إيران على أعتاب انتفاضة شعبية؟

كتبت Natasha Metni Torbey لـ”Ici Beyrouth“:
في ظلّ التغييرات في الموازين الإقليمية، يعود سؤال ملحّ ليطفو إلى السطح: هل تغذي الحرب في الشرق الأوسط وتراجع قوة النظام الإيراني، انتفاضة شعبية كفيلة بتغيير أو بإسقاط الحكم في إيران؟ وإن حدثت، هل ترتفع حظوظ نجاحها إذا تأمن الدعم من الخارج؟
لا شك بأنّ الحرب الإقليمية التي هزت الشرق الأوسط أعادت هذه التساؤلات إلى الواجهة. فهل تقف إيران على أعتاب انتفاضة شعبية تقلب الموازين؟ هل تعبّد الظروف الحالية الطريق أمام تحول سياسي عميق، أم قد يحدث العكس وتزداد السلطة استبداداً؟ على الرغم من توفر عوامل الثورة (من تراجع السطوة الدينية وتدهور الاقتصاد ونمو جيل شاب على المطالبة بالحرية)، يحافظ العديد من الخبراء والمراقبين على تشككهم. في السطور الآتية، نستعرض المشهد.
موجات احتجاجية
شهدت إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، عدة موجات احتجاجية، تحديداً في الأعوام 2009، و2017-2018، و2019، وآخرها “امرأة حياة حرية” عقب وفاة مهسا أميني عام 2022. انتفاضات كبيرة قمعت كلها بلا رحمة.
أما اليوم، توحي عوامل عدة بإمكانية حدوث انتفاضة: إيران تشهد أزمة خانقة تضع اقتصادها، المُنهك جرّاء الحرب والعقوبات الدولية وسوء الإدارة، على شفا الانهيار. التضخم متسارع ومعدلات البطالة ترتفع والفقر إلى تزايد…
وفي هذا السياق، يشرح أحد الخبراء لـIci Beyrouth أنّ “انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 سرّع من وتيرة الانهيار الاقتصادي. كما أنّ الثقة الشعبية في النظام، الذي يُنظر إليه على أنه بعيد واستبدادي، تآكلت بشكل كبير”. كما يشير إلى أهمية العامل الديموغرافي الذي يدعم هذا التوجه، حيث يبلغ أكثر من نصف السكان أقل من 35 سنة. وتتميز هذه الشريحة بالتعلم وبالسعي وراء تحديث سياسي واجتماعي لا يبدو النظام العجوز قادراً على تحقيقه.
ولكن كيف يزال النظام قائمًا؟
الاحتجاجات كشفت عن غضب عارم إزاء الفساد والقمع السياسي واللامساواة الاجتماعية في إيران، لكنها لم تتحول إلى حركات مؤسساتية. وذلك بسبب غياب القيادة الموحدة وانعدام تنسيق طويل الأمد، وافتقارها للدعم الخارجي. يؤكد جوناثان بيرون، المؤرخ والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “إيتوبيا” أنّ “الظروف غير مؤاتية لانتفاضة مستدامة. نحن في مرحلة ما بعد الصراع.. مرحلة يطغى عليها الخوف والقمع وغياب البديل السياسي الموثوق. ويفاقم ذلك انقسام المعارضة في المنفى. فالملكيون والجمهوريون العلمانيون ومجاهدو خلق والديمقراطيون والليبراليون الاجتماعيون… كلها فصائل تجد صعوبة في التوحد، بسبب عقود من الانقسامات الأيديولوجية وانعدام الثقة المتبادل.
والحال سيان بالنسبة للشتات الإيراني، حيث يؤكد بيرون عدم وجود توافق أو إجماع بين الفصائل المختلفة والفشل الذي منيت فيه محاولات التقارب النادرة. كما يُوضح أنّ الفريق الوحيد الذي يحظى بدعم منظم نسبياً، أي الحركة المحيطة بنجل الشاه، رضا بهلوي، قد فقدت مصداقيتها لدى جزء من المعارضة بسبب تقاربها مع إسرائيل والدعم الذي تحظى به من قبل المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.
هذا التشرذم يصعب حشد حركة شعبية واسعة تستطيع أن تتجاوز القبضة الأمنية للنظام. وبالنسبة لبيرون، لا يكفي الوضع الاجتماعي والاقتصادي، على الرغم من حدته، لإشعال انتفاضة. “الانتفاضات مكلفة، والإضراب يعني فقدان الدخل، ولا يمكن استدامة الانتفاضة على المدى الطويل دون امتلاك ما يكفي لتلبية الحاجات الأساسية”.
وتتقاطع وجهة النظر هذه مع رأي متخصص آخر فضل التحفظ عن هويته، حيث قال إنّ “المعارضة الداخلية لا تزال مجزأة، وليس هناك من قائد موحد يستطيع مد الجسور لجمع مختلف التيارات (الإصلاحيين والمتشددين والمنفيين). وهذا التشتت هو ما يضعف القدرة على تحويل الاحتجاجات الاجتماعية اليوم إلى حركة سياسية مستدامة”.
ماذا عن الدعم الدولي؟
الآراء تتباين حول العوامل التي تسهل أو تعيق تغيير النظام. وبينما يعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي وأجهزة الاستخبارات تراهن وتعمل على إسقاط النظام، يرى آخرون أنّ المفتاح يكمن في مكان آخر. ويرى ميشال دوكلو، المستشار الخاص بمعهد “مونتين”، والسفير الفرنسي السابق ونائب الممثل الدائم لفرنسا في الأمم المتحدة بنيويورك، أنّ القوى الغربية، لا ترغب بإشعال المزيد من الفوضى في منطقة مضطربة أصلاً على الرغم من انتقاداتها لطهران.
