الملف الإيراني: “سناب باك” يُغيّر قواعد اللعبة في مجلس الأمن

ترجمة هنا لبنان 10 أيلول, 2025

كتب Mario Chartouni لـIci Beyrouth:

خطوة غير مسبوقة اتخذتها كلّ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في أواخر آب، مع تفعيل ما يُعرف بآلية “سناب باك” المنصوص عليها في القرار الأممي رقم 2231، بشكل رسمي.

الآلية تقوم على مبدأ واضح: في حال إخلال إيران بالتزامات الاتفاق الذي يعود للعام 2015، تعود جميع العقوبات الأممية السابقة على طهران تلقائيًا خلال مهلة ثلاثين يومًا، ما لم يُصدر المجلس قرارًا جديدًا يمنع ذلك.

وبذلك، تنقلب القاعدة التقليدية في عمل مجلس الأمن؛ تمرير العقوبات ما عاد بحاجة للإجماع، بل على العكس تمامًا، يكفي أن يستخدم عضو دائم حق النقض (الفيتو) لتعطيل قرار تمديد رفع العقوبات.

آلية قانونية استثنائية

آلية “سناب باك” أُدخلت عام 2015 لتشكّل صمّام أمان ضدّ أي خرق إيراني للاتفاق النووي (JCPOA). المبدأ واضح وبسيط: في حال قامت طهران بـ”انتهاك جوهري”، يحقّ لأي دولة موقّعة على الاتفاق رفع الملف إلى مجلس الأمن.

وفي حال لم يتمّ التصويت خلال ثلاثين يومًا على قرار يمدّد رفع العقوبات، يُعاد تفعيل العقوبات الأممية السابقة بشكل تلقائي.

والأمر ليس محصورًا بملفٍ واحدٍ، بل يشمل حظر بيع الأسلحة لإيران، ومنع نقل أي مواد مرتبطة بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، إلى جانب قيود مالية ومصرفية واسعة.

وحسب موقع المجلس الأطلسي، يدخل تحرّك الترويكا الأوروبية في إطار ما سُمّي بـ”نافذة الفرصة”. ذلك أن الآلية تستنفد صلاحيتها نهائيًا بعد 18 تشرين الأول، المعروف بـ”يوم الانتهاء – Termination Day”. عندها، لن يمكن إعادة فرض العقوبات إلّا عبر قرار جديد من مجلس الأمن، وهو ما قد تصطدم به أوروبا بسبب احتمال استخدام روسيا أو الصين لحقّ النقض (الفيتو).

أوروبا والسباق مع الوقت

بالنسبة لمعهد الشرق الأوسط (Middle East Institute)، يندرج قرار الأوروبيين في إطار “سباق مع الزمن”. فالجدول الزمني القانوني فرض عليهم التحرّك في شهر آب، خصوصًا أن روسيا ستتسلّم رئاسة مجلس الأمن في تشرين الأول، ما كان سيُفشل أي مبادرة أوروبية لاحقة.

وسعت الدول الأوروبية الثلاث، من خلال الاصطفاف إلى جانب واشنطن، إلى سدّ الثغرات داخل المعسكر الغربي، وهي الثغرات التي طالما استغلّتها طهران. وشكّلت هذه الخطوة تشدّدًا واضحًا في الموقف الأوروبي.

وخلال الصيف، حاولت أوروبا اعتماد مقاربةٍ أكثر ليونةٍ، فاقترحت على إيران تمديد العمل بالآلية لمدّة ستة أشهر، شرط السماح بعودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقديم شفافية كاملة حول مخزون اليورانيوم المُخصّب.

لكنّ طهران رفضت العرض، بحجّة أن أوروبا لم تعد في موقعٍ يمكّنها من فرض شروط أو طلب تنازلات، بعد فشلها في تعويض إيران عن خسائرها الاقتصادية في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق عام 2018.

الردّ الإيراني

وما إن فعّلت أوروبا آلية الـ”سناب باك” حتى ارتفعت حدّة الخطاب الإيراني بشكل ملحوظ. وشبّه بعض المسؤولين، وضمنًا وزير الخارجية عباس عراقجي، هذه الخطوة بما يشبه “عدوانًا عسكريًا”، ولوّحوا باحتمال انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي.

وحسب مؤسسة “كارنيغي”، لن يغيّر هذا الانسحاب كثيرًا من الناحية التقنية، لأن طهران تحدّ أصلًا من وصول المفتّشين، ومع ذلك ستترتّب عليه عواقب سياسية كبيرة: إنهاء الإطار المتعدّد الأطراف، وزيادة الدعوات لشنّ عمل عسكري وقائي ضد إيران.

وقد يشكّل تشدّد الموقف الإيراني تمهيدًا لخطوة تدريجية نحو تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقًا لمعهد واشنطن. وبالتوازي، نقلت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) تلويح أصوات إيرانية بتهديدات أكبر، مثل إغلاق مضيق هرمز أو توسيع رقعة الصراع الإقليمي.

الأثر السياسي مقارنة بالأثر الاقتصادي

على الصعيد الاقتصادي، تطرح آلية “سناب باك” شكوكًا واسعةً على مستوى الفعّالية. فالتجارة الإيرانية تجري أساسًا عبر قنوات غير رسمية وتعتمد بدرجة كبيرة على الصين، التي لا تبدو مستعدّةً لتطبيق العقوبات بصرامة.

وفي هذا الإطار، يذكر “معهد الشرق الأوسط” بأنّ صادرات النفط الإيراني إلى بكين بلغت مستويات قياسية في صيف 2025.
وفي المقابل، يلفت “معهد واشنطن” إلى أنّ الأثر المباشر سيكون رمزيًا أكثر من كونه ماديًا: مزيد من إضعاف العملة الوطنية وتعميق شعور طهران بالحصار وتبرير أي ضربات استباقية قد تشنّها إسرائيل أو الولايات المتحدة.

وشدّدت “وول ستريت جورنال” على أنّ جوهر المسألة لم يعد يقتصر على إعادة فرض العقوبات، بل على كيفية تنفيذها. فغياب لجنة أممية لمراقبة الامتثال (في ظل رفض موسكو وبكين) سيجعل من واجب الأوروبيين والأميركيين تنسيق الجهود دبلوماسيًا، وشرح آلية العقوبات للدول الأخرى، وملاحقة محاولات الالتفاف عليها.

الوضع متفجّر بالفعل، فالضربات الإسرائيلية والأميركية على مواقع نووية إيرانية في حزيران حوّلت بالفعل “حرب الظل” إلى مواجهة علنية. وإذا ما ثُبّت تفعيل “سناب باك” بحلول نهاية أيلول، قد تردّ إيران بمزيد من القيود، أو حتى بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).

وسيرفع مثل هذا الخيار، حسبما يُحذّر مركز “كارنيغي”، خطر التصعيد العسكري بشكلٍ حادٍّ. وفي المقابل، ترك الآلية من دون تفعيل سيعني حرمان مجلس الأمن من آخر ورقة ضغط جماعية وحصر الملف النووي الإيراني بمواجهة مباشرة بين القوى الكبرى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us