لبنان وسوريا وألغاز السلام

ترجمة هنا لبنان 8 تموز, 2025

كتب Charles Chartouni لـ”This is Beirut”:

تأثيرات النفوذ الإيراني في المنطقة لم تختف بشكل كامل بعد.. وذلك لأنّ أيًّا من الدول المعنية لم تعثر على المسار الحقيقي نحو الاستقرار. وها هي سوريا تتخبط بين تعقيدات إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية، وتحتاج لوقت طويل قبل استعادة التوازن. وها هو لبنان يعاني من حالة التخبّط داخل الطائفة الشيعية، التي ترفض تقبّل انهيار مشروعها الدموي القائم على العنف والدمار. وما بين بين، دوامات من العنف تعصف باستمرار على الحدود بين الدولتين، دون قدرة حقيقية على وقف هذا التوتر. كما لا تساعد التغيّرات الكبيرة والمستمرة على التهدئة في المنطقة، ما لم تنحسر الأزمات.
حالة عدم الاستقرار في لبنان، تعزى في جانب كبير منها، لذهنية الطائفة الشيعية، التي ترفض تقبل فكرة الهزيمة العسكرية بعد أربعة عقود من التعبئة الدينية المتشددة والنشاط المسلح الراديكالي والارتباط بالجريمة المنظمة وخوض حروب مفروضة بخدمة المشروع الإيراني والهيمنة الشيعية الإقليمية. أما التدمير الإسرائيلي المنهجي للبنية التحتية العسكرية والقدرات التابعة لهذا المشروع فقد أشعل حالة من الإنكار الجماعي، وأدى إلى عقلية هستيرية منعت الطائفة الشيعية من التكيّف مع الواقع الجديد والتخلي عن أوهام أربعين عامًا من الغطرسة السياسية والانحراف المؤسسي واستعادة الحد الأدنى من التوازن المدني.. توازن يكفل إعادة التواصل مع باقي مكوّنات الشعب اللبناني والانفتاح على المجتمعين العربي وعلى العالم.
حالة الإنكار الجماعي هذه تعيق إلى جانب الانغلاق النفسي، قدرة الطائفة الشيعية على العودة إلى الحياة السياسية الداخلية والخارجية بطريقة واقعية. فغالبية هذه الطائفة ترفض الاعتراف بالهزيمة العسكرية بالتوازي مع رفض تحمّل مسؤولية الكوارث التي تسببت بها بنفسها. وترجم الفشل الخارجي بمحاولات جديدة للسيطرة على البلاد من الداخل، من خلال سياسة التطويع القسري الكامل والتنسيق مع جماعات إسلامية سنية متطرفة وشبكات إجرامية منظمة، ما يمهّد الطريق لمزيد من عدم الاستقرار وربما لحرب أهلية جديدة. كما أنّ التعنت في رفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة (1701، 1559، 1680) والاستمرار في الانفصال عن الدولة اللبنانية، يفتح الباب أمام مواجهة نهائية مع إسرائيل.. مواجهة قد تترك عواقب وخيمة وغير محسوبة. هذا المسار لا يهدد استقرار المنطقة فحسب، بل يشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن الدولي، حيث ينذر تصاعد التوترات باتساع رقعة النزاع وجرّ الدول المجاورة إليه.
وفي هذه المعمعة، فقدت الحكومة اللبنانية الجديدة مصداقيتها بسرعة، حيث تستمر الهيمنة على القرار السياسي من قبل الطائفة الشيعية بعرقلة أداء الدولة، بالتوازي مع تدهور فيه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير. كما تتضاءل فرص السلام يومًا بعد يوم.
لقد بات مصير الدولة اللبنانية مهددًا، وتطرح علامات الاستفهام حول احتمالات العودة إلى الوضع الطبيعي أكثر من أي وقت مضى.
وفي المقابل، شكّل الصعود السريع لتنظيم “هيئة تحرير الشام” المتشدد في سوريا صدمة، وأثار تساؤلات كثيرة حول الاتجاهات السياسية المقبلة. لكن هذا الغموض بدأ بالتلاشي حين أظهر أحمد الشرع استعداده الواضح للسير نحو “التطبيع” السياسي. وبدا أنّ خطابه يميل نحو نهج أكثر اعتدالًا، يعترف بالتعددية السياسية ويتعامل معها ضمن شروط نسبية.
ومع ذلك، تشكل إعادة بناء بلد مدمر بهذه الدرجة، تحديًا بالغ الصعوبة، خصوصا في غياب الإمكانات المالية واللوجستية. ويبدو أنّ التجربة المريرة، والحس الواقعي لدى الشرع، والضغوط التي يفرضها واقع الدمار، لعبت دورًا حاسمًا في تعديل نظرته السياسية. ولكن الشرع يواجه تحديات داخلية كبيرة على الرغم من قوته القيادية، على غرار وجود جهاديين دوليين وتيارات تطرف ديني، وتضارب مصالح مع أطراف محلية.
وهكذا، سرعان ما استحالت المرحلة الانتقالية الهادئة، سياسة انتقامية عشوائية، استهدفت بالدرجة الأولى الطائفة العلوية وهددت أمن الدروز والمسيحيين، وطرحت علامات استفهام حول استقلالية الأكراد. وعلى الرغم من ادعاء احترام التعددية الدينية والقومية، فشل الشرع حتى الآن في التعامل مع المكونات الأخرى من الند للند، ولا يزال أسيرًا لتعالٍ ديني سنّي متجذر، تغذيه سنوات من الإقصاء السياسي والشعور المتجدد بالتفوق الأخلاقي.
كما أنّ عدم القدرة على إعادة تفعيل التعددية الإثنية والدينية من خلال حوار مفتوح ومؤسسي تعكس عجز النظام عن تجاوز الفوارق المؤسساتية المهينة والثقافة السياسية الدينية التي تهمش الجماعات الإسلامية الأقلية وغير المسلمين، وتتعاطى معهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وتؤثر هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمدنية بشكل كبير على الإصلاحات المخطط لها وعلى مصداقية النظام، مع أن المساعدات الدولية للتنمية مشروطة بتحسين سجلاته في هذا المجال. كما أنّ آثار الحرب التي أدت إلى هجرة جماعية تستوجب معالجة عاجلة من خلال سياسات إعادة التوطين والتنمية.
ومهما بدا هذا المسار معقدًا أو صعبًا، يبدو أنّ أحمد الشرع يدرك أهمية استعادة المصداقية الدولية تمام الإدراك وتأثير ذلك على مستقبل سوريا. في المقابل، لا يصرّ المتطرفون في حزب الله، على تكرار الطقوس الأيديولوجية المدمرة نفسها ويستمرون بإنكار آثارها الكارثية على الرغم من هزيمتهم المدوية. ومع ذلك، المشهد الجيوسياسي العام في إيران والشرق الأدنى يتشكل حالياً بشكل حاسم والتبعات الثورية ستترك آثارها العميقة على مجمل الإقليم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us