ويشير إلى أنّ الولايات المتحدة اعتمدت في عهد دونالد ترامب نهجًا براغماتيًا ينطوي على ممارسة الضغط من أجل تحسين شروط التفاوض. “في نهاية المطاف، لا يهتم الرئيس الأميركي، على حد قوله، بطبيعة النظام بقدر ما يهتم بإبرام صفقة”.
ويبرر دوكلو وجهة نظره بالإشارة إلى سماح الرئيس دونالد ترامب بنقل النفط الإيراني إلى الصين، بعد الحرب (تحديداً في 24 حزيران الماضي)، كوسيلة لـ”تثبيت النظام مؤقتًا وفتح نافذة لإعادة التفاوض حول الملف النووي”. ويشير دوكلو إلى أنّ “الأمر لا يتعلق بدعم النظام، بل بتركه قادراً على البقاء بما يكفي لإجراء المفاوضات”. ووفقاً له، قد تخلق هذه المقاربة مسافة بعيداً عن الخط الإسرائيلي المتشدد الذي يركز على إضعاف النظام بشكل كامل. وبالفعل، كانت إسرائيل تسعى لتمديد الصراع بهدف إرهاق النظام وتشجيع انتفاضات إقليمية. “ليس من قبيل الصدفة استهداف تبريز، المعقل الأذري، لاختبار ولاء المناطق المحيطة للنظام”، حسب دولكو الذي يعتبر مع ذلك أنّ الحرب كانت قصيرة (12 يومًا) وأنّ ترامب فرض وقف إطلاق النار بسرعة.
أما حلفاء طهران، على غرار الصين وروسيا، فيدعمون الوضع القائم، حيث يهتمون بالحفاظ على مصالحهم الاقتصادية والجيوسياسية. ووفقًا لدوكلو، يقلص هذا الواقع بشكل كبير من فرص وجود دعم دولي فعّال للحركات الاحتجاجية الشعبية.
وعلى الصعيد الإقليمي، توجد منافسة واضحة بين دول الخليج، خصوصًا السعودية وطهران. ومع ذلك، غالبًا ما تتبع هذه الدول نهجًا عمليًا وغير مباشر، متجنبةً المواجهة المباشرة التي قد تؤدي إلى نزاع شامل.
نظام إيراني أكثر تشدداً؟
لا بد من توفّر عدة شروط في آن معاً، من أجل نجاح أي انتفاضة: شرارة قوية توحد الجميع وقيادة موحدة وتنظيم قادر على مقاومة القمع وسياق دولي يقيّد قدرة النظام على القمع.
ومع ذلك، النظام الإيراني لا يزال يمتلك ترسانة أمنية قوية، وجهازًا أيديولوجيًا متماسكًا كما يحظى بدعم شعبي محافظ إلى حد ما، خصوصًا في المناطق الريفية وضمن الفئات العمرية الأكبر.
وبدلاً من الذهاب نحو التحول الديمقراطي، يبدو أن المزيد من التشدد يلوح في الأفق. يلفت بيرون ودوكلو إلى استمرار القمع بالفعل، في ظل الاعتقالات الواسعة في مدن عدة. كما تسود حالة من جنون الارتياب القمة بعد تسلل أجهزة استخبارات إسرائيلية إلى داخل النظام والتهديدات بالتمرد. عدا عن ذلك، يتزايد الشعور بالريبة تجاه السكان يومًا بعد يوم. “النظام سيتصرف كالعادة: سيستخدم القمع والإجبار والمزيد من التقوقع”.
ويعتبر دوكلو أنّ الصدمة الناتجة عن الحرب قد تؤدي بالأساس إلى إعادة توزيع السلطة داخل النظام. كما يتوقع تصفية حسابات بين فصائل النظام، خصوصا داخل الأجهزة الأمنية، ويرجّح تهميشًا تدريجيًا للمؤسسة الدينية لصالح جناح الحرس الثوري. هذا الجناح، الذي قلما يكترث للقضايا الأخلاقية، قد يتمسك أكثر بمواصلة البرنامج النووي وبدرجة أكبر من السرية.
في هذا السيناريو، قد تتجه إيران نحو نظام أكثر استبدادًا وعسكرية، ولكن ربما أقل تحفظًا اجتماعيًا قليلاً.. في تحول داخلي بعيد تماما عن أي انتفاضة تحررية.
وبالنظر للظروف الراهنة، يبدو أنّ الحرب لم تضعف النظام إلى حد الانهيار، بل وحدت ولو مؤقتاً، الصفوف حول السلطة. ومع ذلك، لا يمكن للنظام التعويل على ذلك فالفقر والعزلة الدبلوماسية والقمع اليومي يكفلون تأجيج الغضب الشعبي.
أما السؤال الأهم، فيتمحور حسب ما يختم دوكلو، حول قدرة النظام على التفاوض بجدية على اتفاق جديد مع الولايات المتحدة. ربما تأتي الفرصة المؤاتية لكن النظام الإيراني المتردد بين تطرفه الأيديولوجي وطموحاته السياسية، غالبًا ما يفشل في انتهازها!
مواضيع ذات صلة :
![]() الولايات المتحدة وإيران: ما الذي سيحدث تاليًا؟ | ![]() بعد أسبوع من استهدافه.. وفاة قائد في الحرس الثوري الإيراني | ![]() الكرملين: لا يمكن حالياً تحديد حجم الأضرار في المنشآت النووية الإيرانية |