التحدي الإيراني النووي: تعليق الدبلوماسية والتمهيد للتصعيد

ترجمة هنا لبنان 6 أيلول, 2025

ترجمة “هنا لبنان

كتب سلام الزعتري لـThis is Beirut“:

عود على بدء.. إيران تتحدى الغرب مجدداً بعد الغارات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت منشآتها النووية قبل أقل من ثلاثة أشهر. وعوضًا عن التعاون والمحاسبة، طردت المفتشين وأخفت مخزون اليورانيوم المخصب ورفعت الصوت بوجه المجتمع الدولي. أما أوروبا فأعطتها مهلة 30 يومًا لاستعادة الشفافية تحت وطأة عودة العقوبات الأميركية. الوقت يمر، وهذا ما لا يخفى على طهران.

الأمر لم يعد يقتصر على مجرد خلاف تقني حول أجهزة الطرد المركزي أو التفتيش، بل تطور إلى صراع سياسي عالي المخاطر بين نظام متمسك بالسلطة عبر الخداع وبين تحالف غربي لا يحتمل إظهار أي هشاشة.

الاستخبارات الغربية أكدت بوضوح أنّ الغارات في يونيو على نطنز وفوردو وأصفهان ألحقت بإيران أضرارًا، لكنها غير كافية. وفقدت طهران بنية تحتية حيوية، لكن حجم الخسارة يُقاس بالأشهر وليس بالسنوات. والأدهى من ذلك، أن إيران لم تتخذ هذه الضربات كفرصة لإعادة تقييم سياساتها، بل زادت من تشددها، فقطعت التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستمرت في إطلاق التهديدات عبر وكلائها الإقليميين.

بهذه الخطوات، قدّمت طهران للولايات المتحدة خياراً يبدو بسيطاً على الورق لكنه خطير في جوهره: إما القبول بخداعها، أو التحضر لتصعيد محتمل. ولا يسع الولايات المتحدة وفق خبراء السياسة، القبول بالخيار الأول.

أما بالنسبة للعواصم الأوروبية، يبدو المشهد مألوفاً ومربكاً على السواء.. فقد أثبتت سنوات من المفاوضات الفاشلة أنّ طهران تنظر إلى الحوار الدبلوماسي كوسيلة للمماطلة، وليس كأداة لحل النزاع. ومع ذلك، يبقى القرار الأوروبي مقيداً بالخوف من أن تدفع العقوبات إيران بشكل أكبر نحو التحالف مع بكين وموسكو.

وعلى عكس إيران، تمتلك واشنطن أوراق ضغط واضحة. فقد أظهر الرئيس ترامب استعداداً لاستخدام كل أدوات النفوذ (من عسكرية واقتصادية وسياسية) لوضع طهران في موقف دفاعي. وعلى الرغم من أنّ البنتاغون قد يوصي بالحذر، برهنت ضربات حزيران حقيقة واحدة لا تقبل الشك: حين تتصرف واشنطن بحسم، تتراجع إيران.

ولا يجب أن ننسى أنّ الخيار العسكري لا يزال مطروحًا. فقد تم تدمير المواقع النووية الإيرانية، وفق الإدارة الأميركية، وإذا واصلت طهران تخصيب اليورانيوم أو منعت المفتشين، لن تتردد القوات الأميركية والإسرائيلية بضربها من جديد. الموجة الأولى من الضربات هزّت أسواق النفط وأثارت اعتراضات خجولة من أوروبا ودول الخليج، لكنها ذكّرت طهران في الوقت نفسه بهشاشتها.

وصحيح أنّ الضربات الجوية ليست بلا تكلفة، لكن ذلك ينطبق أيضاً على الاسترضاء. إذا كان الثمن هو تقلب أسواق النفط، يبقى أقل بكثير من السماح لدولة تعتبر أكبر راعٍ للإرهاب في العالم، من الوصول إلى العتبة النووية.

وبعكس إسرائيل، حيث الملاجئ وتمارين الدفاع المدني جزء من الحياة اليومية، لم تُظهر إيران أي استعداد لحماية شعبها. لا ملاجئ ولا خطط إخلاء ولا حتى تحضيرات للحرب. بدلاً من ذلك، تدفن طهران منشآتها النووية في أعماق الجبال وتترك مواطنيها فريسة للخطر. الدرس واضح ولا يحتمل اللبس: الأولوية لدى النظام ليست لبقاء الإيرانيين، وإنما لحماية البرنامج النووي ومراكز القيادة.

ذلك هو السيناريو نفسه الذي استخدمه بشار الأسد في سوريا: حماية النظام على حساب الشعب.

كما لا يمكن فصل تمرد إيران عن موقف حزب الله في لبنان. فقد تجنّب الحزب الاشتباك الكامل في مواجهة إيران مع إسرائيل، لكن ليس بدافع الاعتدال، بل لأن ترسانته مستنزفة، وخطوط إمداده متوترة، ومصداقيته السياسية منهارة في لبنان. ومع ذلك، يبقى حزب الله، حتى في وهنه أهم ورقة لإيران.. وجاهز للتفعيل إذا هاجمت إسرائيل مجدداً.

الخطوات واضحة في تسلسلها. مع وصول علي لاريجاني إلى بيروت هذا الصيف، انتهجت إيران خطابًا ودّيّاً، وألمح حزب الله إلى حوار محدود مع الدولة اللبنانية. ثم بعدها بأيام، سقط القناع: أعلن الحزب أن ترسانته غير قابلة للتفاوض. وكرر السيناريو نفسه بعد زيارة لاريجاني للعراق ولبنان: لباقة دبلوماسية في الخارج، وتمرد في الداخل.

يبدو أنّ طهران أمرت حزب الله بالجلوس في مقعد الانتظار، مع الحفاظ على ما تبقى من ترسانته ليصبح درعاً أخيراً إذا عادت إسرائيل إلى سماء إيران.

إيران ليست على مفترق طرق، لقد اتخذت خيارها بالفعل.. وتمردها تضاعف بشكل جلي مع طرد المفتشين وتصعيد الخطاب. الضربات الجوية لا تمحو المعرفة، لكنها تستطيع تدمير المنشآت. والعقوبات لا تدمر النظام بين ليلة وضحاها، لكن بوسعها خنق الاقتصاد. ولكن يعصى على الدبلوماسية تغيير طبيعة نظام قائم على الخداع والعنف والبقاء بأي ثمن.
لقد بدأ العد العكسي والأيام الثلاثون القادمة ستختبر عزيمة الغرب. إما أن تقتصر ضربات حزيران على تحذير لمرة واحدة، وإما تشكل باكورة حملة تنتهي بإجبار إيران على العودة إلى الامتثال. أما تفاخر حزب الله في لبنان، فيذكّرنا بأنّ إيران تراهن على أنّ الغرب سيكون أول من ينهار. وهذا يستدعي من واشنطن كسر الرهان والتأكيد على الحسم مقابل الحسابات الإيرانية الخاطئة!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us