ثورة كهربائية… بلا كهرباء!

ترجمة هنا لبنان 30 أيار, 2025

كتبت Rayan Chaba لـ”Ici Beyrouth”:

على الطرقات اللبنانية المتهالكة والمختنقة، مشهد جديد يفرض نفسه بصمت: السيارات الكهربائية… مركبات صينية حديثة الصنع، تحمل علامات تجارية غير مألوفة على غرار “Zeekr” و”XPENG” و”Voyah”، تتسلل بين سيارات “رانج روفر” المتعبة والتاكسيات المهترئة. تتقدم هذه السيارات المتطوّرة بخجل في ظلّ الانهيار الاقتصادي الخانق، وتبحث عن ملجأ كهربائي في بلدٍ تهيمن عليه المولدات الخاصة.
سوق السيارات الكهربائية يشهد منذ أزمة البنزين عام 2021 نموًا متسارعًا في لبنان، وهذا ما يترجَم بالمركبات الصينية التي تجوب طرقات البلاد بثقةٍ متزايدةٍ وبتصاميم كأنها آتية من المستقبل. وعلى الرغم من عدم توفر الإحصاءات الرسمية في هذا الصدد، يقدّر “بلوم إنفست” أن 29 سيارة كهربائية بيعت في ديسمبر/كانون الاول 2024، بينما تؤكد شركة “BYD” الصينية أنها تبيع نحو 20 سيارة شهريًا في لبنان، في مؤشر واضح إلى الازدهار في هذا المجال.

تحفيزات ضريبية وسهولة في الاستيراد
الارتفاع في الأعداد مدفوع بحوافز مالية جذابة، حيث يستفيد مستوردو السيارات الكهربائية منذ عام 2018، من إعفاءات جمركية، وقد تمّ تجديد هذه الإجراءات ضمن موازنة 2024، إلى جانب تخفيض بنسبة 70% على رسوم تسجيل هذه السيارات. وبذلك أصبحت السيارات الصينية، ذات الأسعار التنافسية أساسًا، أكثر جذبًا للزبائن اللبنانيين.
وفي يوليو/تموز 2024، أعلن فريد الحمصي، المدير العام لشركة “إيمباكس” (وكيلة علامة Zeekr) خلال إطلاقها في لبنان، أن “هذا التعاون يمثل خطوةً مهمةً في السوق المحلية، ويعكس التزامنا بالاستدامة والتكنولوجيا المتقدمة”.
وتتميّز هذه السيارات بتصاميم عصرية وتجهيزات متطوّرة، وبمدى سير يتراوح ما بين 400 و600 كلم. لكن الوضع على الأرض وتحديدًا التضاريس الجبلية، قد تقلّص هذا المدى بنسبة تصل إلى 20%.
مقارنةً بالسيارات الأوروبية الأكثر تكلفة، تبدو الخيارات الصينية أكثر واقعيةً للباحثين عن مركبات حديثة بأسعارٍ معقولةٍ ومناسبةٍ في تحوّل لافت يعيد تشكيل سوق السيارات في لبنان بصمت.

من يشتري السيارات الصينية؟
موجة الشراء هذه لا تقتصر على فئة واحدة. وحسب شركة “BYD”، “باقة زبائننا تمثل كل شرائح المجتمع: من رجال الأعمال إلى الموظفين ومن الشباب إلى كبار السن”. وبينما لا يزال سعر الوقود في لبنان أقل من نظيره الأوروبي، تشكل الكلفة التشغيلية العالية للمركبات التقليدية عبئًا متزايدًا على الأسر التي تملك أكثر من سيارة.
نظريًا، تقدّم السيارات الكهربائية بديلاً موفّرًا على المدى الطويل… لكن بشرط أساسي: توفر الكهرباء.

سيارة بلا مأخذ كهرباء؟
ولكن هناك معضلة كبرى، فعلى الرغم من ازدياد المبيعات، يبقى عدد محطات الشحن في لبنان محدودًا جدًا. لا توجد أرقام رسمية، لكن منصة “Chargemap” لا تسجل سوى حوالي 12 محطة شحن فقط. أما مشروع “EV Zone”، الذي وعد بنشر 150 محطة خلال عام 2024، فلم ينجز سوى 15 منها حتى اليوم.
وتُساهم بعض المبادرات الفردية بسدّ النقص جزئيًا، من خلال محطاتٍ في مواقف مراكز تجارية وسوبرماركيتات، أو عبر شركة “Medco” التي جهزت بعض محطاتها بأجهزة شحن.
ومع ذلك، لا تزال البنية التحتية بعيدةً عن تلبية الطلب المتزايد، وهذا ما يدفع المالكين للبحث عن حلول بديلة: المولد أو تركيب الألواح الشمسية أو الاعتماد على وصلات كهربائية مرتجلة.
في بلدٍ تشكل فيه الكهرباء العامة سلعةً نادرةً، ترتفع الفاتورة سريعًا. يروي جورج، الطالب الجامعي كيف قام “بتركيب نظام شحن خاص في منزلي ضمن سعر السيارة. لا توجد محطات قرب جامعتي، ولا يمكنني ترك السيارة على بُعد كيلومترات. وقد ارتفعت فاتورة الكهرباء كثيرًا”. تؤكد “BYD” أنها توفر نظام شحن مجاني عند الشراء، بقدرة تصل إلى 8 أمبير.

سوق ناشئة دون بنية تحتية
إلى جانب معضلة الشحن، تشكّل الصيانة مشكلةً أخرى: فالسيارات الصينية لا تزال، على الرغم من ميزاتها جديدة على السوق، ممّا يصعّب تقدير قيمتها في السوق الثانوية، ناهيك عن صعوبة توفر قطع الغيار.
كما أن عدد الميكانيكيين الذين يملكون الخبرة أو الأدوات اللازمة لصيانة هذه المركبات المعقّدة متواضع. ونتيجةً لذلك، يضطر المالكون للعودة دائمًا إلى الوكيل. يعلق فادي، وهو ربّ أسرة، في هذا الصدد: “لا أستطيع الذهاب إلى أي كاراج. الميكانيكيون يفتقرون للخبرة للتعامل مع سيارتي، وهذا ما يضطرني للعودة إلى المزوّد الأصلي”.
ومع ذلك، تبدو بعض المزايا وكأنها صمّمت خصيصًا للبنان. ووفقًا لمجموعة “إيمباكس”، تمتلك بعض السيارات خاصية الشحن الذاتي تصل إلى 30% عند النزول في المناطق الجبلية، وهي ميزة تتماشى تمامًا مع طوبوغرافيا البلاد.
لكن هذه الميزات لا تعوّض غياب سياسة وطنية واضحة، حيث تنحصر السيارات الكهربائية في لبنان بمبادرات فردية في ظلّ فراغ استراتيجي في مجال النقل المستدام… ثورة صامتة من دون دعم حكومي.
وأخيرًا، ربما نجحت الصين في العثور على سوقٍ لسياراتها، لكن هل وجدت السيارات بلدًا يستوعبها بحق؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us