الأمم المتحدة… ذلك “الشيء” الفارغ!

ترجمة هنا لبنان 26 أيلول, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:

منبر الأمم المتحدة على موعدٍ هذا الأسبوع، مع رؤساء الدول الذين سيتناوبون في أحد الطقوس المعهودة على الأداء الرصين: خطب رنّانة ووعود بالسلام ودعوات للتعدّدية. وخلف كل تلك البهرجة الدبلوماسية وبريق العدسات المسلّطة على نيويورك، لا يخفى على أحد أن المسرح الحقيقي لا يكمن في الأمم المتحدة، بل في الكواليس والممرّات المظلمة.

أمّا الأمم المتحدة فتختبر، بعد مرور ثمانين عامًا على تأسيسها، أزمة مصداقية غير مسبوقة… وهي التي وصفها الجنرال ديغول، بواقعيته اللّاذعة، ذات يوم بـ”الشيء” الذي يفتقر إلى الجدوى… صدى تلك الكلمة الازدرائية آنذاك يرنّ اليوم كنبوءة سياسية دقيقة في ظلّ غيبوبة الأمم. فما الذي يبقى من المبادئ التأسيسية حين تستحيل القرارات حبرًا على ورق؟

من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، ومن اليمن إلى السودان… تُمعن منظمة الأمم المتحدة في مراكمة النصوص والقرارات من دون أي قدرة على فرض التنفيذ. ومجلس الأمن، رهينة الفيتو، بات خشبة مسرحٍ لتبادل العراضات بين القوى العظمى. أمّا الجمعية العامة، فتتقن لعبة الإدانة الأخلاقية في بيانات تتبخّر فعّاليتها فور التصويت عليها.

ولعلّ لبنان أفصح دليل على هذا العجز المزمن. فمنذ سنوات، يُفترض بقوات “اليونيفيل” تطبيق القرار الأممي 1701 الذي يُحظر الوجود المسلّح لحزب الله جنوب الليطاني وسواهُ. لكن على أرض الواقع، تحوّل الجنوب إلى حديقةٍ خلفيةٍ تعجّ بمئات المواقع العسكرية التابعة للميليشيا، بينما تكتفي قوات حفظ السلام بدور المراقب. وقد يحدث أن تتعرّض أحيانًا للاعتداء من قبل “مؤيّدي” الميليشيا الموالية لإيران، فتركن إلى كتابة التقارير.

قبالة هذا المشهد، يُطرح السؤال الطارئ حول جدوى الأمم المتحدة اليوم؟ أيُختزل دورها بمنصّة عالمية للخطابات المملّة، وربما ببعض البعثات الإنسانية المتفرّقة؟ أما في ميدان الحروب والسلام، فيبدو أن هذا الدور يتقلّص تدريجيًا، حتى باتت المنظمة في نظر الكثيرين مجرّد متفرّج صامت.

وبالعودة إلى تاريخ المنظمة، يتّضح السجل الكارثي: الحرب الكورية في الخمسينيات، حربا فيتنام والخليج… ملايين الضحايا في كل مرة، وفعّالية لا تتخطى الصفر! والحال سيّان في رواندا وفشل بعثة “مينوار” الذريع: العجز عن منع إبادة 800 ألف إنسان!

وفي قلب أوروبا، المشهد السوداوي نفسه: في البوسنة، ارتُكبت مجزرة سريبرينيتسا (1995) وذُبح 8 آلاف شخص في “منطقةٍ محميةٍ” تحت أنظار وعجز القبّعات الزرقاء الهولندية.

ومن ثم هناك الفصول الصومالية التي انتهت بالهروب المُشين للأمم المتحدة، والكارثة الدارفورية التي أعادت السودان إلى فوضى عصور ما قبل الدولة.

أما آخر الإخفاقات المسجّلة: المسرح الأوكراني، حيث تكاد المنظمة تعجز حتى عن إثبات وجودها السياسي.

والأدهى من كلّ ذلك أن العجز مكلف للغاية: ما بين 50 و60 مليار دولار سنويًا، تُنفق على الأمم المتحدة ووكالاتها المتشعّبة (منظمة الصحة واليونيسف والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونسكو… إلخ). والمصدر: جيوب الدول الأعضاء والتبرّعات العامة والخاصة التي تُصرَف على جهاز بيروقراطي يزداد تضخّمًا بقدر ما يزداد عجزًا.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يُفوّت، الاثنين الماضي، الفرصة لتوبيخ المنظمة من على منبر الجمعية العامة، متهمًا إياها بدعم “سياسات الهجرة” في الولايات المتحدة، علمًا أن واشنطن تبقى المموّل الأكبر للأمم المتحدة.

ليس مكتوبًا على الأمم المتحدة أن تبقى “مجرّد شيء بلا جدوى”، لكنّها تقف اليوم على حافة الهاوية: فإمّا أن تعيد ابتكار نفسها وتستعيد دورها الحقيقي، وإمّا أن تتلاشى كشبحٍ في ظلام اللامبالاة. فما نفع مؤسسةٍ تُصدر قرارات لا تُطبَّق، وتُرسل قوات عاجزة عن حماية أحد؟ إن استمرار هذا العجز يُنبئ بعالم بلا قواعد وبلا عدالة… لا يحكمه سوى منطق القوة وشريعة الغاب!

ولعلّ بيت لافونتين يختصر المشهد… فـ”لا شيء أثقل تكلفةً من العجز”!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us