الذهب في “القرض الحسن”.. السلاح المالي الجديد للحزب

كتبت Natasha Metni Torbey لـ”Ici Beyrouth“:
تحوّل مؤسسة القرض الحسن، الذراع المالية لحزب الله، الذهب إلى أداة للسيولة والتحكم الاجتماعي.
فبعد أجهزة الصراف الآلي والتسهيلات الائتمانية ونقاط السحب السرّية المزروعة في أزقّة الضاحية الجنوبية لبيروت، انتقلت مؤسسة القرض الحسن إلى خطوة جديدة: تجارة الذهب المباشرة. سبائك وليرات ذهبية ومجوهرات تعرض على المجتمع الشيعي، في محاولة لاستغلال الذهب كوسيلة للالتفاف على العقوبات وتأمين السيولة.
وتحوّلت المؤسسة التي بدأت في الثمانينيات كـ”جمعية” صغيرة تمنح قروضاً بسيطة، تدريجياً إلى جهاز مالي شبه مستقل: تدير ودائع نقدية وتمنح قروضاً بلا أي رقابة وتركب أجهزة الصراف الآلي الخاصة بها وتؤمّن شبكة تحويلات موازية.
كل ذلك، دون أيّ صفة مصرفية قانونية. واليوم، يندرج دخول الذهب ضمن هذا النموذج بشكل طبيعي: فالذهب أداة اقتصادية واجتماعية وسياسية في آن. كيف لا وفي لبنان حيث جُمّدت الودائع، وشُلّت الدولة، وهيمن الدولار على كل التعاملات، يظهر الذهب كملاذ آمن، ملموس ومطمئن. وبالنسبة للقرض الحسن، يمثل الذهب قبل كل شيء وسيلة لتأمين سيولة بالدولار “الفريش”، وهي سيولة ضرورية لتمويل شبكات حزب الله. وبخلاف التحويلات المصرفية، يكاد الذهب لا يترك أثراً ويتنقّل بسهولة، ويشكّل خزينة استراتيجية بعيداً من أي رقابة. “إنه الأداة المثالية لمؤسسة خاضعة للعقوبات… صعبة التتبع، وسهلة التسييل”، على حد تعبير خبير في الامتثال المصرفي.
قنوات التزويد
مصادر المخزونات تبقى غامضة عمداً، كما تعدد قنوات التزويد: جزء يتدفق من تجّار مجوهرات في الضاحية الجنوبية أو في البقاع، المرتبطين بالقرض الحسن منذ سنوات. وجزء آخر قد يمر عبر سوريا، حيث ازدهر سوق موازٍ تغذّيه إيران منذ تشديد العقوبات. وإلى جانب ذلك، قناة ثالثة: إعادة تدوير جزء من الذهب الذي قدّمه مقترضو المؤسسة كضمان لقروضهم على مدى أكثر من عقدين.
هذا المسار يلقى اهتماماً متزايداً بين العائلات الشيعية المرهَقة بفعل الأزمة المالية وتداعيات الصراعات الإقليمية. وبالنسبة لهؤلاء، تحوّل الذهب إلى ملاذ ومنقذ وأحد الأصول الملموسة القادرة على الصمود أمام التضخم والاهتزازات النقدية. وفي الواقع، بات “عملة موازية”، تحدَّد قيمتها وفق السوق المحلية والطلب داخل البيئة، بمعزل عن أي رقابة رسمية.
هذا المشهد يثير بطبيعة الحال قلق الأوساط المالية. فتمدد القرض الحسن نحو تجارة الذهب يقتطع مزيداً من الودائع المحتملة من النظام المصرفي اللبناني، ويعزّز بناء اقتصاد موازٍ ومجتمعي مستقل يعمل في الظلّ بعيداً عن الدولة. وفي هذا السياق، يحذر مصرفي سابق: “إذا واصل القرض الحسن هذا المسار، فسنجد أنفسنا أمام نظامين ماليين: واحد رسمي منهار، وآخر مجتمعي صلب، محمي، ومرتبط بميليشيا”.
سياسياً، الوضع معقّد. فالحكومة اللبنانية تتفادى الدخول في أيّ صدام مع حزب الله. وفي المقابل، تتابع الولايات المتحدة ما يجري بدقّة لأنها ترى أنّ هذه السوق الموازية تجعل تنفيذ العقوبات أصعب. وقد يدفع توسّع استخدام الذهب واشنطن للتفكير بتوسيع العقوبات لتشمل فاعلين وشركات تعمل في تجارة المعادن الثمينة، لكن مثل هذا القرار قد يضرّ بقطاع اقتصادي يعاني أصلاً من الهشاشة.
بالنسبة لحزب الله، تجارة الذهب لا تقتصر على مجرد مشروع مربح؛ إنها فعل سيادة موازية. سبيكة بعد سبيكة، تعمل الميليشيا على ترسيخ نظام مالي مستقل يسعى إلى النهوض رغم انهيار الاقتصاد الرسمي والتوترات الإقليمية والدمار الذي لحق بمؤسسة القرض الحسن نتيجة الحرب مع إسرائيل.
مواضيع ذات صلة :
القرض الحسن على طاولة الإلغاء… لماذا مهلة الأشهر الثلاثة؟ وهل يجرؤ لبنان على كسر النّفوذ الإيراني؟ | لبيكِ يا “رسالات”.. فما علاقة القرض الحسن؟ | قرارٌ كويتي بشأن “الحزب” و”القرض الحسن” |




