مستقبل المفاوضات الأميركية – الإيرانية

ترجمة هنا لبنان 28 أيار, 2025

كتب Charles Chartouni لـ“This is Beirut“:

حالةٌ من الغموض تغلب على مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وتترك مجرى الأحداث رهينة التكهنات. فهل من مؤشرات واضحة تسمح بتتبع المسار أو ربما من جدول زمني يمكن الركون إليه؟ مع الأسف، في ظلّ الأجندة الإيرانية المتقلبة وغياب أي التزام واضح بالسير في مفاوضات جادة أو الالتزام بنتائجها، لا يمكن الإجابة إلا بالنفي!

الملف التفاوضي عالق في مستنقع من الرمادية… ولا إجابات حاسمة على القضايا الجوهرية كإحلال السلام وإنهاء زعزعة الاستقرار وكبح دعم الإرهاب ونزع السلاح النووي والانفتاح السياسي والاجتماعي وضمان الحقوق الإنسانية الأساسية. ولا يصعب فهم الدوافع وراء هذا الغموض المتعمَّد نظرًا لأن أي التزام رسمي قد يُعرّض مستقبل النظام الإيراني للخطر ويقوّض شرعيته التي تشكل في الأصل موضع نزاع داخلي وخارجي. فكيف يمكن للمفاوضات الأميركية تحقيق أي تقدم على الإطلاق؟

الإجابة عن هذا التساؤل المشروع مرتبطة بالقيود الظرفية التي دفعت النظام الإيراني للانخراط في هذا المسار التفاوضي على مضض ومحاولة التكيّف مع مستجداته. ويفسّر التدمير المنهجي للمنصات العملياتية للنظام الإيراني في مختلف أنحاء المنطقة والتحوّلات الجيوسياسية والسياسية الجديدة، بدرجةٍ كبيرةٍ استعداد طهران للجلوس إلى طاولة المفاوضات في الوقت الحالي. وإلى ذلك،تضاف الأزمات الداخلية الخانقة كالركود الاقتصادي المُزمن والانهيار المالي عدا عن الأزمات الاجتماعية والبيئية والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان.
لقد خسر النظام الإيراني أي ذرّة متبقية من المصداقية لتبرير شرعيته المتداعية. سلوكه بات محكومًا بالصراع من أجل البقاء، بعدما فقد أدواته التقليدية في الداخل والخارج، ولم يعد قادرًا على الصمود. وفي المقابل، تواصل الولايات المتحدة الضغط لوقف تمدّد إيران ومنعها من تهديد النظام العالمي للرقابة النووية، ومن الاستمرار في نشر الفوضى ودعم الإرهاب. ووسط هذه التحولات، تتشكل بيئةٌ جديدةٌ قد تُعيد المفاوضات إلى الواجهة. إذ أفرزت التغيّرات الجيوسياسية الأخيرة الظروف الملائمة لكبح عناد طهران وتقليص هامش المناورة الذي لطالما شكل ملاذًا لها، وهذا ما يفتح الباب أمام محاولات احتواء جديدة لمسار الأزمة.

ومع ذلك لا تزال سيناريوهات التفاوض متباعدةً حتى الآن وتفتقر للكثير من الانسجام. فالنظام الإيراني يتمسّك بخطاب البقاء والممانعة، بينما تدفع الولايات المتحدة ومعها المعارضة الإيرانية نحو “أجندة” التطبيع والإصلاح. هذا التباين يعمّق الهوة ويمنع الوصول لأرضيةٍ مشتركةٍ. وفي حال تعنّت النظام الإيراني، لن يجد أمامه سوى خيارَيْن لا ثالث لهما: إمّا القبول بخيار التطبيع والانفتاح وبالتالي بالمسار الإصلاحي، وإمّا المجازفة بصدامٍ عسكريّ محتملٍ مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي المقابل، قد تفتح أي تصدّعات داخلية أو أي انهيار في بنية النظام، الباب أمام انقلاب أو تغيير داخلي جذري أو أمام بدائل سياسية جديدة. وفي جميع الحالات، لا يمكن لحالة المراوغة والمراوحة السياسية الاستمرار إلى ما لا نهاية. فالتطورات الإقليمية والدولية تفرض حسم المسار، إمّا باتجاه الحلول السياسية والإصلاح وإمّا المواجهة.

