النظام الإيراني وتعقيداته القاتلة

ترجمة هنا لبنان 4 حزيران, 2025

كتب Charles Chartouni لـ”This is Beirut“:

في الشرق الأوسط، المشهد يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم ومشاكله تكاد تصبح مستعصيةً… بيد أن تصاعد التوترات ليس طارئًا، بل هو وليد سياسة تخريبية تتبعها إيران عمدًا منذ أعوام طويلة.

وفي الأصل، لطالما انتهج الإيرانيون سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية في مفاوضاتهم بشأن الملف النووي. وها هو حزب الله يعرقل عملية التطبيع في لبنان، يينما تواصل حماس سياساتها القائمة على حافة الهاوية… وما بين بين، تتفاقم الأزمة في غزة ويتكبد المدنيون الأثمان الباهظة للمواجهة العسكرية. أما المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فتشهد حالة من الجمود، وتدور في حلقة مفرغة حول مسألة واحدة، بالتوازي مع استعراض الخلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بشكل علني. وهذا يعني أن احتمالات التطبيع الإقليمي الشامل التي تلوح في الأفق باتت مهددة، على الرغم من ضعف الوكلاء الإيرانيين الذين لا يزالون نشطين.

المفاوضات الأميركية – الإيرانية تنكبّ حصرًا على تخصيب اليورانيوم، والإيرانيون يتجاهلون عمدًا سياساتهم العامة التي تزعزع الاستقرار ويواصلونها بكل تعنت. أما الإدارة الأميركية ففي حالة من التردد والعجز عن توسيع نطاق المفاوضات. وكلما حاول الإيرانيون فرض أجندتهم، كلما فقدت إسرائيل رغبتها بالمشاركة في العملية الجارية. كما أن تقاطع الشروط المسبقة لكلا الطرفين مستبعد ما يعني أن أساليب التخريب قد تطغى على كل مسعى. وتنذر سياسات العرقلة الإيرانية والنطاق الضيق للمفاوضات والمواظبة على النهج التخريبي، بفشل المسار القائم وإعادة ترتيب الأولويات العسكرية.

لقد آن الأوان ليتخلّى النظام الإيراني عن عنجهيته ويعود إلى طاولة التفاوض من دون مواربة إذا كان ينوي تنفيذ تحول استراتيجي جوهري… وهذا ما ليس مطروحًا على ما يبدو. فالشرعية التي يستند إليها النظام تواجه تحديًا عميقًا، وتكمن عقدته في الموازنة بين التطبيع والانفتاح من جهة، وتداعيات ذلك على بقائه من جهة أخرى. ولم يستطع هذا النظام البتة تقبل هذه الشروط إيديولوجيًا، كما لا يبدي أي استعداد للتخلي عن مصالح الديكتاتورية الدينية وحلفائها. ويُراهن المفاوض الإيراني على رفض واشنطن الدخول في حرب، وعلى رغبة الرئيس ترامب بالظفر بلقب صانع سلام وربما بان يحظى بجائزة نوبل.

لكن الحق يقال أن هذا التكتيك يفتقر لبعد النظر ولا ترتجى منه أي نتيجة. أما الحكومة الإسرائيلية، فواظبت على نهج مرتبط بالدينامية الجيوسياسية المستجدة، والتي أدت إلى تدمير “المنصات التشغيلية المتكاملة” للنظام الإيراني. ولم تسلم الملاذات النووية الإيرانية من هذا التمدد، حيث باتت في مرمى الاستهداف الإسرائيلي في هذه المرحلة. وعلى الرغم من أن الخلافات بين واشنطن وتل أبيب قد لا تنتهي، يبقى نتنياهو عازما على المضي في استراتيجية الاحتواء سواء سجل اتفاق نهائي أم لا. الوقت يداهم الجميع، والقضايا المطروحة مصيرية بما يكفي لتفرض التأمل الجاد قبل فوات الأوان. وهذا يستدعي من إيران التخلي عن مماطلتها، ومن الإدارة الأميركية عدم التساهل مع أي مماطلة غير مبررة، كما يتوجب على إسرائيل مواجهة تحدياتها المتعددة.

أما الوضع المأساوي في غزة فيستدعي وساطة دبلوماسية حازمة وفورية، تربط المسائل الإنسانية العاجلة بحل سياسي يطال القضيتين معًا. ولا بد لهذا الحل أن يشمل إطلاق سراح الأسرى والمفقودين (الأحياء منهم والاموات) وخروج حماس من غزة تحت غطاء دولي، وتُشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تجمع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وائتلاف أممي، تتولى إدارة القطاع. أما عن القضايا السياسية الكبرى، مثل أمن إسرائيل القومي واستكمال عملية السلام مع السلطة الفلسطينية، فيمكن معالجتها في إطار منفصل.

أما في لبنان، فقد دقت ساعة التصدي للمشاكل المزمنة التي تهدد السيادة المنقوصة وتفتح الأبواب على مصراعيها أمام التدخلات الخارجية وتُعيق الحكم الفاعل من خلال إبقاء البلاد رهينة الصراعات الإقليمية… إن سيطرة حزب الله العابرة للحدود تُقوّض مفهوم الدولة والأمة كما يقود عجز الحكومة الجديدة عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن (1701، و1680، و1559) تدريجيًا إلى تفكك الدولة اللبنانية. وكل ذلك يضع البلاد على طريق حرب أهلية، ويُفاقم الفراغ الاستراتيجي في المنطقة. الأمر محسوم ولا يمكن للمسار السياسي الحالي أن يستمر بكل تناقضاته، حيث أن ديناميات القوى المتمردة التي تطغى عليه لا تنسجم مع ضرورات السلم الأهلي والحاجة لإعادة الإعمار واستقرار المنطقة.

لا يمكن لحالة عدم اليقين هذه أن تدوم.. وبالتالي، على الأطراف الفاعلة حسم خياراتها وتجنب الحسابات الخاطئة، حيث أن القواعد قد تغيرت وما عادت السيناريوهات الجديدة في ميزان القوى والتكوينات السياسية مجرد تخمينات. لقد آن الأوان لتُسلّم إيران بانهيار طموحاتها الإمبراطورية، وعلى الولايات المتحدة الإشراف على عملية الاستقرار كما على الفلسطينيين التعاطي بأسس أكثر واقعية مع إسرائيل ووضع حدّ لأوهام القضاء على الدولة العبرية. وبدورها، على إسرائيل إعادة بناء توافقاتها الداخلية بما يتيح التوصل لحل واقعي للقضية الفلسطينية. وإلا، فإن الشرق الأوسط مقبلٌ على فوضى كبرى، قد تعصف بما تبقى من النظام الإقليمي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us