لبنان بين مدارات الأمل والثقوب السوداء.. العد العكسي بدأ بالفعل!

كتب Marc Saikali لـIci Beyrouth:
حركة مكوكية لا تستكين على مدرجات مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت والمركبات الدبلوماسية تحط وتنطلق هذا الأسبوع بسرعة المحركات النفاثة… المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان، حط رحاله على الأرض اللبنانية فيما يستعد مركبا الأميركيين توم باراك ومسعد بولس للإقلاع في الأسابيع المقبلة.
ومع ذلك، على الرغم من انتخاب رئيس جديد ومن الحركة التي توحي بأن الكون بأسره يدور في فلك لبنان، يصر هذا الأخير على الدوران في فلكه الخاص… ضمن مدار مغلق يعصى معه على أبراج المراقبة السياسية، العثور على دليل الملاحة المناسب…
يبدو أن لبنان… ذلك البلد الذي يفتقد للجاذبية السياسية والمحاصَر في دائرة مفرغة من الأزمات، لا يستعد لرحلةٍ باتجاه مدار جديد، بل يميل للسقوط التدريجي الحرّ في “ثقب أسود” بلا قرار.
وفي هذا الفلك، يتكرّر السيناريو نفسه في كل مرة: المهام الدبلوماسية من أي شكل تعبر محطات ثلاث، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، مع توقف اختياري لدى القائد الأعلى للجيش.
المحطة الأولى بدأت بتوجيه دعوة مباشرة إلى حزب الله لـ”تسليم السلاح”. والرد بقي ثابتًا من نعيم قاسم، أمين عام الحزب: “لن نسمح لأحد بنزع سلاحنا”. كأن لبنان محاط بثقب أسود يمنع تفكيك قوة غير رسمية خارجة عن السيطرة.
بالنسبة للغرب، الضغوطات تتزايد لفرض جدول زمني لنزع السلاح، لكنه من دون صدى لدى الميليشيات المتجذرة كأقمار صناعية لا تستجيب إلا لجاذبية طهران.
وفي فضاءٍ موازٍ، محاولة إطلاق مرحلة ثانية: نزع السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. يفترض بالعملية الانطلاق في 15 يونيو/حزيران من بيروت، قبل الانسحاب على بقية الأراضي اللبنانية. لكن مذ ذاك، اختفى أي مؤشر إلى بدء التنفيذ، وكأن الإشارة انقطعت في الفضاء السحيق، والعدّ التنازلي توقف في فراغ زمني لامتناه.
في المدار الثالث، قوات اليونيفيل التي تشرف على الاستقرار في جنوب لبنان في حالة من التأرجح. الأميركيون والإسرائيليون يتساءلون عن جدوى هذه القوة التي تكلف الكثير من دون أن تتمكن من وقف ترسخ حزب الله في الجنوب. والأسوأ من ذلك، الهجمات التي يقوم بها بعض “المتعاطفين” مع الحزب ضدّ قوات حفظ السلام، بشكل يعقد مهامها أكثر فأكثر.
أما الإصلاحات، فتدور في فلكٍ خاص يستحيل تقاطعه تقريبًا مع أرض الواقع. يلوح منها طيف لكنها تبقى بعيدة المنال، في ظل خطط مشبوهة من “صندوق النقد الدولي” تُفاقم الأزمة الاقتصادية، وضرائب جديدة على المحروقات أشعلت غضب المواطنين الشاعرين أصلًا بالضياع في هذا الفضاء السياسي المعتم.
في نهاية المطاف، يبدو لبنان أقرب لمحطةٍ فضائيةٍ تنعدم فيها الجاذبية لصالح التناقضات: الأسلحة تتزايد بالتوازي مع ارتفاع الاصوات لنزعها… وكأن لبنان عالق داخل ثقب أسود من الأنانية والمصالح المتضاربة.
لكن ذلك لا يعني النهاية… ولا بدّ من استعادة زمام المبادرة وإعادة ضبط بوصلة القيادة وفصل نظام القيادة الآلية قبل أن يفقد لبنان ما تبقّى من بنيته السياسية واستقراره الهشّ بشكل كامل.
وأخيرًا، في الجهة المقابلة من الفضاء الإقليمي، تلمع دمشق كنجمٍ صاعدٍ في سماء إعادة الإعمار، مع استقطابها استثمارات ضخمة تُقدّر بـ400 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية، فيما يغرق لبنان في أزمة مستعصية بلا أفق، ما يهدد بتحويل أبنائه إلى يدٍ عاملة مُهاجرة إلى مدن سورية تتألق وتستعيد بريقها.
وإذا بقي المشهد على حاله، ربما تتأكد نظرية الأكوان المتوازية، حيث يسبح لبنان تائهًا في فراغه الخاص، بينما تتألق دول الجوار في مداراتٍ مستقرة.
هنا، على كوكب الأرض، الأزمة حقيقية… و”هيوستن” لبنان بحاجة للإنقاذ من كارثة محقّقة.
مواضيع ذات صلة :
![]() مجلس الوزراء في بعبدا الإثنين لبحث تداعيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية | ![]() “الخارجية” تتابع أوضاع اللبنانيين العالقين في الخارج | ![]() الجيش: توقيف أشخاص لارتكابهم جرائم مختلفة منها إطلاق النار والتهريب |