للوافدين إلى لبنان… دليل النجاة في بلد التناقضات!

ترجمة هنا لبنان 23 تموز, 2025

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth”:

أهلًا وسهلًا بكل وافد لقضاء العطلة الصيفية في لبنان… إليك دليل مقتضب للنجاة في بلدٍ تسير فيه الأمور على خير ما يرام، بشكلٍ ما، على الرَّغم من أنّ كل ما في الواقع يُحاكي العكس تمامًا! بادئ ذي بدء، اختبار النجاة يبدأ قبل أن تطأ قدمك الأرض اللبنانية حتّى… فقد يُخيَّل لك أن وجهة الذهاب هي المريخ بسبب التعرفة الخيالية لتذاكر الطيران، وقد تمرّ ببالك فكرة ساخرة حول بيع بيت في فرنسا أو كندا لتأمين التكاليف. ومع ذلك، تحطّ بك الطائرة، وسرعان ما تجد نفسك في قلب فوضى منظمة لم يسبق لك أن رأيت مثيلًا لها!

باكورة التوجيهات في المطار: إياك وسيارات التاكسي! تجنّب التاكسيات إلّا في حال الاستعلام المسبق عن الأسعار. فهذه الأخيرة متذبذبة بشكلٍ غريبٍ وقد تصل إلى 80 دولارًا مقابل عشر دقائق فقط! اللبناني الحقيقي لا يطلب سيارات الأجرة، بل يتصل بقريب أو صديق، أو سائق يناديك بـ”حبيبي” على “واتساب” قبل أن يراك حتّى، ويؤكّد مرارًا أنه بانتظارك في الموقف B5، على الرَّغم من أن إطار سيارته لم يتحرّك بعد!

الخطوة التالية على الأرض اللبنانية… أهلًا بك في مغامرة جديدة! متاهة الطرقات تعصى على تطبيقات الخرائط نفسها! الشوارع غارقة في الظلام، وإشارات السير معطلة أو شبه معدومة… لكأن بك في لعبة هروب مجنونة. ومع ذلك، لن تُترك وحيدًا… والمارة الذين يحفظون الطرقات عن ظهر قلب سيساعدونك أو سيحاولون المساعدة، حتّى الغرباء عن المكان منهم!

أمّا عن المشاهد التي ستطالعك، فضرب من ضروب التناقض أيضًا… ستمرّ في أحياء تبدو متهالكةً كأنّ أعنف الزلازل عصفت بها: مبانٍ باهتة وأسلاك متدلّية تقطع المدى بينك وبين السماء، وهوائيات على وشك السقوط… ومع ذلك، ستجد في كل بيت مكيفًا حديثًا! حتّى في أكثر الأحياء تواضعًا. وبينما الأوروبيون غارقون في الشكوى من ارتفاع درجات الحرارة إلى 34 درجة، يتغلغل اللبناني تحت بطانية ومكيفه مضبوط على حرارة 18.

مغامرتك التالية في المطاعم… المهمّة ليست سهلة والعثور على كرسي ليس خيارًا دائمًا… فعلى الرَّغم من الأزمة الاقتصادية، ستجد الطاولات تعجّ بالرواد، وقد يصادف أن يعتذر منك أحد الموظفين عن عدم توفّر حجوزات. وستتساءل كثيرًا كيف لهؤلاء الناس، الذين لا يعرفون كيف سيدفعون فاتورة الغد، العيش بهذا الترف… لكنّ اللبناني لا يأكل من أجل الرفاهية والبقاء… إنه يأكل ليهرب من الواقع. ويبدو أن طبق “النيّ مع بصلة” كفيل بتهدئة كل ذلك الخوف!

عزيزي الوافد… إياك أن تتساءل ماذا حلّ بالكهرباء! هنا الكهرباء ليست خدمة، بل أقرب إلى “فكرة”. حياة الناس رهينة المولّدات الخاصة، مع زر أحمر يتحمّس مع عودة “كهرباء الدولة”، واشتراكات شهرية تُدفع لمجهولين باتوا أشبه بزعماء الأحياء. وعلى الرَّغم من ذلك كله، ستسمع الأصوات الهاربة من أجهزة التلفزة… في لبنان، لا يتوقف “نتفليكس”، والتلفاز شغّال على الدوام، والقهوة… يأبى الكل إلا أن تُقدَّم ساخنة. وجيوب الناس تتّسع قسرًا لفاتورتين: واحدة رسمية، وأخرى لصاحب المولد.

