اليمن: تقدّم المجلس الانتقالي الجنوبي يقلب موازين الصراع

ترجمة هنا لبنان 9 كانون الأول, 2025

كتب Mario Chartouni لـ”Ici Beyrouth”:

تشهد الساحة اليمنية منعطفًا سياسيًا حاسمًا مع الهجوم الذي شنّه المجلس الانتقالي الجنوبي في أواخر نوفمبر، في بلد أنهكته الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات.

ففي وقت قياسي، تمكّنت قوات المجلس، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، من بسط سيطرتها على المحافظات الجنوبية الثماني التي شكّلت قبل عام 1990 حدود دولة اليمن الجنوبي، ممهّدة خلال أيام قليلة فقط، الطريق أمام احتمال إعلان الانفصال والعودة إلى مرحلة ما قبل الوحدة.

تقدّم خاطف في حضرموت

العملية العسكرية التي حملت اسم “المستقبل الواعد” بلغت ذروتها في 3 كانون الأول، حين سيطرت قوات المجلس على مدينة سيئون وعدد من المواقع الاستراتيجية في وادي حضرموت، بعد اشتباكات محدودة مع قوات المنطقة العسكرية الأولى. وأعلن المجلس الانتقالي سقوط 16 قتيلًا من عناصره في مقابل 6 قتلى من صفوف “التحالف القبلي الحضرمي”.

وعلى الرغم من أنّ حزب الإصلاح المتحالف مع الحكومة المعترف بها دوليًا كان يسيطر على المنطقة منذ سنوات، اجتاحت القوات الانتقالية حضرموت بقوة تقدَّر بنحو 10 آلاف جندي، في أكبر المحافظات اليمنية الممتدة من خليج عدن حتى الحدود السعودية. وتقدّمت القوات لاحقًا إلى محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان. وفي خضم التصعيد، توقّف إنتاج شركة “بترومسيلة” (أكبر شركة نفطية في اليمن) في 2 كانون الأول، بعدما نشر الشيخ القبلي عمرو بن حبريش قواته حول المنشآت “لحماية الموارد الوطنية من أي اعتداء محتمل”، على حد تعبيره.

انتكاسة للسعودية

هذا التقدم يمثّل ضربة سياسية للرياض، التي لطالما لعبت الدور الخارجي الأكثر نفوذًا في اليمن. فقد سحبت المملكة قواتها من قصر المعاشيق في عدن ومن المطار، في خطوة تشير إلى أنّ نفوذها داخل الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة تراجع مؤقتًا على الأقل.
وفي محاولة لاحتواء الوضع، أرسلت السعودية وفدًا إلى حضرموت في 3 ديسمبر طالب بانسحاب القوات التي دخلت المنطقة.

أما الرئيس اليمني رشاد العليمي، المدعوم سعوديًا ورئيس حزب الإصلاح، فقد توجه إلى الرياض حيث التقى دبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين وأميركيين. وأكد العليمي رفضه “أي تحركات أحادية تقوّض الوضع القانوني للدولة وتخلق واقعًا موازيًا”، داعيًا قوات المجلس الانتقالي للعودة إلى مواقعها.

تفكّك التوازن الهش في الجنوب

منذ سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على صنعاء عام 2015، حكم الجنوب توازن هش بين حزب الإصلاح بقيادة العليمي والمجلس الانتقالي بقيادة عيدروس الزبيدي داخل مجلس القيادة الرئاسي. وبينما كان حزب الإصلاح يمسك بالمؤسسات السياسية، ظل المجلس الانتقالي متفوّقًا عسكريًا، وترجم التفوّق نفسه على الأرض خلال الأسابيع الأخيرة.
ويقول المجلس الانتقالي إنّ تحرّكه العسكري جاء ردًا على تحوّل مناطق وادي حضرموت إلى مركز لعمليات تهريب تصب في مصلحة الحوثيين، وإلى ملاذات لنشاط تنظيمات متطرفة مثل داعش والقاعدة. ويعِد المجلس بـ “إعادة الاستقرار للوادي، ووقف الانهيار الأمني، ومنع استغلال المنطقة من قبل قوى خارجية”.

موقف المجتمع الدولي

ولطالما عارض دبلوماسيو الغرب والأمم المتحدة أي خطوة تؤدي إلى تقسيم اليمن، وتمسكوا بخريطة الطريق السعودية الهادفة إلى إقامة نظام اتحادي يضمّ الحوثيين وقوى الجنوب. وتواصل الأسبوع الماضي، دبلوماسيون غربيون مع الزبيدي لاستشراف نواياه، خصوصًا ما يتعلق بعلاقاته مع روسيا وانعكاسات تحركه على المعركة ضد الحوثيين. ومع ذلك، لم تصدر أي دولة غربية موقفًا رسميًا حتى الساعة.

وفي هذا السياق، وصفت ميساء شجاع الدين، الباحثة في مركز صنعاء للدراسات، ما يحدث بأنه “أكبر منعطف يشهده اليمن بشكل محتمل منذ سقوط صنعاء بيد الحوثيين في 2015″، حسب تصريحها لصحيفة “ذا غارديان”.

وعلى الرغم من الزخم العسكري، يبقى إعلان الاستقلال فورًا خطوة محفوفة بالمخاطر. لذلك يميل المجلس الانتقالي إلى خيار تنظيم استفتاء حول الانفصال عن الشمال، وهو إجراء يبقى مرتبطًا في النهاية بموقف داعمه الرئيسي: الإمارات العربية المتحدة.

وتفتح هذه التطورات الباب أمام تساؤلات عن مستقبل محافظتي تعز ومأرب، الخارجتين عن سيطرة الحوثيين ولكنهما تقعان خارج نطاق حدود الجنوب التاريخية—حيث قد يقترح المجلس الانتقالي منحهما وضع “المحميّة” أو “الإدارة الخاصة”.

هذه التحوّلات تفتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة كبرى بشأن مستقبل محافظتي تعز ومأرب؛ فهما خارج قبضة الحوثيين، لكنهما تقعان أيضًا خارج الحدود التقليدية للجنوب. وفي خضم إعادة رسم خرائط النفوذ، قد يطرح المجلس الانتقالي الجنوبي صيغة المحميّة لهاتين المحافظتين.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us