حزب الله: “الدولة الطفيلية” جوهر المشكلة وليس السلاح!

ترجمة هنا لبنان 16 تموز, 2025

كتب Hussain Abdul-Hussain لـ”This Is Beirut”:

البساطة مفيدة في عالم السياسة شرط ألّا تتحول إلى سذاجة… لأنها آنذاك، تصبح وصفةً حتميةً للخراب. وفي لبنان، تهدّد هذه السذاجة بالذات جوهر القرار الأممي رقم 1701. فالقرار، الذي ينص في الأصل على تفكيك ميليشيا حزب الله وفرملة تصنيع السلاح وتجفيف مصادر التمويل غير الشرعي، اختُزل تدريجيًا، تحت وطأة  الضغوط والمساومات، بتسليم “الأسلحة الثقيلة والمتوسطة”، أو “بالتخلي عن الأسلحة التي تُهدّد إسرائيل”، كما أشار الموفد الأميركي توم باراك.

هذه المقاربة التبسيطية تُغفِل جوهر المشكلة: الأمر لا يجب أن يقتصر على نوعية السلاح بيد الحزب بل على وجود الحزب نفسه كـ”دولة داخل الدولة” أو كدولة طفيلية تشكل تهديدًا وجوديًا للبنان.

خطورة حزب الله لا تكمن في ترسانته العسكرية فحسب، بل في إيديولوجيته وفي سلوكه السياسي والأمني. فالحزب لا يعترف، باعتباره وكيلًا إيرانيًا، بلبنان كوطن مستقل وقائم بحدّ ذاته، بل يعتبر نفسه جزءًا من مشروع إقليمي بقيادة “الولي الفقيه” في طهران. وذلك بشهادة أمينه العام السابق، حسن نصر الله، الذي لم يتردّد بتوصيف نفسه كـ”جندي في جيش خامنئي”، ما يعني أن ولاءه العقائدي والسياسي ليس لبيروت، بل لطهران.

ومن هذا المنطلق، يتخطّى حزب الله كل الخطوط الحمر والحدود الجغرافية ويتدخّل في الحرب السورية وفي العراق وفي اليمن وحتى في المواجهة مع إسرائيل… كأن لبنان ليس أكثر من نقطة انطلاق لمعركة أكبر لا ناقة فيها لمواطنيه ولا جمل.

وبعكس ما قد يتخيّله البعض، على غرار الموفد الأميركي توم باراك، حزب الله ليس حزبًا سياسيًا قابلًا للتطبيع. بل هو تنظيم عقائدي يُقحم لبنان في صراعاتٍ إقليميةٍ لا تخدم مصالحه الوطنية، وهو يُدير نفوذه من خلال دولةٍ موازيةٍ، تمتد في مفاصل الإدارة والأمن، وتفرض سيطرتها من خلال أدوات الهيمنة والقوة والترهيب والاغتيالات.

وقد بنى حزب الله في الأصل منذ انسحاب الجيش السوري عام 2005، نظامًا موازيًا، يدير من خلاله أمنه وسلاحه وأمواله، وحتى إعلامه الخاص. ولا يحتاج حزب الله من أجل فرض سطوته على الداخل اللبناني، إلى صواريخ دقيقة أو مسيّرات، حيث أن الأسلحة الفردية، المدعومة بجهاز قيادة وسيطرة منظّم ومموّل، كافية لإخضاع أي معارضة فعلية.
والأخطر من السلاح بعد، أن حزب الله يدير شبكات تهريب وتبييض أموال وتمويل إرهاب تمتدّ عبر دول العالم، وتحوّل لبنان إلى دولة شبه معزولة دوليًا.

وفي المحصلة، حتى لو سلم الحزب الأسلحة الثقيلة، تبقى هذه الشبكات قائمةً، وتُقوّض سيادة لبنان وتشوّه صورته عالميًا. وبالتالي، يشكّل نزع السلاح نصف المعركة فقط. أما النصف الثاني، فمرتبط بتفكيك شبكاته الإجرامية ومؤسساته الموازية. ولا يمكن الحديث عن تحوّل حزب الله إلى “حزب طبيعي” ما لم يتم تجريده من أدوات السلطة الخارجة عن القانون.

وبينما قد يقول قائل إن حزب الله يملك ثاني أكبر كتلة في البرلمان ويمثل جزءًا كبيرًا من الشعب، يبقى هذا التمثيل مخادعًا، إذ يسيطر الحزب على الساحة الشيعية عبر قمع المعارضين ومنعهم من الترشّح أو التعبير، ويصوغ قوانين الانتخابات على مقاسه، بما يضمن فوزه على الرغم من المعارضة داخل بيئته.

ويتذرّع حزب الله وحركة أمل بتمثيل الطائفة الشيعية بكاملها عبر 27 نائبًا، لكن هذا التمثيل قائم على قمع المنافسين داخل البيئة الشيعية، من خلال منعهم من تنظيم حملات انتخابية أو إقصائهم من السباق. أما قانون الانتخاب، فمُصمّم على قياس الثنائي، بحيث لم يفلح أي مرشح معارض في الوصول إلى البرلمان عام 2022 على الرغم من أن 17% من الناخبين الشيعة صوّتوا ضد حزب الله وأمل. وإن كان الموفد الأميركي يرى في الكتلة النيابية لحزب الله مؤشرًا إلى شرعيته السياسية، يمكن اختبار حجمه الحقيقي من خلال تفكيك ميليشياه ومؤسساته غير الرسمية.

ومن ثم، يعمد بعض المحلّلين لمقارنة وضع حزب الله مع تنظيمات مثل “هيئة تحرير الشام” في سوريا، والتي أزيلت من قوائم الإرهاب بعد أن أصبحت سلطة أمر واقع. لكن هذا القياس خاطئ، لأن لبنان يمتلك بالفعل مؤسّسات شرعية من برلمان ورئاسة وحكومة حتى ولو بدت ضعيفةً، بينما حزب الله يخنق هذه الدولة من الداخل، بدل أن يملأ فراغها.

لا يمكن لأي دولة التنعّم بالسلام والازدهار بوجود دويلة داخلها. فإما الدولة اللبنانية الشرعية وإما دويلة حزب الله الموازية. لبنان لا يتسع لدولتين معًا. واللبنانيون بمعظمهم يريدون دولتهم، لا دويلة حزب يحتكر قرار المصير. والغالبية الساحقة من اللبنانيين تريد حلّ مؤسسات الحزب الله الموازية وليس الاكتفاء بنزع السلاح. لكن الدولة ضعيفة، وعاجزة أو خائفة أحيانًا من المواجهة. وهنا، لا يمكن للولايات المتحدة التساهل أو التعاطف مع أعذار الدولة اللبنانية، بل عليها ممارسة الضغط الفعلي لإنهاء هذا الوضع.

الولايات المتحدة ساهمت في بناء النظام العالمي القائم على سيادة الدول القومية وحماية سيادة لبنان تصب في مصلحتها وفي مصلحة إسرائيل والمجتمع الدولي بأسره. وكلّما أدرك الموفد الأميركي أن نزع سلاح حزب الله ليس سوى الخطوة الأولى، كلما كسب الوقت للبنان وللعالم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us