فعّالية اليونيفيل تحت المجهر

ترجمة هنا لبنان 17 تموز, 2025

كتب Mario Chartouni لـ “Ici Beyrouth“:

على بعد أقل من شهرين على انتهاء ولايتها (في 31 آب/أغسطس 2025)، تواجه قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) موجة من الانتقادات المتكرّرة حول فعاليتها وجدوى وجودها، لا سيما في ظل تصاعد التوترات في الجنوب اللبناني.
وكُلّفت اليونيفيل منذ العام 2006، بموجب القرار 1701، بضمان عدم وجود أي مجموعات مسلحة جنوب نهر الليطاني، لكن الوقائع الميدانية تبرهن عجزها المستمر عن فرض سلطتها على الرغم من أنّ عديدها يتخطى الـ10,000 جندي مع ميزانية سنوية تناهز 500 مليون دولار.

تفويض طموح… وواقع مخيّب
وفي الأصل، اقتضت مهمة اليونيفيل الأساسية بدعم الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة في الجنوب وضمان خلوه من أي ميليشيا، خصوصا حزب الله.
لكن الواقع يثبت العكس: حزب الله واصل تعزيز وجوده العسكري في الجنوب وفرض قيودًا على تحرّكات اليونيفيل، مانعًا إياها من الوصول إلى مساحات واسعة.
كما سُجّلت عشرات الحوادث التي أعاقت حرية تنقل دوريات القوة الدولية، تراوحت بين التهديدات وسرقة المعدات وصولاً إلى إطلاق النار. وفي شباط/فبراير الماضي، أضرم أنصار لحزب الله النيران في آلية لنائب قائد القوة في مطار بيروت، مما أدى إلى إصابته بجروح.
وفي السياق نفسه، أشار مركز “ألما” (Alma) الإسرائيلي المتخصص بالأمن شمال إسرائيل، إلى تمركز عناصر قوة “الرضوان” التابعة لحزب الله وإلى وجود أنفاق هجومية، بالقرب المباشر من مواقع اليونيفيل، دون أن تحرك تلك الأخيرة ساكنًا. كما اتهم المركز نفسه اليونيفيل بأنها بمثابة “درع بشري” يحول دون تنفيذ الغارات الإسرائيلية.

عجز معلن؟
وبينما تصر اليونيفيل على أنّ دورها “تنسيقي ورقابي”، تتعرض لانتقادات تتّهمها بتفسير تفويضها بشكل ضيق للغاية. ذلك أنّ قرار مجلس الأمن 1701 يجيز لها استخدام “كافة الوسائل الضرورية” لمنع استخدام منطقتها لأغراض عدائية، ضمن قدراتها وبموافقة الدولة اللبنانية. ومع ذلك، لم تحقق اليونيفيل في استهداف أكثر من 3,000 موقع عسكري من قبل إسرائيل منذ أكتوبر 2023، كما أنّ تفكيك مستودعات الأسلحة الذي جرى مؤخرًا تم إما على يد الجيش اللبناني أو بفعل الغارات الإسرائيلية.
وحسب صحيفة “واشنطن إكزامينر” (Washington Examiner) الأميركية المحافظة، تحوّلت اليونيفيل إلى “برنامج مساعدات متنكر”، تستفيد منه الدول المشاركة، دون أن تنفّذ مهمتها الأصلية.
أما صحيفة “إسرائيل هيوم” ( Israel Hayom) فذهبت أبعد من ذلك، بالإشارة إلى حالات فساد داخل القوات الدولية، منها تلقي جنود أمميين رشاوى من حزب الله مقابل حصوله على معدات مراقبة. لكن هذه الادعاءات تفتقر إلى أدلة موثوقة أو تحقيقات مستقلة.

منعطف 2023-2024: هل تغيّر المشهد؟
التوازنات تغيرت في أعقاب اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر 2023. ومع وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كانت بُنى حزب الله العسكرية في الجنوب قد تعرضت لضربات قاضية.
وفي ظل هذه التطورات، أعلن الرئيس جوزاف عون حصرية السلاح بيد الدولة وانتشر الجيش اللبناني بكثافة في الجنوب، بدعم من آلية رقابية مشتركة تضم: الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل ولبنان واليونيفيل.
وتتولى هذه الآلية الإشراف على تنفيذ ومتابعة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
ومنذ ذلك الحين، تحققت نتائج ميدانية ملموسة: وفقاً لمركز الأبحاث الإسرائيلي INSS، تم تفكيك أكثر من 500 موقع لحزب الله، وتدمير 90% من بنيته التحتية على الحدود. كما حددت اليونيفيل أكثر من 225 مخبأً للأسلحة، علماً بأن هذه النتائج تأتي حسب إسرائيل نتيجة الضغط العسكري الإسرائيلي والدور الأميركي، وليس بفضل كفاءة القوات الدولية.
ووفق “واشنطن إكزامينر”، بات الجيش اللبناني يسيطر على أكثر من 80% من جنوب لبنان، وينفّذ عمليات ضبط ومصادرة أسلحة تتجاوز ما أنجزته اليونيفيل في عقدين.
وهكذا، تحوّلت اليونيفيل تدريجيًا إلى قوة تؤدي مهام إنسانية ولوجستية في المقام الأول.

ماذا عن الخيارات المستقبلية المطروحة؟
النقاش المرتقب في مجلس الأمن سيكون مفصليًا دون شك، مع عدة سيناريوهات محتملة:
أولاً، تجديد التفويض دون أي تعديل.. وهو الطرح المدعوم من قبل لبنان وفرنسا والصين وروسيا. وهو خيار يرى فيه معهد Washington Institute نوعًا من “الكسل الدبلوماسي” الذي سيُبقي على بعثة مكلفة وغير منتجة.
ثانياً، الإصلاح العميق.. وهو خيار تؤيده الولايات المتحدة وإسرائيل. ويشمل تقليص عدد الجنود إلى نحو 2,500 عنصر، وتركيز الجهد على الربط الاستخباراتي وردود الفعل السريعة وتقييم الأداء على أساس نصف سنوي.
ثالثاً، إنهاء المهمة بالكامل، وهو سيناريو تطرحه مراكز كـ”ألما” و”المعهد الأميركي للأبحاث AEI”، بالإضافة إلى “واشنطن إكزامينر”. ويؤكد AEI أنّ فشل اليونيفيل ليس استثناءً بل جزء من أزمة أوسع تطال نموذج حفظ السلام الأممي نفسه.
وحسب المعهد، لم تخفق اليونيفيل في منع الحرب فحسب، بل ساهمت في خلق الظروف التي سمحت باندلاعها، من خلال موقفها السلبي وميلها للتساهل مع إعادة تسليح حزب الله.
ويوسّع المعهد النقد ليشمل بعثات أممية أخرى اتهمها بالفشل، على غرار “مونوسكو” في الكونغو و”يونفيك” في قبرص.
وفي وضعها الراهن، باتت اليونيفيل أقرب لمشاهد صامت على مسرح إعادة تشكيل الجنوب اللبناني، تتلقى الضربات دون أن تصنع القرار وتكتفي بدور حارس الظل.
ولئلا تتحوّل اليونيفيل إلى رمز أممي باهظ الكلفة وعديم الجدوى، لم يعد أمامها إلا خيار واحد: التغيير الجذري والشامل. وإلا فسيجعل التلكؤ من حلّها الخيار المنطقي والوحيد!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us