على خريطة المغامرات، يحمل لك الشارع كابوسًا ممتعًا في زحمةٍ تطغى عليها الفردية في الظاهر، لكنّها تخفي الكثير من النخوة عند الحاجة، حيث يظهر الناس من كل حدبٍ وصوبٍ لمدّ يد العون… إلّا في زحمة السير… ذلك الجحيم اليومي: الزمامير الغاضبة، والتجاوزات من اليمين، والمسارات المخترعة، والشتائم اللطيفة. ومع ذلك، يُفلح الجميع في الوصول في النهاية، على قيد الحياة… تقريبًا.

ولا تقلق أبدًا، عزيزي الوافد، من ناحية الأمان.. على الرَّغم من أن لبنان يبدو على وشك الانهيار، يبقى أكثر أمانًا من عواصم أوروبا الكبرى. لا سرقات في المترو (حيث لا مترو أصلًا)، وقليل من الحوادث في الشوارع، حتّى عند الثالثة فجرًا. وستجد في كل وقت حواجز عسكرية منتشرة، وعناصر يدعونك للمرور مع “تفضل” بابتسامة.

أمّا عن المال، فحكاية أخرى… حاول أن تنظر للوضع كما في كازينو. في لبنان، عملتان: الليرة والدولار. الأسعار تُكتب أحيانًا بالدولار، وأحيانًا بالليرة، وأحيانًا أخرى بطريقة غامضة تمامًا. ومع ذلك، يتمكن الناس بشكلٍ ما من فهم كل شيء. ستشعر بأنّك الوحيد تقريبًا الذي تعصى عليه الرياضيّات. ولكن لا تقلق، ستتعلّم سريعًا أن تقسم المبالغ على معدّل 89.600 ليرة… وستتقن كل شيء بسرعة لا تتصورها.

ولا تتساءل عن ألوان لبنان… هذا البلد عبارة عن فسيفساء طائفية. لكلّ حي هوية خاصة. ومن دون خريطة، ستشعر بأنك في مكان مختلف. وإن لم تفهم، يكفي أن تسأل أي شخص: “من وين حضرتك؟” (من أين أنت) لتستعلم تلقائيًا عن الطائفة. تلك هي الطريقة اللبنانية السريعة للتعرّف على الخلفية الدينية في هذا الأطلس الطائفي الصغير.

هل جعت، عزيزي الوافد؟ الطعام هنا لذيذ وخطير في آن معًا. لا رقابة صحّية تُذكر. ومع ذلك، بعد إصابتك الموقتة بالإسهال عند الوصول، يسير كل شيء بتلقائية. الناس تأكل اللحوم النيئة، وأحشاء الحيوانات، والسمك من بحرٍ ترفع نظافته علامات استفهام، والثلج غير معروف المصدر… ومع ذلك، لا يُصاب أحد بشيء خطير.. وكأنّ الجسم “يتلبنن” في الأيام الأولى!

أما الطقس فجميل ويغازل البحر. لكن إياك والشواطئ العامّة، التي قد تبدو ملوّثة أو قذرة أو غير مجهزة. ربما المنتجعات الخاصة تقدم البديل الأفضل، لكن أسعار الدخول مرتفعة جدًا، وكأنّك تحتاج إلى تحويل مالي دولي لقضاء يوم واحد فقط!

وماذا عن العقارات؟ لا أحد يشتري منازل في أوروبا بسبب الفوائد العالية، أمّا في لبنان، فالأمر مختلف تمامًا: لا قروض، والدفع نقدًا فقط. الأسعار خيالية، والعروض غير منطقية… ومع ذلك، لا يتردّد الناس في الشراء. لأنّ اللبناني يستثمر في العقار، حتى لو كان مفلسًا. إنّه يجد الراحة النفسية في كل ما هو ملموس… وأقله “عنده بيت”.

ومن العقارات إلى ميدان السياسة… أكبر المتاهات في لبنان. إذا أردت أن تشعر بالضياع الكامل، حاول أن تدخل في نقاشٍ سياسيّ محليّ. لكل لبناني تحليله الشخصي والعميق حول الوضع في لبنان والمنطقة… والآراء تتضارب بشكل كامل بين شخص وآخر.

ثم إياك أن تحاول فهم هذا البلد. لن تفهم كيف تسير فيه الأمور، أولًا وقبل كل شيء لأنها لا تسير في الأصل! لبنان بلد ينبض، ويصرخ، ويأكل، ويحب، ويتألّم… لكنّه لا يسقط. ذلك هو لبنان: بلد التناقضات الدائمة، والفوضى الساحرة. باختصار، لبنان مثال حيّ ودرس في الحياة لكل من يظن أن الجمال مرادف للترتيب، والنظام، والمنطق!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us