إيران: نظام الموت والخراب!

كتب Hussain Abdul-Hussain لـThis Is Beirut:
عقود من الزمن انقضت، لم يتغيّر فيها شيء ولم تتوقّف فيها آلة الحرب والدمار الإيرانية عن زرع الفوضى… ذلك واقع مرسّخ في ذكريات الطفولة والصّبا. في أوائل الثمانينيات، كنت طالبًا في المدرسة الابتدائية ببغداد، وحينها اعتاد مدرّسونا اصطحابنا إلى الشوارع لترديد هتافاتٍ غاضبةٍ ضد “الخميني المنافق” الذي رفض إنهاء الحرب بين إيران والعراق. في ذلك الوقت، لم يخطر ببالي البتّة أنّ الأيام ستمضي وأني سأواظب على ترديد الشعارات ذاتِها والحديث عن الحروب نفسها التي يُشعلها النظام الإيراني الديني باستمرار. هذا النظام لا تشبعه الحروب، بل يواصل تطوير مسيّرات متفجّرة وصواريخ باليسيتية ويسعى لامتلاك سلاحٍ نوويّ، كما يسلّح جماعاتٍ مسلّحةً في دول مثل لبنان واليمن والسودان.
النظام الإسلامي في إيران مبني على الحرب وتغيير طبيعته كفيل بتحريك عجلة الانهيار. فهل يمكن إبرام صفقات مع نظام قائم على الموت والدمار؟
في العقدَيْن الماضيَيْن، كرّست وقتي في الولايات المتحدة للبحث والمناقشة وتقديم المشورة في شؤون السياسة الخارجية. وخلال تلك الفترة، شهدت على تعاقب خمس إدارات أميركية، كلّها ارتكبت الخطأ نفسَه: الاعتقاد بإمكانية التفاهم مع إيران بعقلانية. وفي كلّ مرة، كانت الأمور تُفضي لنتيجةٍ واحدةٍ في نهاية المطاف: المزيد من التسلّح الإيراني وتصاعد الصراعات ومضاعفة الموت والخراب.
في المُحصّلة، كثيرًا ما تقع السياسات الجيدة في شَرك السياسات الرّديئة وتصطدم بها.
ويدرك كلّ صنّاع القرار في الولايات المتحدة تمام الإدراك أنّ النموذج الأمثل للنظام الإسلامي الإيراني الجيّد هو “النظام الميت”. ومع ذلك، لا تفوتهم التكلفة السياسية الباهظة للحرب. ولهذا السبب، يفضّلون مجاراة الرأي العام عوضًا عن تشكيله وتوجيهه.
لقد رسّخَت حروب العراق وأفغانستان في نفوس الأميركيين قناعة عبثية الحروب التي لا تأتي إلا بالشرور… لكن هذه النظرة لا تحمل إلّا جزءًا من الحقيقة. وتظهر مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية في كلا البلدين اليوم تحسّنًا واضحًا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام 2000. كما أنّ العالم ما عاد يخشى أن يُصدّر أي منهما الإرهاب كما في السابق.
ومع ذلك، لا تعرف إلا قلّة من الأميركيين أنّ العراق، بات بعد كل ما جرى، أفضل مما كان عليه قبل حرب 2003. والحال سيّان بالنسبة لفيتنام، التي شكلت في غابر الأزمان مستنقعًا أكثر تعقيدًا وخطورةً من العراق، وباتت اليوم أقرب إلى الولايات المتحدة مقارنةً بعداوتهما اللدودة قبل نصف قرن.
نعم، لا شك أن الحروب فوضوية وبشعة… لكنّها قادرة على إحداث تغييرات إيجابية على المدى الطويل. لقد اختبرت ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية هذا المخاض، وانتقلت من أنظمةٍ استبداديةٍ إلى ديمقراطياتٍ مزدهرة. لم يكن ذلك الانتقال سلسًا أو متوقّعًا، وكذلك الحال بالنسبة للعراق وأفغانستان. وإذا كُتب لإيران التحرّر في يوم من الأيام من نظامها، سيترتّب عليها خوض المسار نفسه.