وبموازاة ذلك، تواظب طهران على سياسة التخريب في المنطقة، من غزّة والضفة الغربية إلى لبنان والعراق واليمن، وذلك من خلال إشعال الفتن الداخلية والحروب الأهلية وتغذية النزاعات وتوظيف خطاب المظلومية واستثمار المدنيين كدروع بشرية، لترسيخ الفوضى وعدم الاستقرار. وتُضعف هذه المقاربة فرص السلام وتعرقل أي توجه نحو الإصلاح أو الاستقرار. ويستدعي نمط المناورة السياسية المضلّلة هذه مواجهةً حازمةً عبر آليات الوساطة لحلّ النزاعات ودعم قوى المعارضة الداخلية واعتماد استراتيجيات احتواء عسكري فعّالة. ففي ظل هذا السياق المتقلّب الذي ينسف أسس التطبيع وصناعة السلام وسياسات الإصلاح التدريجي، لا يلوح أي بصيص أمل في الأفق… الساعة تدقّ ولم يعد هناك متّسع للمراوغة والضبابية السياسية.
أمّا الساحة اللبنانية فتقدم نموذجًا واضحًا لازدواجية الخطاب والسلوك التي ينتهجها النظام الإيراني في المنطقة، حيث تواصل فلول حزب الله وحلفاؤه، أي الذراع الأبرز لإيران في لبنان، التلاعب بالقرارات الدولية (1701، و1680، و1559)، التي تهدف لإنهاء أي ازدواجية في السيادة والمؤسسات الموازية (كما في المعاقل العسكرية والسياسية والوجودية لحزب الله، فضلًا عن المخيمات الفلسطينية التي تُستخدم كبؤرٍ للخرق الأمني). وتهدف هذه القرارات لتمكين الدولة اللبنانية من استعادة سيادتها وفرض سلطتها الشرعية على كامل أراضيها، على نقيض هذا النهج التخريبي.

ويتشبّث حزب الله بمعاقله العسكرية والسياسية ويعتمد سياسة المماطلة والتعطيل والتصعيد الطائفي بانتظار صفقةٍ ما أو تبدّل الظروف لصالحه. ويراهن على عامل الوقت ويفعّل أدوات التعطيل السياسي ويؤجّج التوترات، بانتظار إمّا إبرام صفقة تتماشى مع الأجندة الإيديولوجية للنظام الإيراني، أو تلاشي الديناميكيّات التي أضعفت الزخم السياسي لهذا المحور في السنوات الأخيرة.

ومن المفارقات اللافتة أن الحكومة اللبنانية الجديدة التي أبصرت النور في أعقاب التحوّلات الجذرية نتيجة الضربات الإسرائيلية ضدّ النفوذ الإيراني في المنطقة، لم تكتفِ بعدم احترام تعهداتها أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالعمل على استقرار البلد وتنفيذ الالتزامات… بل إنّها لم تتصرف حتى بما يتواءم مع الواقع الجديد. وعوضًا عن ذلك، تعمّدت الإشاحة بنظرها عن الاستراتيجية الإيرانية المزعزعة للاستقرار في لبنان والمنطقة، ولم تقمْ بدورها الدستوري في حماية البلاد من الفوضى… هذا التقصير يعرّض السلم الأهلي داخل لبنان والاستقرار الإقليمي للخطر، فالحكومة لا تستطيع التهرّب من مسؤولياتها القانونية والدولية، وترفع في الآن عينه لواء الحفاظ على السلام الإقليمي والوحدة الوطنية…

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us