لبنان والشرق الأدنى: منطق العبث في زمن اللّاعقل

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth“:
بمجرد أن تتخطى اللاعقلانية كلّ حدود المنطق في سلوك تيارٍ سياسيّ نافذ، نشهد سريعًا على انتهاك كل الخطوط الحمراء. وككرة ثلج عملاقة، تتصاعد التهديدات والأخطار ضاربة عرض الحائط بمصير الشعوب التي تقع مباشرة ضمن دائرة تأثير فئة هائمة في العبث. ذلك هو بالتحديد نوع الجنون الذي ينطبق حاليًا، على أكثر من طرفٍ في المنطقة.
وفي هذا الإطار بالتحديد، يفهم قرار الكنيست الأربعاء الماضي، بدراسة مشروعَي قانون حول ضمّ الضفة الغربية بالكامل وبصورةٍ نهائية، بإيعازٍ واضح من اليمين الإسرائيلي المتطرّف. الأمر لا يتطلب بالطبع خبرة استراتيجية عميقة لفهم النية المتعمدة لعرقلة جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتوسيع اتفاقات أبراهام لتشمل دولاً عربية جديدة، وعلى رأسها السعودية، في محاولة لدفع الشرق الأوسط نحو سلام شامل ودائم. لكن رد سيّد البيت الأبيض لم يتأخر وسرعان ما أعاد ضبط البوصلة، مؤكداً (في سابقةٍ على مستوى العلاقات الأميركية-الإسرائيلية) أنّ إسرائيل ستفقد “دعم الولايات المتحدة” إذا مضت قُدماً في مساعيها لضمّ الضفة الغربية.
لا يسع المرء إلا الشعور بالحيرة والذهول أمام إصرار اليمين الإسرائيلي المتطرّف على عرقلة قيام دولة فلسطينية، وهو الشرط الأساسي لإحلال سلام شامل في المنطقة. هذا علما بأنّ هذا العناد نفسه كان وراء إفشال اتفاق أوسلو عامَي 1993 و1994، كما أدى إلى اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين في نوفمبر 1995. وهنا يطرح سؤالان محوريان: إلى متى سيستمر متطرّفو اليمين الإسرائيلي بتعطيل كل مبادرات السلام دون خطة بديلة منطقية؟ وإلى متى سيقود هذا العناد إسرائيل، كل بضع سنوات إلى حرب جديدة تستنزف الأرواح والاقتصاد والمستقبل على أكثر من صعيد؟
هذا القدر من اللاعقلانية يظهر جليًّا بنفس القدر في سلوك الوجه الآخر للتشدّد والظلامية في المنطقة: حزب الله. فالحزب الموالي لإيران يصرّ بتعنت على رفض تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، متذرعاً بأنّ ترسانته العسكرية ضرورية “للدفاع عن لبنان” بمواجهة إسرائيل! لكن هذا الادعاء، المهين لذكاء اللبنانيين، يتجاهل حقيقة إخفاق هذا السلاح الميليشيوي نفسه في حماية الحزب من الضربات التي أطاحت، خلال أيامٍ قليلة عام 2024، بقيادته السياسية والعسكرية العليا. وقد برهنت الأيام عجز هذه الترسانة الكامل عن مواجهة الوجود الإسرائيلي في الجنوب أو عن صدّ الغارات الجوية شبه اليومية ضد تحصيناته. ناهيك عن سلسلة الاغتيالات المتواصلة للكوادر والمسؤولين في مختلف مناطق البلاد (والتي حصدت أكثر من 360 قتيلاً منذ وقف الأعمال القتالية في نوفمبر 2024).
ولا تقف حدود العبث عند هذا الحد، حيث تبلغ اللاعقلانية ذروتها في حملة الثنائي “حزب الله – أمل” ضدّ الحكومة اللبنانية. ويتّهم الثنائي حكومة سلام بالتقاعس في إعادة إعمار القرى التي دمّرت خلال “حرب الإسناد” التي شنّها حليف الحرس الثوري الإيراني قبل عامين، بتحريضٍ واضح من طهران. وللمفارقة، الحزب الذي يرفع الصوت مطالباً بالإعمار، ينهمك بالتوازي في إعادة بناء بنيته العسكرية وتنظيم صفوفه وهرميّته الميليشيوية. وهكذا نجدنا أمام تناقض فاضح: الحزب الذي أعاد إشعال جبهة الجنوب في 8 تشرين الأول 2023 بذريعة “إسناد غزة”، يطالب الدولة اليوم بإعادة إعمار القرى وهو على يقين بأنّ أي حرب مقبلة يستعد إليها منذ الآن، ستمسحها عن بكرة أبيها. ومع ذلك، يتمسك برغبة “الوليّ الفقيه” وخدمة مصالح الجمهورية الإسلامية، على حساب لبنان.
وعلى هذا المنوال، يعصى على لبنان الخروج من الحلقة الجهنمية التي فرضتها طهران بالقوّة والسلاح. ومع ذلك، لا بدّ وأن تجد قيادة حزب الله ومعها إيران، نفسيهما عاجلاً أم آجلاً، طوعاً أو كرهاً، أمام واقعٍ لا يمكن إنكاره: السواد الأعظم في لبنان وضمناً داخل الطائفة الشيعية نفسها، ما عاد مستعدا لتكبد أثمان حروب الآخرين. لقد سئم اللبنانيون من اختزال وطنهم بساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.. وقد باتوا اليوم، بدعمٍ من القوى الصديقة، أكثر عزماً على تحقيق ما يصبو إليه لبنان منذ عقود.. الأمل بالسلام الشامل والازدهار الحقيقي والرفاه الاجتماعي والاقتصادي.



 
			
