السياسي، لا تقلّ الزيارة “التاريخية” رمزيةً حيث يبدو وكأن الرئيس الأميركي يُعيد رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة. فهو لم يكتفِ بالإعلان عن رفع العقوبات عن سوريا فحسب، بل والتقى أحمد الشّرع لبضع دقائق، وشجّعه على إقامة علاقات مع إسرائيل. أما في ما يخص إيران، فلم يحِدْ عن نهجه القائم على التفاوض الحازم وعن سياسة العصا والجزرة التي ينتهجها في هذا الملف.
لا شك أن الرئيس الأميركي يودّ تسريع وتيرة كتابة التاريخ، معزّزًا موقع دول الخليج بصفتها فاعلًا إقليميًا محوريًا. وهذا ما تجلّى في القمة الأميركية – الخليجية التي انعقدت الأربعاء. وبالنتيجة، استحال الخليج مركز الثقل الاستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط… هو الذي يتحاور مع القوى العظمى ويتدخّل في الملفات الكبرى من أوكرانيا إلى غزّة، والسياسات تُرسَم حاليًا في الرياض والدوحة.
مقرّبون من ترامب أثاروا احتمال تغييرٍ عميق الدلالة: اعتماد تسمية “الخليج العربي” بدلا من “الخليج الفارسي”، في خطوةٍ رمزيةٍ تعبّر عن هويةٍ حضاريةٍ وسياسيةٍ جديدةٍ بقيادة العواصم العربية الكبرى، في مواجهة إيران “الملالية”.
أمّا عن لبنان، فلم ينمّق ترامب كلامه بأي شكل وذكره كـ”ضحية حزب الله وإيران”، مع الإشارة لامتلاكه “فرصةً نادرةً للتحرّر من قبضتيهما”. كما عبّر عن استعداده لمساعدة لبنان على “بناء عهدٍ من الازدهار ومستقبلٍ مع جيرانه”، من دون تحديد ماهية هؤلاء “الجيران”… لكن الجميع تلقّف الرسالة…
وذلك متوقع حيث إن المحور الآخر للجولة تمثّل في إعادة إطلاق “اتفاقيات أبراهام”. ويسعى ترامب لتسريع وتيرة التطبيع بين دول الخليج، وعلى رأسها السعودية وإسرائيل. وعلى الرّغم من أن المملكة تربط التطبيع بإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ، لا يرى ترامب في ذلك عقبةً كبرى، وهو لا يتوانى عن التذكير بقوة الإقناع الأميركية.
في خضمّ كلّ ذلك، يشقى لبنان كي لا يُركن على الهامش ويستحيل متفرّجًا عاجزًا. وهذا ما دفعه للتحرك برئاسة جوزاف عون، لضبط البوصلة مع العواصم العربية. وبالنتيجة، أثمرت جولاته الخليجية وعودًا استثماريةً لإعادة إعمار البلاد، في ظلّ تأكيده على التزامه بنزع سلاح جميع الميليشيات.
وعلى الرَّغم من التحدّيات الهائلة ومن حجم العراقيل، يتمسّك لبنان بحلمه كرسالة وجسر للعبور ويأمل أن يبقى فاعلًا في المشهد التاريخي الجديد. فهل العالم مستعد لسماع صوته؟ كأنّ بنا أمام نسخةٍ جديدةٍ من يالطا إقليمية.
فماذا عساه يفعل؟ لقد لحظ هنري كيسنجر كيف تدفع الدول الصغيرة الأثمان في المناطق التي يُعاد تشكيل ملامحها، فهي تستحيل رهينة اتفاقات لا ناقة لها فيها ولا جمل وتجد نفسَها مجبرةً على تحمّل كلّ تبعاتها. ولا يتبقى لها من أجل الاستمرار سوى الأمل… الأمل وحده!
مواضيع ذات صلة :
![]() لماذا غاب لبنان عن قمّة الرياض؟! | ![]() ترامب يصل إلى السعودية في مستهل جولته الشرق أوسطية | ![]() زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط: محطات مفصلية بين الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية |