“الحزب” والثلاثية المبتذلة: جنون الارتياب والواقع والمخاطر

ترجمة هنا لبنان 29 أيار, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:

كغريق يتشبث بطوق نجاة أيديولوجي، يتمسك الأمين العام لحزب الله بثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، بينما يغرق سكان الجنوب أكثر فأكثر في مستنقع التساؤلات حول منازلهم المدمرة بعد ستة أشهر من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.

هذا الشعار المستهلك والمكرر حد الابتذال، ما عاد أكثر من صدى تعويذة جوفاء.. “مانترا” تُردَّد على نية طمس واقع سياسي منفصل تماماً عن الواقع: ما عادت هذه المعادلة التي أثبتت عجزها وفشلها تخدع أحداً باستثناء النواة الصلبة للحزب.

وبينما تصدح الخطابات التي تحتفي بـ”النصر” و”الردع”، يعيش مئات الآلاف من اللبنانيين في حالة من عدم اليقين.. أسرى المنفى الداخلي والحرمان من المستقبل ومن الحد الأدنى للاستقرار. أما لبنان المنهك، فيراقب المشهد بصمت، وأحيانًا بسخطٍ وغضب.

هل يصحّ حقاً الحديث عن “مقاومة” في بلد متهالك؟ في مكان لا أفق فيه سوى لصراع بلا نهاية.. بلا نقاش وبلا بدائل؟ ما هي هذه المقاومة؟ ولأجل من؟ ولأي غاية بالتحديد؟

في واشنطن، يمر الوقت سريعاً، وما عاد الغموض مقبولاً. الإدارة الأميركية تضاعف وتيرة الضغوط لنزع سلاح حزب الله، على اعتبار أنّ هذا شرط أساسي لأي عملية إعادة إعمار جدّية في الجنوب. والرسائل واضحة: المساعدات الدولية، التي يُفترض أن تكون ضخمة وحاسمة ومنقذة، لن تصل طالما أنّ الميليشيا الشيعية الموالية لإيران تستأثر بحق فتح الجبهات بما يتلاءم مع مصالحها ومصالح راعيها الإيراني.

المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس ستذكّر خلال زيارتها المرتقبة إلى لبنان، بدقّة المرحلة. لقد انتهى زمن المماطلة! والرئيس اللبناني بعث برسالة قوية اللهجة: بدءاً من منتصف حزيران، سيبدأ العمل على نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في بيروت، على أن يشمل الإجراء لاحقاً باقي الأراضي اللبنانية.

هذا التمهيد يُشكّل برمزيته وفعاليته العملانية في آنٍ معًا، خطوة أولى نحو مسار أوسع: نزع سلاح جميع الميليشيات على الأراضي اللبنانية، وعلى رأسها الأقوى والأكثر إشكالية في ما بينها: حزب الله.

استراتيجية تدريجية، ولكن واضحة المعالم: سحب الأسلحة أولًا من الأماكن التي غابت عنها السيطرة الفعلية للدولة من قبل، تمهيدًا لطرح السؤال الجوهري حول سلاح الميليشيات التي تتحدى سلطة الدولة الشرعية.

لكن في المقابل، يبقى حزب الله عالقا في حالة من الانفصام الاستراتيجي: فمن جهة، يُدرك تمامًا أن تمسكه في النهج العسكري النشط يُنفّر الاستثمارات، ويزيد عزلة لبنان الدبلوماسية، ويُعمّق الفقر في مناطقه الحاضنة. ومن جهة أخرى، يخشى من تآكل نفوذه داخل الطائفة الشيعية إذا تخلى عن دوره العسكري.. وهو النفوذ الذي بناه على مدى عقود من الزبائنية والتهديدات والدعاية، ومن خلال تقديم نفسه كبديل للدولة.

لكن الأمور ما عادت على حالها. وعلى الرغم من مظاهر الولاء الظاهري، بدأت التساؤلات داخل الطائفة الشيعية تطفو إلى السطح حول التكلفة الحقيقية لهذه “المقاومة” المستمرة. وخير دليل على هذا التحول، نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البلدية الأخيرة.

ولأجل تحرير هذه الطائفة من القيود الإيرانية، على باقي مكونات الوطن أن تبادر إلى طمأنتها، من خلال توضيح الفرق، بين الميليشيا التي خدمت مصالح طهران على حساب لبنان، والمواطنين اللبنانيين الشيعة الذين يتمتعون بالحقوق ويُطالبون بالواجبات نفسها كباقي المواطنين.. وذلك على غرار ما بدأ يحصل تدريجيًا في العراق.

لقد استحال حزب الله قوة مشلولة عاجزة عن تجديد ذاتها وأسيرة خطاب حربي لا يقنع إلا أولئك الذين ترتبط مصالحهم المباشرة ببقائه.

وفي هذه الأثناء، لبنان يقبع في حالة من الانتظار.. ينتظر السلام والإعمار وعودة السياح ورؤية سياسية جديدة. ينتظر أن يتوقف البعض عن التحدث باسمه دون استشارته. لقد ولّت ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة” إلى غير رجعة. لم يبقَ من مخلفاتها سوى الخوف والعادة وأسطورة خرافية.. وقد آن الوقت لطي هذه الصفحة.

وإلا؟ لا يمكن لأيٍّ كان استبعاد حرب جديدة. فماذا إن قرر الجيش الإسرائيلي “إنهاء المهمة” ببساطة مثلاً؟

وماذا عن السيناريو الآخر الذي يفرض نفسه أيضا؟ سيناريو أقرب للكابوس هذه المرة.. ماذا إن تلقى أحمد الشرع، الذي دخل الساحة الدولية من الباب العريض (بعد “البوابة الإلهية” في البداية)، الضوء الأخضر ليطلق جحافل الجهاديين من السوريين والأفغان والشيشان والأوزبك وسواهم في لبنان، ليتخلص من الفلول المزعجين وغير المرغوب بهم؟

ماذا لو؟ إذا ما نظرنا إلى ما “أنجز” في سوريا، لن يصعب كثيراً تخيّل “دوافع” هذه الجحافل تجاه لبنان. وفي الأصل، يهمس هؤلاء المتطرفون بالفعل في شوارع دمشق لبعض اللبنانيين الذين يصادفونهم: “سنأتيكم قريبا!”

السيناريو مقلق للغاية… خصوصًا لمن يعرف أساليبهم، حيث ينظر لمبدأ “الأضرار الجانبية” على أنه القاعدة وليس الاستثناء.

ماذا لو حصل ذلك؟ لن يقتصر الدمار على الجنوب بل سيدفن لبنان بأكمله تحت أنقاض شعاراته وثلاثيته الجوفاء.

كم صدق فولتير حين قال “إن الذين يجعلونك تعتقد ما هو مخالف للعقل قادرون على جعلك ترتكب الفظائع”.. ولعلنا بتنا قاب قوسين أو أدنى من ذلك!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us