لبنان بين مطرقة السلاح وسندان الدمار المستمر

ترجمة هنا لبنان 15 تشرين الأول, 2025

كتب Hussain Abdul-Hussain لـ”This Is Beirut”:

لبنان أسير أزمة ذاتية الصنع ونتاج مواقف متناقضة: فالحكومة تحذر من أن يؤدي نزع سلاح حزب الله (الميليشيا الموالية لإيران والمسيطرة على سيادة الدولة) لإشعال حرب أهلية، لكنها تطالب المجتمع الدولي في الوقت عينه بمنع إسرائيل من استهداف الحزب. هذا التناقض يترك البلاد في دوامة بلا قرار: طالما أنّ السلاح خارج الشرعية موجود، ستستمر إسرائيل بضرباتها الجوية المحدودة لكن الفعالة، وستبقى أموال إعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية حبيسة الانتظار، تاركة لبنان في شلل اقتصادي وسياسي طويل الأمد.

القيادة اللبنانية تبدو عاجزة عن الركون للصواب، غير قادرة على التفريق بين التزاماتها القانونية الدولية (على غرار فرض سلطة الدولة على الميليشيات وفق القرار 1701 لمجلس الأمن)، وبين التعقيدات السياسية الداخلية. وهذا التقاعس يترك لبنان عرضة للتدخل الخارجي، ويهدد سيادته ومستقبله السياسي.

وفي المقابل، ترفض إسرائيل وجود حزب الله المسلح على حدودها الشمالية. لذلك، تمضي في ضرباتها الجوية ضد عناصر الحزب ومستودعات الذخيرة، بالتوازي مع بسط سيطرتها على خمس تلال استراتيجية على الحدود.

الكثير من السياسيين اللبنانيين يحاولون تفادي المسؤولية الحقيقية والهروب من المواجهة عبر اقتراح مشاريع اقتصادية أو برامج تؤمن انخراط مقاتلي حزب الله في وظائف مدنية كبديل لنزع السلاح. لكن هذه الاقتراحات مجرد تأجيل للمواجهة ولا تعدو كونها أكثر من ذرّ للرماد في العيون. وهي تقوّي حزب الله، الذي يستفيد من ضعف الدولة للحفاظ على هيمنته العسكرية والسياسية. الحقيقة واضحة ولا لبس فيها: لا انتعاش اقتصادي ولا استقرار طالما أنّ سلطة الدولة مقوضة بواسطة الميليشيا.

لقد ضاق المجتمع الدولي ذرعاً بتردد لبنان المزمن، وما عاد في الأصل راغباً بالتدخل لحل أزمة ذاتية الصنع. لقد آن الأوان لتتخذ بيروت قرارها: السيادة اللبنانية مسؤولية لبنان وحده. فإما نزع سلاح حزب الله بأي ثمن، وإما تواصل إسرائيل تحييد تهديد الميليشيا.

والسيناريو مشابه في غزة: رفض حماس نزع سلاحها لن يزيد إلا من المعاناة وسيوقف أي تقدم أو تنمية. وعلى الرغم من أنّ المرحلة الأولى من صفقة ترامب أمنت إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل 2000 أسير فلسطيني، ستستمر إسرائيل بالسيطرة على نصف غزة وجميع المعابر الحدودية طالما أنّ حماس لم تسلّم أسلحتها.

كما أنّ الحصار الإسرائيلي يعيق وصول الأموال والاستثمارات الحيوية لإعادة بناء البنية التحتية ودعم النمو الاقتصادي في غزة.. والحال سيان في لبنان حيث تضع الميليشيات تسليحها فوق مصالح شعبها، مغرقة السكان في الفقر والبطالة وانعدام الاستقرار. أضف إلى ذلك أنّ رفض حماس نزع سلاحها يضمن استمرار الإشراف العسكري الإسرائيلي على القطاع، مما يجعل أي تعافٍ من سنوات الصراع أمراً مستحيلاً.

وبينما يفترض بشعارات المقاومة أن تشكل درعاً لبقاء الدولة والشعب، قلب كلّ من حزب الله وحماس المعادلة: إبقاء لبنان وغزة في حالة انهيار لصالح استمرار هيمنتهما العسكرية. هذا الانحراف القاتل يحكم على المنطقة بصراع دائم وبانهيار اقتصادي وبفرص ضائعة لأجيال المستقبل. ومن خلال تغليب ترسانتها على مصلحة الشعوب، تخون هذه الميليشيات الهدف الذي تدعي الدفاع عنه، تاركة لبنان وغزة في دوامة مستمرة من الدمار والمعاناة.

وفي ضربة جديدة أكدت فيها على إصرارها على مواجهة حزب الله، استهدفت إسرائيل منطقة المصيلح الجنوبية، مسقط رأس نبيه بري، الحليف السياسي للحزب. أما الهدف فهي شركة لتأجير الجرارات ومعدات البناء، يستخدمها حزب الله لحفر الأنفاق وبناء التحصينات.. وهي نفسها المعدات الضرورية لإزالة الأنقاض وإعادة إعمار جنوب لبنان المدمر.

من خلال هذه الضربة، أتت رسالة إسرائيل حاسمة: طالما أنّ بري وحلفاءه يسهلون إعادة تسليح حزب الله ويقوّضون السيادة اللبنانية، لن يبقى أحد بمنأى عن الضربات.

والحال أنّ إسرائيل أدركت بعد 7 أكتوبر 2023، أنّ الدول العربية، بما فيها لبنان والسلطة الفلسطينية، عاجزة عن ضبط الميليشيات. هذا التغيير أعاد رسم استراتيجيتها الأمنية: لم تعد تنتظر وعود الدول الضعيفة، بل فرضت شروطها بشكل صارم: إما نزع سلاح حزب الله وحماس، وإما استدامة الإشراف العسكري!

وفي لبنان، هذا يعني استمرار الضربات ضد بنية حزب الله التحتية وعناصره المسلحة. وفي غزة، تترجم هذه الاستراتيجية بالسيطرة على المناطق الحيوية حتى تخضع حماس وتسلم أسلحتها بالكامل.

لقد ضاق المجتمع الدولي ذرعًا بالتردد، وما عادت القوى الخارجية مستعدة لحل أزمات لبنان وغزة. السيادة تتطلب قرارات شجاعة وصعبة: نزع سلاح الميليشيات وفرض سلطة الدولة وتغليب مصلحة الشعب وإعادة البناء فوق أي اعتبارات وشعارات أيديولوجية.

لقد استغل كلّ من حزب الله وحماس شعارات المقاومة للبقاء في السلطة.. وسلوكهما الحالي لا يساهم إلا بإطالة أمد معاناة الشعب. وإلى حين تتخذ بيروت وغزة خطوات حاسمة، ستستمر إسرائيل بمراقبة الميليشيات وبتكبيد البلاد تكاليف باهظة، بما في ذلك الدمار المستمر والانهيار الاقتصادي وقطع الطريق أمام أي ازدهار أو استقرار في المستقبل. في المحصلة، إن رحلة التعافي تبدأ بالشجاعة.. وليس بالاستسلام لمسلحين يحتجزون بلادهم وشعوبهم رهينة.

 

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us