هل اصطدم لبنان بنقطة اللاعودة؟

كتب Charles Chartouni لـ”Ici Beyrouth”:
الخسارة الفادحة لمصداقية الحكومة اللبنانية الجديدة لم تكن مجرّد انتكاسة عابرة، بل مؤشرًا خطيرًا إلى مسارٍ سياسيّ متهالك… لقد هدر لبنان فرصةً تاريخيةً لإعادة تأهيل كينونته الوطنية، بعد عقودٍ من الحروب والصراعات التي مزّقت نسيجه ووحدته وكِيانه الجغرافي والسياسي… وكلّ ذلك في توقيتٍ استثنائيّ، قلبت فيه التحوّلات الإقليمية، مدفوعةً بالهجوم الإسرائيلي المضادّ، الطاولة على مشروع الهيمنة الإيراني ودمّرت البنى التشغيلية لطهران، فأسقطت إحدى أبرز أدوات نفوذها في الشرق، ومعها الدور الذي لعبه لبنان كمنصةٍ أماميةٍ لمشروعها الإقليمي.
ولطالما شكّل لبنان قاعدةً متقدمةً للمشروع الإيراني في المنطقة… مشروع بُني بصبرٍ على مدى عشرين عامًا. وبعد الضربة القاصِمة التي تلقّتها طهران في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بات لبنان اليوم الملاذ الأخير الذي تلجأ إليه إيران في محاولتها لإعادة ترتيب صفوفها واستعادة نفوذها. ويعمل النظام الإيراني على تعويض خسائره من خلال إفشال أي مساعٍ داخليةٍ لإعادة بناء الدول التي خرجت عن سيطرته، من خلال تغذية مشاريع الحرب الأهلية وتأجيج الفوضى وتوسيع المناطق الخارجة عن السيطرة، في منطقةٍ غارقةٍ في الاضطرابات بالفعل.
حزب الله، الذي كان يُعتبر الرمز الرئيسي لاستراتيجية التوسّع الإيراني، تعرّض لتدميرٍ شاملٍ تقريبًا، ولم يبقَ منه سوى بقايا لا تكاد تشكل أي أساس لإعادة بناء أي قوة. كما أنّ حجم الهزيمة وأثرها السياسي والرمزي يُفشل أي محاولة لإحياء هذا المشروع. وبالتالي، لا فائدة من إعادة سرد روايةٍ تذكّرنا بتداعيات مشروع “مسيحاني” انهار بالكامل وفقد كل مصداقية.
ولكن في محاولةٍ يائسةٍ للبقاء، تسعى إيران لإعادة تنشيط حزب الله وإحياء المرحلة الثالثة من الإمبريالية الإسلامية الإيرانية. وتدفع الحزب لاستعادة السيطرة على الداخل اللبناني من خلال تزويده بالأدوات اللازمة، بهدف إعادة تحويل لبنان إلى منصةٍ إقليميةٍ للتخريب ولنشر عدم الاستقرار في المنطقة والابتزاز السياسي.
لكنّ هذا “الانبعاث المُصطنع” يجري في بيئةٍ محليةٍ مهترئةٍ، يغلب عليها التآكل البنيوي للنظام السياسي وتغلغل الجريمة المنظّمة ونفوذ الميليشيات الشيعية وتحالفات مصلحية فاسدة تمتدّ من بقايا النظام الطائفي إلى الحركات الفلسطينية السياسية المتكلّسة والتي تعود جذورها إلى فترة الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي (في إشارةٍ غير مباشرةٍ إلى شخصياتٍ من أمثال نوّاف سلام).
لقد أخفقت الحكومة الجديدة في المهمّة الموكلة إليها من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة لتحقيق السلام والتطبيع. واستمرار الغارات الإسرائيلية بشكل متقطّع كشف هشاشة سياسةٍ تعتمد على خداعٍ وادّعاءاتٍ زائفةٍ. وأجهزت الفوضى الأمنية الأخيرة على ما تبقّى من وهم الاستقرار، وأسقطت “ورقة التوت” عن مشهد سياسي منخور بالتناقضات.
ووضعت كارثة الأمن التي شهدها لبنان الأسبوع الماضي حدًّا للوهْم الذي طالما أضعف مصداقية النظام السياسي الهشّ والمليء بالتناقضات. فقد فقدت الحكومة الجديدة والبرلمان الحالي، والسلطة القضائية شرعيّتها على المستويين القانوني والعملي. وهذا الأمر يستدعي إصلاحات جيوستراتيجية وسياسية ومؤسّساتية متزامنة لوضع حدٍّ للفجوة الكبيرة بين الأقوال والأفعال.
عدا عن ذلك، يرتبط الاستقرار الجيوسياسي والإصلاح المؤسّسي ببعضهما البعض بشكلٍ وثيقٍ ولا بدّ من العمل على تطويرهما بالتوازي. كما يستحيل الحديث عن السلام والإصلاح في بلدٍ يعاني من حالة عدم استقرار مستمرّة. يجب تجاوز هذا الواقع من خلال تبنّي نهجٍ سياسيّ شاملٍ حيث يُكمل كلّ من الاستقرار والإصلاح بعضهما البعض. استقرار لبنان يتطلّب تحقيق السلام مع إسرائيل، كخطوةٍ أولى لأي سياسةٍ تهدف إلى الاستقرار والإصلاح. لقد حان الوقت ليختار لبنان سياسةً جريئةً تقطع مع الأفكار المُسبقة وتزيل الحواجز التي أدت إلى سبعين عامًا من النزاعات المفتوحة.
ومن الواضح أنّ الحكومة الجديدة تعارض التغييرات الجذرية التي باتت ضروريةً لبقاء البلاد. أمّا الوضع في لبنان، فيُستغل من قبل السياسة الإيرانية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار، بهدف التحايل على ضغوط مفاوضات الملف النووي الإيراني، والحفاظ على موطئ قدم إيراني في لبنان، واستمرار وهم انتقام إيراني مزعوم ومشروع سياسي مسيحاني فاشل.
ختامًا، أي فائدة تُرجى من انتظار تحوّلات دراماتيكية في صفوف الطبقة السياسية الحاكمة، حيث تستمر الروايات والمصالح الاستراتيجية والمافيوية باستنساخ إرثٍ سياسيّ مبنيّ على الإفلات من العقاب وتطبيع الفساد. لبنان ما عاد قادرًا على البقاء في مناطق الظلّ أو الاستمرار في حالة الانتظار الموقتة… الوقت لا يصبّ في مصلحة أحد والتاريخ لا يمنح الكثير من الفرص!
مواضيع ذات صلة :
![]() وزير العدل يهدد بالإستقالة بشكل جدّي.. واحتمال عقد جلسة حكومية الإثنين | ![]() سلام: لا إفلات من العقاب بعد اليوم | ![]() تعيينات مجلس الوزراء: آلية “غبّ الطلب”! |