حزب الله: ألف طعنة في خاصرة لبنان

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Hussain Abdul-Hussain لـ”This is Beirut“:

ستة أشهر.. تلك هي المدة التي استغرقت مجلس الوزراء اللبناني ليبدأ بالكاد بمناقشة مسألة سلاح حزب الله. ومن بعدها، من يدري كم سيتطلب الأمر لوضع خطة بعد إحالة أي قرار صادر في هذا الشأن للمجلس الأعلى للدفاع، ثم إلى الجيش اللبناني لوضع آلية تنفيذ. وعلى هذا المنوال، قد يتأخر نزع سلاح حزب الله إلى ما بعد الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار 2026. وفي غضون ذلك، سيستحيل مجلس الوزراء حكومة تصريف أعمال، وسيدخل لبنان في مفاوضات طويلة لتعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة.

وبالانتظار، يستفيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُعتبر خبيرًا في التأجيل والمماطلة، من الأزمات ويستغلها ليحافظ على وضعه، دون أي شعور بالإلحاح أو الحاجة للاستعجال. وبدوره، يستفيد حزب الله من هذه المهارة لتأخير أي خطوة جدية نحو نزع سلاحه، مستغلًّا الانقسام السياسي العميق في لبنان، وتصرف الكثير من السياسيين كرؤساء بلديات، وليس كقادة على مستوى الوطن.

وعلى أي حال، لا يمكن للدولة اللبنانية وحزب الله التعايش معاً. ولا بد من زوال أحدهما لبقاء الآخر. حزب الله ليس بأي شكل من الأشكال “مكمّلاً” للدولة أو داعمًا للجيش. كيف ذلك وقد وُجد في الأصل لإضعاف الدولة والجيش؟ ولو أراد حزب الله دولة قوية، لسلّم سلاحه للجيش منذ أعوام خلت.

بيد أنّ الواقع مختلف تمامًا.. حزب الله لا يكتفي برفض حلّ الميليشيا، بل يهدد باندلاع حرب أهلية في لبنان إذا حاول الجيش نزع سلاحه أو فرض سيطرته الكاملة. وفي المقابل، لم يوجّه الجيش اللبناني، وهو الجهة الوحيدة الشرعية والمخولة حمل السلاح واستخدام القوة، أي تهديد لحزب الله على الإطلاق.

وبالعودة للتاريخ، تجنّب الجيش اللبناني على مدار عقود، مواجهة حزب الله. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى واقع أنّ كل رئيس لبناني منذ عام 1998 كان قائدًا سابقًا في الجيش. وفي أعقاب انتخاب جوزاف عون رئيسًا، خلفه الجنرال رودولف هيكل في قيادة الجيش اللبناني. ومنذ اليوم الأول لتوليه المنصب، بدأ هيكل على الأرجح بالتحضير لفرصة الوصول إلى رئاسة الجمهورية.

أضف إلى ذلك أنّ مؤسسي لبنان خشوا، على غرار مؤسسي أميركا، من سيطرة الحشود الشعبية على اختيار قادتهم. لذلك لم يمنحوا الشعب حق انتخاب الرئيس مباشرة وفضلوا وضع هذه السلطة بيد البرلمان. هذا النظام جعل قادة الجيش اللبناني، على غرار هيكل، يراهنون على كسب ود النواب وتحالفاتهم السياسية، بدلاً من مواجهة تحديات الشعب وتطلعاته.

وبوجود 26 نائبًا شيعيًا مخلصين لكتلة بري-حزب الله، يدرك رودولف هيكل أنّ مجرد معارضتهم قد تعني نهاية حلمه الرئاسي. وأثبتت هذه الكتلة سيطرتها الميدانية عندما تسببت بسقوط الرئيس عون في الجولة الأولى ثم دفعت به نحو الفوز في الثانية، كمن يسيّر لعبة سياسية محسوبة بدقة.

ويبدو أنّ هيكل تعلم الدرس جيدًا: تحدي تحالف بري-حزب الله، بل وحتى مجرد التفكير في نزع سلاح الحزب، مستحيل من الأساس. وإن حاولت الدولة إرغام الجيش على التحرك، سيجد هيكل ألف سبب للماطلة، وسيختلق الأعذار ويتراجع عن المواجهة فوق كل اعتبار، حفاظًا على مصالحه الشخصية.

ويفشي بعض من تحدثوا إلى هيكل عن شكوكه العميقة بولاء الجنود والضباط الشيعة، حيث يخشى أن يتحولوا إلى صفوف حزب الله إذا أُمروا بنزع سلاحه. وبالتالي، يطلق تحذيرات متكررة من احتمال اندلاع حرب أهلية مدمرة.. وهي النغمة نفسها الذي يستخدمها حزب الله كوسيلة لردع أي خطوة حاسمة من الدولة.

وفي كواليس السياسة، يستغل نبيه بري، بخبرته المتراكمة منذ 1992، ضعف لبنان وهشاشته ببراعة لا تُضاهى. حزب الله يراهن على الوقت، متمسكًا بسلاحه، ومتوقعًا أن تزداد قوته بعد انتخابات 2026. هذا السلاح هو سلاحه الحقيقي: ترهيب المنافسين داخل الطائفة الشيعية وتحصين هيمنته السياسية وضمان نجاحه الانتخابي. لعبة استمرارية السلطة والمخاطر الكبرى تستمر على وقع الساعة… والرهان على المستقبل لم ينته بعد.

وبحلول نوفمبر 2026، قد تتسبب خسارة الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي بتراجع النفوذ الداخلي للرئيس ترامب، مما قد يحد من قدرته على مواجهة إيران الإسلامية وحلفائها مثل حزب الله.

وإن كان هيكل يراهن على دعم الكتلة الشيعية لتحقيق طموحه الرئاسي، فالحال ليس سيان بالنسبة لعون. ذلك أنّ فترة ولايته التي لا يمكن تجديدها بعد 6 أعوام تمنحه الحرية لاتخاذ قرارات حاسمة وترك إرث غير مسبوق بين رؤساء لبنان بعد الحرب الأهلية، من خلال استعادة سيادة الدولة ونزع سلاح جميع الفاعلين غير الرسميين، وعلى رأسهم حزب الله.

والأمر ينطبق على رئيس الحكومة نواف سلام. فعلى الرغم من الانتقادات الواسعة التي تواجهه وترى في عهده خيبة أمل، لا يملك الكثير ليخسره. وإذا عزز حزب الله قبضته في انتخابات 2026 (وهو أمر مرجح طالما أنه يحتفظ بسلاحه)، يتوقع استبدال سلام برئيس حكومة أكثر استعدادًا لتجاهل سلاح الحزب.

ومع انطلاق العد العكسي وبقاء أقل من عام على نهاية العهد، يمتلك كل من عون وسلام الفرصة لتجاوز مماطلات نبيه بري والمضي قدمًا في مسار مواجهة حزب الله. فإما أن ينجحا في نزع سلاح الميليشيا، وإما يغرقا حسب ما تشي به مسيرتهما الحالية، في غياهب النسيان التاريخي…

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us