ما غاب عنكم شيء!

 

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth”:

كثيرًا ما أغرق في التفكير وأنا أحاول العثور على الزاوية الأنسب للافتتاحية… وكثيرًا ما أجدني عالقًا في حلقةٍ مفرغةٍ لفرط التداخل بين الزوايا على كثرتها.

لقد عرفتم أشياء… وما غاب عنكم شيء أبدا.

لأمكنني الكتابة عن سوريا أحمد الشرع… لكن لا تخفى عليكم المجازر المتنقّلة من الساحل العلوي والمسيحي إلى المناطق الدرزية، وربما قريبًا إلى كردستان، التالية على القائمة… مجازر تتكرّر في سياقها الإجابة نفسها في كل مرة: “سنفتح تحقيقًا وسينال المجرمون عقابهم”. وسرعان ما نجدنا عالقين في كابوس جديد… علمًا أن وجوه القتلة واضحة وكذلك زيّهم الرسمي في الفيديوهات المروّعة المنتشرة في كل مكان. وجوه يمكن لأي محقّق مبتدئ كشف هويتها في ساعة واحدة. لكن… لا! كم يشبه هذا السيناريو الكابوس الذي يعيشه لبنان منذ خمسين عامًا: قائمة لا تنتهي من الاغتيالات والمجازر… وفي كل مرة، نسمع الوعود بفتح تحقيق، ثم تبقى المأساة لغزًا أبديًا… لا يكشف النقاب عن مجرم ولا عن حقيقة ولا تتحقّق أي عدالة… لا شيء سوى فصل جديد في موسوعة الجرائم بلا عقاب.

ولأمكنني الكتابة عن حزب الله، الذي يكرر منذ ثلاثين عامًا نغمة السلاح “المقدس”.. المقدس لدرجةٍ تتخطى حياة الذين يدفعون بلا أي ذنب حياتهم، دفاعًا عنه. سلاح لا يُمَسّ… سلاح أبدي، كأنّه مُسجَّل في قائمة التراث العالمي للنفاق.

ولأمكنني الكتابة عن أولئك الأبطال الستة… الجنود الستة الذين قُتلوا في انفجار مستودع أسلحة تابع لحزب الله قرب صور… مستودع يُفترض أنه، على غرار كثر، ما عاد موجودًا.

ولأمكنني الكتابة عن المخيمات الفلسطينية المدجّجة بالسلاح، والتي لا يملك الجيش اللبناني حتى الحقّ في تخطي عتبتها. جيوب من السيادة الأجنبية مزروعة في قلب البلاد، خارجة عن القانون، تسيطر عليها جماعات مسلحة لم تكلّف نفسها حتى عناء الالتفات إلى القرار التاريخي للدولة اللبنانية بنزع سلاح جميع الميليشيات.

ولأمكنني الكتابة عن إيران، التي تتصرّف كضيفٍ دائمٍ في مطبخنا الوطني، لا توفر أيًّا من أطباقنا السياسية من سمّها أو من توابلها الإيديولوجية. ولا تخفى عليكم أيضًا زيارة علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، هذا الأسبوع إلى لبنان لتقديم نصائح لم يطلبها أحد، وليتأكد من تحرّك رأس الدمية اللبنانية في التوقيت المناسب. لاريجاني أكّد أن بلاده تسعى لحماية مصالح لبنان. ما ألطف هذا الادعاء لولا التجربة التي خضناها من قبل. إيران تراقب، لكن لبنان ما عاد ينجذب لصفارات طهران.

ولأمكنني الكتابة عن الكهرباء في لبنان… الأغلى في العالم والأندر أيضًا. نتكلف أثمانًا باهظةً كما لو أننا نشتري الكافيار، ثم نستهلكها بحرصٍ شديدٍ كما لو أنها أوكسجينًا على كوكب المريخ: أنفاس صغيرة… حذرة جدًا بين كل انقطاعين.

ولأمكنني الكتابة عن طرقنا الشبيهة بفوهات القمر، وعن صنابير المياه التي تختنق مع أول شعاع شمس في الصيف.

لكن… في النهاية، لماذا؟ هل تُحلّ المشاكل؟ هنا المشاكل لا تُحلّ… إنها تُحفظ بعناية وتلمع وتورّث… كأنّها آثار قديمة. وكلّما اعتقدنا أننا تخطينا مشكلة، سارعنا لابتكار أخرى جديدة.

لبنان ليس بلدًا… إنّه أقرب لمتحف حيّ للكوارث: تدخله مجانًا ولا تخرج إلّا بأغلى الأثمان.

ليت من شفاعةٍ لهذا البلد! هذا الأسبوع، نحتفل بعيد انتقال السيدة العذراء، التي انتظرت في أقدس مغارات العالم في مغدوشة، عودة ابنها من التبشير مما كان يُعرف آنذاك بصيدون.

لأمكنني الدعاء… وليتني أستطيع أن أصلّي لها لتحرس هذا البلد المسكين… ولتبقي عينيها ساهرتين عليه قليلًا بعد!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us