هل يُكسر الجمود القضائي أخيرًا؟

ترجمة هنا لبنان 8 حزيران, 2025

كتبت Natasha Metni Torbey لـThis Is Beirut:

في تطوّرٍ لافتٍ قد يُحدث خرقًا في جدار الجمود القضائي، أشارت مصادر قضائية مطّلعة إلى أنّ لبنان يتهيّأ أخيرًا للمضي قدمًا في ملف التعيينات القضائية المعلّق منذ أكثر من خمس سنوات بفعل التجاذبات السياسية. هذا الجمود، الذي شلّ مفاصل القضاء منذ عام 2020، بدأ مع رفض الرئيس السابق ميشال عون لائحة التشكيلات التي اقترحها مجلس القضاء الأعلى، في إطار صراعٍ محتدمٍ على النفوذ.

جذور هذا المأزق تعود إلى يونيو/حزيران 2020، حين وضع مجلس القضاء الأعلى لائحةً موسّعةً للتعيينات قوبلت برفضٍ قاطعٍ من الرئيس السابق عون ووزيرة العدل آنذاك ماري كلود نجم، بحجّة “انعدام الموضوعية” في آلية اختيار القضاة. غير أنّ الذرائع القانونية لم تخفِ السبب الفعلي: امتعاض فريق عون من استبعاد قضاة يُعتبرون مقرّبين من التيار الوطني الحر، وعلى رأسهم القاضية المثيرة للجدل غادة عون، التي كانت تشغل منصب المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان.

وفي الواقع، لم يكن القضاة المدرجون على اللائحة بنظر فريق الرئيس، “صالحين” لخدمة أجندة التيار، فجُمّدت كلّ التعيينات منذ ذلك الحين، في وقتٍ أصرّ فيه مجلس القضاء الأعلى على رفض أي تدخل سياسي.

وعلى الرَّغم من أنّ التعيينات القضائية تخضع لقانون تنظيم القضاء المعدّل عام 2001، تعكس الممارسة الفعلية واقعًا مغايرًا، إذ غالبًا ما تُختطف آلية التعيين لصالح المحاصَصَة الطائفية والولاءات السياسية، بينما تتراجع معايير الكفاءة والأقدمية.

آلية التعيينات القضائية

يتألّف مجلس القضاء الأعلى من عشرة أعضاء، يتولّون إعداد لائحة التعيينات التي تشمل مناصب محوريةً في محكمة التمييز بالإضافة للمدعين العامين وقضاة التحقيق ورؤساء الغرف.

وبعد مصادقة المجلس على هذه اللائحة، تُحال إلى وزير العدل، الذي يحقّ له الاعتراض شرط تقديم تبريرٍ مكتوبٍ. وإذا لم يتمّ التوصل إلى توافقٍ، يمنح القانون مجلس القضاء صلاحية اتخاذ قرار نهائي إذا أيّده سبعة أعضاء من أصل عشرة.

لكن هذا السيناريو المثالي نادرًا ما يتحقّق، إذ يعمد بعض وزراء العدل لتجميد التعيينات من دون تقديم مبرّرات أو حتّى الانخراط في نقاش مع المجلس، ما يُفقد العملية شفافيتها.

وحتّى إذا وافق الوزير، فإنّ لغمًا إضافيًا قد يعترض المرسوم، إذ يجب أن يحمل تواقيع رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزيري المالية والدفاع، ما يجعل من إتمام التعيينات أشبه بمهمةٍ مستحيلةٍ، حتّى في أفضل السيناريوهات.

اجتماع مفصلي لمجلس القضاء: هل يبدأ العد العكسي؟

من المرتقب أن يعقد مجلس القضاء الأعلى، حسب مصادر قضائية مطلعة، اجتماعًا حاسمًا بعد ظهر الإثنين، يُتوقع أن يكون مفصليًا في حسم مصير التعيينات. ويبدو أنّ عوامل متعدّدة تدفع اليوم نحو تسوية، في مقدمتها الضغط الناجم عن الشغور في مواقع قضائية أساسية، ما تسبّب بتوقف عددٍ كبيرٍ من المحاكمات وعجز بعض القضاة عن البت في ملفاتهم بسبب غياب النصاب أو التشكيلات اللازمة.

ومن جهةٍ أخرى، يشتدّ الضغط الدولي، خصوصًا من الاتحاد الأوروبي، الذي يربط الإفراج عن مساعداتٍ ماليةٍ بتنفيذ إصلاحاتٍ قضائية. كما يُصرّ صندوق النقد الدولي على استقلاليّة القضاء كشرطٍ رئيسيّ لإطلاق أي خطة إنقاذ اقتصادي.

أمّا داخليًا، ثمّة من يرى أن انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة جديدة أوجدا مناخًا سياسيًا أكثر استقرارًا، يُمكن أن يُتيح تمرير تسويةٍ مدروسةٍ.

وإذا نجحت المشاورات، من المنتظر إطلاق عملية تجديد جزئية في الجسم القضائي الأعلى. غير أن الحذر سيّد الموقف، فلا أحد يملك توقيتًا دقيقًا أو جدولًا زمنيًا واضحًا. لكنّ الرئيس عون أعلن الإثنين الماضي أنّ التشكيلات القضائية ستتمّ “قريبًا”، من دون أن يحدّد موعدًا نهائيًا.

إصلاح… أم إعادة توزيع الحصص؟

على الرَّغم من التفاؤل الحذر، يُحذّر مراقبون من الإفراط في التعويل على إصلاحٍ جذريّ. ويقول مصدر قضائي، طلب التحفّظ عن اسمه، إنّ ما ينتظر لبنان ليس بالضرورة إصلاحًا بنيويًا، بل صفقة جديدة تُعيد تقاسم النفوذ بين الكتل السياسية، كلّ منها يضمن “حصّته” في القضاء، وِفق منطق المحاصَصَة القديم المتجدّد.

واليوم، تخضع الإصلاحات المطلوبة في لبنان في مختلف القطاعات لتدقيقٍ دوليّ دقيقٍ، ولا سيما في ملف القضاء. فهل سيكون ما يُحاك خلف الكواليس مجرّد إعادة توزيع للمناصب، أم خطوة حقيقية نحو الإصلاح وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة؟

وبانتظار توافق نادر… هل من حَسْمٍ حقًّا في بلدٍ يمكن فيه قلب المعادلات في أي لحظة…

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us