النازحون السوريون: موجات العودة تتسارع… ولا انحسار في أعداد الوافدين

ترجمة هنا لبنان 18 تشرين الثانى, 2025

كتبت Samar El-Kadi لـ”Ici Beyrouth“:

بعد سنة تقريبًا على سقوط حكومة بشار الأسد في كانون الأول 2024، يعود ملفّ النزوح السوري ليحتل واجهة النقاش اللبناني من جديد، بالتوازي مع خلط الأوراق في الداخل السوري.
فمن جهة، تتكثّف عمليات “العودة الطوعية” بالتنسيق بين السلطات اللبنانية والمنظمات الدولية، وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة الهجرة الدولية. ومن جهة أخرى، تستمرّ التعقيدات القانونية والسياسية والإنسانية المحيطة بعودة أكثر من مليون ونصف مليون سوري عاشوا في لبنان لأكثر من عقد.

سقوط صفة النازح؟
وفي هذا السياق، يعلق المحامي مارك حبقة، المتخصّص في الشؤون الجنائية والدولية، بالقول إنّ “السوريين في لبنان لم يعودوا يستوفون المعايير التي تمنحهم صفة النازحين”.
“فالحرب الشاملة انتهت، والنظام الجديد في سوريا يعيد تثبيت علاقاته الخارجية”، ما يُسقط الحجج التي كانت تبرّر بقاء السوريين في لبنان بصورة استثنائية.
وإذا صحّ هذا التقدير حسب ما شرح حبقة في حديث لـIci Beyrouth، فإنّ جزءًا كبيرًا من المقيمين السوريين بات خارج الإطار القانوني، ما يضع الدولة اللبنانية أمام واجب التحرك، تحت طائلة اتهامها بالتقصير في حماية منظومتها القانونية.
“وإن لم يطالب لبنان رسميًا بعودتهم، فهو مقصّر في واجباته”، حسب ما يضيف. “وبالتالي، على وزارة الخارجية التوجّه بشكل رسمي إلى الأمم المتحدة والمفوضية وفرض جدول زمني واضح للعودة”.
مئات آلاف العائدين هذا العام
وتكشف أرقام مفوضية اللاجئين عن اتساع رقعة العائدين.. “أكثر من 335 ألف سوري شطبوا ملفاتهم في 2025، وقد يرتفع العدد إلى نحو 400 ألف بنهاية العام”، حسب ما كشفت ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين.
لكن المفارقة تكمن في أنّ تقليص المساعدات الدولية، بفعل الأزمة المالية التي تضرب وكالات الأمم المتحدة، جعل العودة بالنسبة لكثيرين خيارًا اضطراريًا لا سياسيًا. فبرامج الطبابة أوقفت، والاستشفاء على وشك الانتهاء والمساعدات النقدية لم تعد تُصرف إلّا للحالات الأكثر حاجة.
ومع ذلك، تواصل الوكالات الأممية التنسيق لتأمين النقل والمساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي، إضافة إلى برامج العيش. وتشمل “حزمة العودة” 100 دولار لكل شخص يغادر لبنان، و600 دولار لكل عائلة تصل إلى سوريا. وبدوره، يعمل الأمن العام اللبناني على تسهيل السفر، عبر شطب الغرامات على مخالفي الإقامة وإلغاء قرارات المنع من الدخول والخروج.
وحسب المفوضية، عاد أكثر من 843,994 سوريًا من دول الجوار (خصوصًا تركيا والأردن ومصر ولبنان) منذ ديسمبر 2024.

لإنهاء الوجود غير الشرعي
وعلى الرغم من تسارع وتيرة العودة، لم يتوقف تدفّق الداخلين. فالممرات غير الشرعية لا تزال نشطة، والتهريب يمضي بلا عوائق، على حد تعبير مارون الخولي، المنسق العام للحملة الوطنية لعودة النازحين السوريين. ويصف الخولي الواقع بوضوح: “لدينا وجود غير شرعي لسوريين. هم فعليًا مقيمون أجانب في وضع مخالف”.
ورغم استقرار أجزاء واسعة من سوريا بعد سقوط النظام القديم، لم تتراجع أعداد الوافدين. وتقدّر الأمم المتحدة أنّ نحو 69 ألف سوري، غالبيتهم من العلويين الهاربين، دخلوا لبنان خلال الأشهر الأخيرة. بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أنّ العدد قد يتجاوز 150 ألف شخص.
وحاول كثيرون العودة إلى سوريا، ليكتشفوا أنّ منازلهم لم تعد قائمة، أو أنّ مصادر رزقهم تبخّرت. فعادوا إلى لبنان بحثًا عن الحدّ الأدنى من مقومات العيش. وهؤلاء، وفق الخولي، لم يعودوا “نازحين”، بل “مهاجرين اقتصاديين غير شرعيين”.
وعلى الرغم من حجم الملف وخطورته، تغيب أيّ آلية تفاوضية واضحة بين لبنان وسوريا. يضيف الخولي: “أسباب النزوح لم تعد موجودة. ومع ذلك، لا يوجد قرار رسمي واحد ينظم العودة”.
كما أنّ السلطات الجديدة في سوريا ليست متحمّسة لوضع ترتيبات واضحة، إذ تعتمد اقتصاديًا على تحويلات السوريين في لبنان، وهي من مصادرها الشحيحة بالعملة الصعبة. كما تستخدم ملف اللاجئين كأداة ضغط سياسي، وتحمّل لبنان مسؤولية خسائر المودعين السوريين في المصارف اللبنانية.
“لا مفاوضات بين البلدين، حسب ما يختم الخولي. ولا حتى لجنة متخصصة بالعودة. دمشق ليست مهتمة إلا بعودة السجناء السوريين الموالين لها”.

لبنان عند مفترق حاسم
يجد لبنان نفسه اليوم أمام واحدة من أصعب معادلاته: بلد مرهق اقتصاديًا، عاجز سياسيًا، مثقل بنزوح يوازي ربع سكانه (1.5 مليون سوري دخلوا لبنان في السنوات الماضية)، ومطوّق بالتزامات إنسانية لا يستطيع تحمّلها. وبغياب رؤية واضحة، يخشى كثر أن ينزلق الملف إلى مزيد من الفوضى، وأن يتحوّل من أزمة مؤقتة إلى واقع دائم.
ختاما، لم تعد إدارة هذا الملف رفاهية دبلوماسية، بل ضرورة وجودية. فلبنان اليوم على مفترق طرق، وبغياب رؤية مشتركة بين بيروت ودمشق والوكالات الدولية، يبقى مهددًا بالانزلاق إلى مرحلة جديدة من الضبابية والانكشاف في واحد من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في تاريخه الحديث.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us