عجلة نزع السلاح تتحرك.. والخطوة التالية التطبيع

كتب Hussain Abdul-Hussain لـ “This is beirut“:
اليوم وقد أيقن قادة لبنان أنّ إسرائيل والولايات المتحدة ستعمدان متى استدعت الحاجة، لاستخدام القوة ضد إيران، وبعد أن ثبت لهم أنّ تهديدات الصين وروسيا ليست أكثر من زوبعة في فنجان، تحرّكت بيروت أخيرًا باتجاه نزع سلاح حزب الله. عجلة نزع السلاح تتحرك والخطوة التالية: تطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل.
على الأرض ترجم ذلك بمشهد سياسي نادر، حيث أطلق الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، المعروف بتلقفه البارع لتحولات المنطقة، بطريقة غير مسبوقة.
واستخدم جنبلاط للمرة الأولى منذ عام 2008، عبارة “نزع سلاح حزب الله” التي كانت من التابوهات في الماضي. ولم تقف المفاجأة عند هذا الحد، حيث قام جنبلاط بخطوة أبعد، على نقيض الخطاب الذي سادت فيه الدعوة لتجريد الحزب من السلاح مع الإبقاء على العداء لإسرائيل. فهذه المرة، صرح جنبلاط بالهوية السورية لمزارع شبعا. وهذا يعني عدم اعتبار هذه المزارع الحدودية بين لبنان وإسرائيل وسوريا، نقطة نزاع مع إسرائيل. ومع خروج شبعا من المعادلة، يسهل حلّ أزمة النقاط الحدودية الـ12 المتبقية.
وبما أنّ ترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل بات ممكناً، حان الوقت لتطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل. وعلى الرغم من أنّ موقف جنبلاط الرمزي ركز على ضرورة تربية اللبنانيين أبناءهم على بطولات الماضي في مواجهة إسرائيل، كي لا تُمحى من الذاكرة الوطنية، تبرز في طياته رسالة حاسمة: التطبيع آتٍ لا محالة.
هذه القراءة لا تقتصر على جنبلاط فحسب، فمنذ أن تعرض النظام الإيراني للضربات الإسرائيلية الموجعة، ارتفعت الأصوات اللبنانية التي تتحدّث علنًا عن التطبيع مع إسرائيل.
كما أنّ شخصيات سياسية مقرّبة من رئيس الحكومة نواف سلام بدأت بالتحرّك عمليًا والعمل على صياغة مشاريع قوانين تُلزم حزب الله بتسليم سلاحه للجيش اللبناني، على أن يتم ذلك في شهر آذار المقبل. هذا التحرك قد يكون مدفوعًا بحسابات انتخابية أيضًا، حيث يسعى بعض النواب لتعزيز حظوظهم في الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار 2026.
وفي حال رفض حزب الله تسليم سلاحه، تشير المسودات إلى ضرورة قيام الدولة بتفويض التدخل العسكري للجيش لفرض سيادتها ونزع السلاح بالقوة إذا لزم الأمر.
كما أنّ استعراض القوة العسكرية الإسرائيلية داخل إيران ما عاد محصورًا بطهران، وتبعاته السياسية بدأت تظهر في بيروت. وللمرة الأولى منذ توقيع لبنان على اتفاق وقف إطلاق نار ينص صراحة على نزع سلاح حزب الله، يتناول مجلس الوزراء اللبناني الملف بجدّية في جلسته هذا الأسبوع.
ولا تتوقف الحكاية عند هذا الحد، حيث تشير بعض المؤشرات إلى أنّ حزب الله نفسه بدأ يُدرك حجم فقاعة “المقاومة” التي كان يتلطى بداخلها، خصوصاً بعد تكشّف هشاشة النظام الإيراني وتردده في خوض مواجهة حقيقية، وسرعة تخلّيه عن أذرعه.
لقد خاض لبنان مواجهة دامية مع إسرائيل لمدة 13 شهراً، من تشرين الأول 2023 حتى تشرين الثاني 2024، في واحدة من أطول الحروب وأكثرها كلفة على حزب الله.. حرب كلفت الحزب قياداته ومنصاته الصاروخية وعددًا كبيراً من مقاتليه.
ومع ذلك، ألقى الأمين العام السابق حسن نصرالله خطاباً ملؤه التحدي والرفض لوقف إطلاق النار غير المشروط الذي كانت إسرائيل قد وافقت عليه، وأصر على وقف الحرب في غزة أيضًا. في النهاية، لم تمر أيام قليلة حتى قامت إسرائيل بتصفيته في عملية خاطفة.
وفي المقابل، بالكاد صمدت صورة إيران.
وسارعت طهران في اليوم الثاني فقط بعد استهداف جنرالاتها ومشغّلي منشآتها النووية ومصانع الصواريخ ومخازنها، للتوسل عبر الوسطاء من أجل وقف إطلاق النار.
وبحلول اليوم الثاني عشر، كان النظام الإيراني الإسلامي قد قبل بوقفٍ غير مشروط لإطلاق النار، دون أن يجرؤ على المساومة.
هذا الاستسلام السريع زلزل القواعد الشعبية لحزب الله، بحيث يقارن العديد من أنصاره بين صمود 13 شهراً في جنوب لبنان… وبين انهيار إيران في 12 يوماً فقط.
أضف إلى ذلك أنّ طهران، التي اعتادت ضخّ الأموال، تخلّت عن التزاماتها المالية تجاه الحزب، وهذا ما أجبر مصرف الحزب (القرض الحسن) على تجميد القروض ومنع السحب من الودائع. وهذا ما دفع كوادر حزب الله للتساؤل في الأصل حول الجدوى من المقاومة.
لبنان يقترب بخطى متسارعة من نزع سلاح حزب الله وترسيم الحدود مع إسرائيل والتفاوض على صفقة سلام مُربحة. وذلك خصوصاً إن حملت أي صفقة محتملة انتعاشاً لخزينته المنهارة وأعادت فتح أبواب الاستثمارات الدولية. وللمفارقة، يُسرّع الوضع السوري من الوتيرة، حيث أنّ البلاد الخاضعة لحكم مجموعة من “المتطرفين التائبين” سابقاً، تسارع من كل حدب وصوب للتطبيع وتسعى لجذب رؤوس الأموال.
إن سلسلة الهزائم العسكرية التي مُنيت بها إيران أمام إسرائيل لن تكفي وحدها لإخراجها من المشهد، ونعيم قاسم، خليفة نصر الله، لا يمتلك الكاريزما أو القوة لاحتواء التدهور.
المؤشرات تشير إلى احتمال تسليم الحزب سلاحه سراً ضمن صفقة خلف الكواليس، بالتوازي مع استثماره في العلن لخطاب “المقاومة” الفارغ.
كل ذلك يستدعي من اللبنانيين الحفاظ على التفاؤل الحذر… الفرصة استثنائية بلا شك لكن المسار لا يزال محفوفًا بالمخاطر.
وعلى بيروت أن تبقي عينيها شاخصة على الهدف.
ومع ذلك في الختام، يبدو أنّ هناك شعاع نور يلوح في آخر النفق…
مواضيع ذات صلة :
![]() متى تنتهي المهلة الأميركية لنزع السلاح؟ | ![]() مطالب بتحديد جدول زمنيّ لـ “نزع السلاح”.. ولبنان يؤكّد: لا محادثات بشأن “التطبيع” |