أمّا اليوم، يواصل النظام الإسلامي في إيران تطوير برنامجه النووي، ويقترب أكثر فأكثر من امتلاك السلاح النووي. كما يُعيد استيراد المواد اللّازمة لإنتاج الصواريخ الباليستية، بعد أن نجحت إسرائيل إلى حدّ كبير في إضعاف قدراته التصنيعيّة في هذا المجال. وفي لبنان، يسارع هذا النظام إلى بناء ميليشيا “حزب الله”. والخميس الماضي، دمّرت إسرائيل ثمانية مواقع داخل لبنان، تضمّنت بمعظمها مصانع لإنتاج المسيّرات المتفجّرة.
يرزح لبنان، الذي يعيش في الأصل حالة انهيار، تحت قبضة النظام الإيراني. وعلى الرَّغم من أن “حزب الله” وقّع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب التي بدأها على إسرائيل، لا ينوي الالتزام بأي من تعهداته، فالاتفاق ينصّ على نزع سلاح الحزب بالكامل، لكن الواقع على الأرض مغاير تمامًا: إعادة تسليح وتسريع للجاهزية القتالية. أمّا الدولة اللبنانية الضعيفة، فتحاول التمسّك بأي دورٍ من خلال تحميل إسرائيل مسؤولية “العدوان”… وبذلك، لا تقدمُ أي إضافة سوى تأكيد هامشيتها في الصّراع الدائر بين حزب الله وإسرائيل.
وإذا كانت إيران تُعيد تسليح وكيلها في لبنان، فلا شكّ أنها تواظب على الشيء نفسه في سوريا. أمّا في اليمن، فاستطاعت طهران التفوّق على الولايات المتحدة وفرض نفوذها هناك. وفي السّودان، أقام النظام الإيراني الإسلامي قنوات اتصال، وبدأ تزويد القوات المسلحة السودانية بطائراتٍ مُسيّرة مفخخة، كما شرع ببناء ميليشيا إسلامية على غرار “حزب الله” وميليشياته في العراق.
ومن ثمّ، هناك برنامج إيران النووي. تدّعي طهران أنّه لأغراضٍ مدنيةٍ، لكنّ هذا الادعاء يفتقد المصداقية إذ إن الاستخدام المدني لا يحتاج لتخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 20%، بينما إيران تقوم بتخصيبه بنسبة 60%.
كما أنّ هناك وسائل سلمية متاحة لتوليد الطاقة النووية، مثل استيراد اليورانيوم المخصّب أو التقنيات البديلة، لكن إيران ترفضها جميعها. وتصرّ على التخصيب محليًا، لأنها تريد الاحتفاظ بالقدرة على التحوّل من الاستخدام المدني إلى العسكري متى شاءت. أمّا الضمانة الوحيدة التي تقدمها للعالم فهي كلمتها… وهي لا تعني شيئًا، لا سيما أن منشأة “نطنز” النووية بُنيت في الخفاء، ولم تُكشف إلّا عبر أجهزة الاستخبارات الغربية.
لقد قضيت عمرًا وأنا أقاوم وأعلّق على هذا النظام الإيراني الإسلامي التدميري. واليوم وقد استُنفد الكلام، توصلتُ إلى نتيجةٍ واحدةٍ لا لبس فيها: السياسة الوحيدة القادرة حقًا على كسر حلقة الدم والدمار هي اقتلاع هذا النظام الإسلامي من جذوره. وما عدا ذلك، لا شيء سوى الأوهام…
مواضيع ذات صلة :
![]() لا أفق مسدودًا للحوار مع “الحزب” حول نزع السلاح! | ![]() الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة على شبكة الشحن الإيرانية | ![]() أزمة المياه في إيران تُغلق المدارس وتُقلّص ساعات العمل |