عن الإنخراط الأميركي في سوريا

ترجمة هنا لبنان 28 أيار, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب David Hale لـ”This is Beirut“:

جملة من السمات المعهودة للرئيس الأميركي دونالد ترامب طبعت اللّقاء الذي جمعه بالرئيس السوري أحمد الشرع في الخامس عشر من أيار في الرياض.. خطوة جريئة..مرتجلة.. ودون أي مآلات مستقبلية واضحة.. القرار غير المنسجم مع توصيات كبار مستشاري السياسة الخارجية لترامب، أتى نتيجة تشجيع شريكين للولايات المتحدة: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اللذين لا تجمعهما الأهداف نفسها. ومن ثم.. في خطوة نمطية أخرى لترامب، تُرك الإثنان ليتحملا وزر إنجاح هذه المبادرة.. في النهاية أليست المبادرة المفاجئة ثمرة ضغوطهما؟

أي دبلوماسي تقليدي كان ليقترح الرفع التدريجي للعقوبات الأميركية مع تحديد الشروط. فمن لا يرغب باستقرار سوريا وتعافيها.. لكن قدرة واشنطن على التأثير في الأحداث محدودة. والعقوبات التي كانت تعتمد عليها كأداة فقدت فعاليتها الآن. ويأمل البعض بأن يحمل موقف ترامب وسلوكه الرسالة التالية للسعوديين والأتراك: “لقد قمت بذلك من أجلكم دون أي قيود واليوم شرفكم وسمعتكم متوقفان على إنجاح الشرع.” ومن باب الإنصاف، بالنظر إلى واقع واشنطن اليوم، ربما كان النهج التقليدي ليغرقنا في عام كامل من الجدل والتردد مع نتائج ضئيلة للغاية، وربما كانت الأحداث في سوريا لتستمر في مسارها الخاص دون أي تغيير.

وفي سياق تفويض الجزء الصعب لأردوغان ومحمد بن سلمان، تكمن إحدى المشكلات في توهم الأميركيين بأن للفريقين مصالح متداخلة في سوريا حيث أنهما خصمان في الواقع. فمحمد بن سلمان، الزعيم الأبرز على الساحة العربية اليوم، لا يرغب بترك سوريا تحت النفوذ التركي، لكنه لا يستطيع فرض نفوذ عسكري هناك. وبالتالي، كان بحاجة للدعم الأميركي ليتمكن السعوديون من استخدام أدواتهم الأساسية في التأثير، تحديداً المالية والاقتصادية، وهذا غير ممكن بسبب القيود الأميركية على التعاملات التجارية في سوريا. ومع ذلك، هذه ليست سوى المرحلة الأولى من الصراع السعودي-التركي القادم حول سوريا.

ويبدو أن الشرع من القادة الشرق أوسطيين الذين يعتقدون بقدرتهم على تحويل ضعفهم إلى نقطة قوة عند التعامل مع القوى الخارجية. تلك قصة قديمة في بلاد الشام. وقد خاضت أطراف خارجية كتركيا وإسرائيل وروسيا وإيران والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، صراعاتها واختبرت حدودها على الأرض السورية منذ فترة طويلة، حتى في عهد بشار الأسد. والآن أتى دور الشرع للتعامل مع هذا الواقع. ومن خلال تعاونه مع بعض هذه الأطراف وتجنب استفزاز الآخرين، قد يحاول كسب الوقت لتعزيز قاعدته الضيقة. فهو يدرك هشاشة المجتمع السوري ودرجة التعقيد المرافقة لأي ادعاء بالسيطرة عليه. وهو نفسه تقدم من إدلب إلى دمشق، محطّمًا وحدات الجيش السوري كعلب صودا فارغة، لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يستجب للنداءات المستعجلة للأسد. ولو لم يكن الروس منهمكين بعمق في أوكرانيا، لاختلف الوضع تمامًا في سوريا اليوم.

وإن كان من عبر يمكن استخلاصها من تجربة الحرب الأهلية في لبنان، فهي أن النفوذ السياسي والمالي والعسكري للقوى الخارجية لا يذوي بل يتعاظم ليتجاوز قدرة أي فاعل سوري، والشرع ضمناً، على التحكم به، وهذا ما سينعكس سلباً على الشعب السوري. فهذه القوى لا تتصرف بناءً على استراتيجية طويلة الأمد تهدف لاستقرار سوريا، بل بناءً على مصالحها قصيرة الأمد وضرورات خصوماتها.

ومع ذلك، سجّلت بعض التطورات الإيجابية. فرفع العقوبات منح الشعب السوري بارقة أمل، وفتح المجال أمام دول الخليج لتعيد تحريك عجلة الاقتصاد السوري، والأمل بأن يشجّع ذلك على عكس مسار تدفّق اللاجئين، الذين شكّلوا عبئًا كبيرًا على كل من لبنان والأردن وتركيا. ثانيًا، برهن الشرع على الرغم من لقبه الحربي “الجولاني”، أنه لا يحمل أوهامًا بشأن استعادة الجولان. ثالثًا، بات لدى السعوديين مصلحة متزايدة في استقرار سوريا، وقد يساعدون الشرع على الابتعاد عن قاعدته السلفية، بدءًا باعتقال المقاتلين الأجانب في سوريا وترحيلهم بشكل منظّم. رابعًا، يبدو أن أنقرة والأكراد عثروا على أرضية مفاجئة لتخفيف التوتر بينهما. وخامسًا، تمكن محمد بن سلمان من القيام بما لم يفعله أحد من قبله: أقنع ترامب بأن للولايات المتحدة مصالح في سوريا.

في مثل هذه اللحظات المعقدة، ينبغي على الولايات المتحدة تجنب الميل النمطي المعتاد للتخلي عن أدوات الضغط والعقاب أملاً بتحقيق تغييرات إيجابية، وترك التفاصيل المعقدة بيد الشركاء المحليين. ولكي تنجح خطوة ترامب الجريئة، لا بد من المواظبة على الانخراط الأميركي على مستويات عدة داخل سوريا.. إقليميًا ودوليًا. ويعدّ تعيين السفير الأميركي في تركيا، توم باراك، كمبعوث خاص إلى سوريا مؤشرًا جيدًا، لأنه يعني مواظبة شخصية مقرّبة من الرئيس على التركيز على هذا الملف. ويتوجب عليه توخي الحذر من السياسات والمواقف التي تخدم تركيا على حساب المصالح الأميركية، وسيحتاج في هذا الصدد لإقناع المتشككين في الرياض أيضاً. لقد آن الأوان لإعادة الدبلوماسيين الأميركيين إلى سوريا بشكل دائم. ولا بد من ربط استئناف العلاقات الدبلوماسية الرسمية بتخلّي الشرع عن جذوره السلفية كشرط واضح. ولكن في الوقت الحالي يمكن اعتماد مستويات أدنى من التواصل الدبلوماسي، على غرار مكتب الارتباط أو قسم رعاية المصالح، المناسبة لمثل هذا الوضع. كما ينبغي تجنب الإفراط في الالتزام تماما كما الإفراط في التقاعس، بالتوازي مع الحفاظ على الحضور والمرونة والانخراط. تلك هي الطريقة الأمثل لدفع قادة سوريا الجدد لاستثمار الفرصة التي أتاحها لهم ترامب لاستقرار بلدهم. وإلا، تستحيل سوريا ساحةً للصراعات الإقليمية، وتفتح الأبواب على مصراعيها مجدداً أمام النفوذ الإيراني.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us