السوق السورية: شركات التأمين اللبنانية بين الفرص والمخاطر!

ترجمة هنا لبنان 29 تشرين الأول, 2025

كتبت Liliane Mokbel لـ”Ici Beyrouth”:

ليست شركات التأمين اللبنانية غريبة عن السوق السورية… فقد وجدت لنفسها منذ عقود، موطئ قدم هناك، عندما فتح نظام حافظ الأسد الباب أمام القطاع الخاص. لكنّ هذا الانفتاح لم يدم طويلًا؛ فمع اشتداد العقوبات الدولية، أُجبرت تلك الشركات على الانسحاب بهدوءٍ من سوقٍ اعتُبرت واعدةً للغاية.

وحتى اليوم، تُجمع مصادر في قطاع التأمين على أنّ أيّ محاولة للعودة إلى السوق السورية خطوة “سابقة لأوانها”، حسب مصدر في قطاع التأمين في حديث لـ”Ici Beyrouth”. وأضاف المصدر أنّ “تحقّق شرطَيْن أساسيَيْن على الأقل هو ما قد يفتح الباب أمام هذه العودة: الأول، موافقة شركات إعادة التأمين الكبرى على العمل داخل سوريا. والثاني، السماح بتحويل الأموال بالدولار من وإلى البلاد”.

المصدر ذكّر بأنّ العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في إطار ما يُعرف بـ”قانون قيصر”، ما زالت قائمةً وتشكّل عائقًا أمام أي انفتاح اقتصادي حقيقي. ومع ذلك، عبّر وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار، في مقابلة مع وكالة “رويترز”، عن أمله برفع”العقوبات الأميركية رسميًا خلال الأشهر المقبلة”، في إشارةٍ إلى بوادر تفاؤل حذرة من جانب دمشق.

سوق واعدة رغم التحدّيات

على الرغم من الصعوبات التي لا تزال قائمة، تستعدّ شركات التأمين اللبنانية بجدّية للاستفادة من الفرص في السوق السورية، التي تُعد من الأسواق الواعدة في المنطقة. فالحاجة إلى التأمين هناك كبيرة ومتعدّدة، خصوصًا في مجالات إعادة الإعمار والمشاريع الهندسية وأعمال البناء المعقّدة. وتشمل هذه العقود ما يُعرف بتأمين “المسؤولية والمخاطر الهندسية” أو “تأمين البناء والهندسة المدنية”. وهي تغطي الأضرار المادية، وتضمن إعادة الإعمار بعد الكوارث، كما تشمل في بعض الأحيان المسؤولية المدنية المرتبطة بأعمال التنفيذ.

بهذا المعنى، تبدو السوق السورية اليوم ميدانًا غنيًّا بالفرص، لكنها في الوقت عينه مليئة بالتحدّيات التي تتطلّب من الشركات اللبنانية حذرًا واستراتيجيةً دقيقةً لدخولها.

تأمين “الواجهة”: استراتيجية ذكية

يشهد المشهد التأميني في سوريا حركةً جديدةً، على حدّ تعبير أحد الخبراء الذين تحدّثوا إلى “Ici Beyrouth”، وذلك في إشارة إلى توقيع عقود تأمين ضخمة تتعلّق بالمسؤولية والمخاطر الهندسية، يجري تنفيذها عبر ما يُعرف بآلية “الواجهة” (Fronting). وفقًا لهذه الآلية، تُصدر شركة تأمين محلية بوليصة باسمها لصالح شركة تأمين أجنبية، من دون أن تتحمّل فعليًا المخاطر الأساسية. وهذا يعني أن الشركة المحلّية تؤدّي دور الواجهة القانونية المطلوبة بموجب القوانين السورية، بينما يُحوّل الخطر الحقيقي إلى شركة التأمين الأجنبية عبر إعادة التأمين.

وبذلك، يُعتبر نظام “الواجهة” أداةً تنظيميةً وتجاريةً في المقام الأول، أكثر من كونه عملية تأمينية فعلية. فهو يسمح بفتح الباب أمام التعاون الدولي في السوق السورية ضمن إطار قانوني محلي، من دون تحميل الشركات المحلية مخاطر لا تستطيع تحمّلها.

المسافة الجغرافية… ورقة رابحة

بينما تسعى شركات التأمين الإقليمية للتوسّع في أسواق كبرى مثل دبي وأبو ظبي والسعودية ومصر، تبقى الطريق إليها محفوفةً بالتحدّيات. ذلك أنّ الأسواق تتطلّب رؤوس أموال ضخمة تصل إلى عشرات ملايين الدولارات، إلى جانب التزامات صارمة بمعايير الحوكمة والامتثال الدولي والملاءة المالية.

في المقابل، تبدو السوق السورية أكثر سهولةً، وأقرب جغرافيًا وتشغيليًا بالنسبة لبيروت، كما يؤكد مصدر في القطاع لـ”Ici Beyrouth”. وتمنح هذه المعادلة شركات التأمين اللبنانية أفضليةً نادرةً في زمن تتقاطع فيه الحاجة إلى التوسّع مع محدوديّة الخيارات.

حضور لبناني صامد رغم العواصف

بين الجغرافيا والمصالح، تحوّلت السوق السورية إلى نافذة استراتيجية لشركات التأمين اللبنانية، تجمع بين القرب الميداني والفرص المحفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من الانهيارات المالية والعقوبات الغربية، لا تزال شركات لبنانية مثل “Arope” و”Adir” و”Arabia” و”UCA” حاضرةً بقوة في دمشق. وحتى مع اضطرارها لفصل ميزانياتها عن نظيراتها في لبنان، ومواجهة تدهور الليرة السورية، تواصل إصدار بوالص تغطي جميع فئات التأمين، من الصحي إلى الصناعي.

ومن أجل حماية عملياتها، تلجأ هذه الشركات لإعادة التأمين لدى مؤسسات إقليمية مثل شركة “الاتحاد العربي لإعادة التأمين” (التي تأسست عام 1974 بشراكةٍ بين سوريا وليبيا ومصر) وشركة سوريا لإعادة التأمين (Syria Re) التي تأسست عام 2004. وقد عزّزت الأخيرة تعاونها مع شركات روسية وإيرانية مثل “Rosgosstrakh” و”Alborz Insurance Company”، لتفادي آثار العقوبات الغربية.

 

 

 

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us