خديعة محور التعطيل: أحقًّا تلك هي “المقاومة”؟

ترجمة هنا لبنان 23 أيلول, 2025

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth”:

خطاب أصدق أنباءً من الكتب.. ونموذج صارخ على الخديعة وفداحة سوء النية. لعل ذلك هو التوصيف الأنسب للانطباع الذي خلفه خطاب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم نهاية الأسبوع الماضي. وما بالك بالدعوة التي وجهها دون أن يرفّ له جفن للمملكة العربية السعودية إلى “فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المقاومة”، والبراءة المصطنعة التي زيّف فيها سردية “سلاح المقاومة المصوب حصراً نحو إسرائيل، وليس ضد لبنان أو ضد أي طرف آخر في العالم”.
زعيم الحزب الموالي لإيران ربما أراد إيهام المتابعين بفتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية، بعدما تكدست في سمائه غيوم داكنة تنذر بالكثير من العواصف. غير أنّ ما بدا محاولة للانفتاح، لم يخرج عن إطار الحجة الضعيفة والافتقار للإقناع، لدرجة يخيل معها أنّ رأس الحزب نفسه يشقى ليقتنع بما يخرج من فمه. كما أنّ خطابه يتناقض بشكل جذري مع الخطاب الإعلامي للحزب الذي لم يتوقف حتى فترة قريبة عن بثّ سمومه وصبّ أحقاده على السعودية. فهل هي مجرد مناورة عابرة؟ أم انعكاس لشقاق داخلي يمزق الحزب ويكشف بدوره عمق الانقسام داخل النظام الإيراني بين جناح متشدّد متعطّش للصدام، وآخر براغماتي يحاول التلويح بخيوط التسوية؟
وحيث أنّ الشفافية أبعد ما تكون عن خصال حزب الله وراعيه الإقليمي، يهيمن الشك والارتياب على كل تصريح يرد على لسان قادته. ولا يفوت أحد أن يشير في هذا السياق إلى أنّ اتفاق “المصالحة” الموقع
عام 2023 بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين، لم يضع حدًّا للحملات الإيرانية المتواصلة ضد الرياض.
والمؤكد أنّ الحديث عن “طيّ الصفحة” على حد تعبير الشيخ قاسم، ليس أمرًا يسيرًا ولا ممكنًا، في ضوء التضليل والمراوغة التي باتت ركيزة لنهج الحزب واستراتيجيته. ويشهد ماضي الحزب وحاضره، المثقلان في آنٍ معا بالسوابق والوقائع، أنّ أي نوايا تصالحية يُعلن عنها بين الحين والآخر، لا تعدو كونها أكثر من تكتيك ظرفي لا أكثر على وقع تبدّل الحسابات.
وقد فات الأمين العام للحزب الشيعي أنّ الذاكرة القريبة والبعيدة تزخر بالهفوات. فكيف به يؤكد أنّ “أسلحة المقاومة ليست موجّهة ضد لبنان ولا ضد أي طرف آخر في العالم”… وهو الذي صرّح بنفسه قبل أيام معدودة، أن لا حياة ممكنة في لبنان إذا ما حاولت السلطة المساس بسلاح المقاومة. أليس في ذلك تناقض صارخ يفضح حقيقة ما يخفيه وراء الشعارات؟
وإذا عدنا بالذاكرة أبعد من ذلك، ألا يجدر التذكير بأنّ حزب الله نفسه استخدم سلاحه ليقضي، بالدم والنار، على أول مقاومة وطنية ذات توجّه يساري وعلماني وُلدت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي في حزيران 1982؟ وهو ما أشار إليه بوضوح أسامة سعد، نائب صيدا، الذي لم يكتفِ بالتأكيد على تلك الحقيقة، بل ندّد أيضاً بالطابع المذهبي والطائفي الذي أضفاه الحزب على ما يسميه “المقاومة”. ومن ثمّ، هل نسي الشيخ نعيم قاسم الحرب الطويلة والدامية التي خاضها حزبه في ثمانينيات القرن الماضي ضد حركة أمل، وما سال خلالها من دماء الإخوة على مذبح السلطة والنفوذ؟
وكيف لنا أن نمرّ مرور الكرام من دون استحضار السابع من أيار المشؤوم عام 2008، وسلسلة الاغتيالات السياسية التي تلته، من رفيق الحريري إلى لقمان سليم، مرورًا بكوكبة من قادة ثورة الأرز الذين سقطوا تباعًا في عمليات نُسبت إلى الحزب، فضلاً عن محاولات الاغتيال الفاشلة التي طالت مي شدياق ومروان حمادة؟ وهل يُعقل أن نغضّ الطرف عن انشغال ما يُسمّى بـ”المقاومة” على مدى سنوات طويلة بتفكيك مؤسسات الدولة وضرب الاقتصاد الوطني من خلال عمليات التهريب الممنهج للمواد المدعومة، وكل ذلك بأوامر مباشرة من قيادة الحزب؟
وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، عن أي “مقاومة” قد يتحدّث أتباع الحرس الثوري، وقد أرسلوا على مدى أكثر من عقد كامل مقاتليهم إلى سوريا لنصرة نظام الأسد الإجرامي؟ أيا ترى يُعدّ إرسال المدربين إلى اليمن لتأهيل الحوثيين على قصف المدن السعودية فعل مقاومة ضد إسرائيل؟ وهل تأسيس خلايا تخريبية وإرهابية في البحرين والكويت وقبرص وبلغاريا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وفنزويلا والأرجنتين يندرج فعلًا ضمن إطار “المقاومة”، على بُعد آلاف الكيلومترات من فلسطين؟
استعادة هذه الوقائع لا تأتي ردًّا على خطاب نعيم قاسم فحسب، بل لأنّ قادة الحزب لا يكلّون من تكرار لازمة “حماية المقاومة” والإشادة بمزاياها المزعومة. وذلك على الرغم من النتائج الكارثية لمثل هذه السياسة والويلات التي جلبتها على لبنان واللبنانيين، والتي تظهر جليّة في التصفيات الإسرائيلية المتلاحقة لقيادات الحزب وتصعيد الغارات على مواقعه.. والمفارقة أنّ الدم اللبناني يُستنزف من أجل أن تُحسّن طهران شروط مقايضتها الجيوسياسية والاقتصادية. وفي نهاية المطاف، يبدو أنّ الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن خوض معركتها حتى آخر مقاتل من حزب الله.. وكل ذلك لتضيف ورقة جديدة إلى رزم المساومة الكبرى مع واشنطن… فهل حقاً تلك هي المقاومة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us