“الحزب” وإيران: بين ضرب الفروع واقتلاع الجذور

كتبت Natasha Metni Torbey لـ”Ici Beyrouth“:
هل تُضرب الفروع والأدوات… أم تقتلع الجذور عن بكرة أبيها؟ ذلك هو السؤال الذي يفرض نفسه بقوة منذ أسابيع في كواليس القرار السياسي والعسكري. فمع تصاعد الضربات الإسرائيلية في جنوب لبنان، والرسائل النارية بين تل أبيب وطهران وحزب الله، لم يعد السؤال يقتصر على وقوع المواجهة، بل على شرارتها الأولى؟ فهل ستستهدف الضربة حزب الله في لبنان، أم ستوجّه مباشرة إلى إيران، داعمه الاستراتيجي الأول؟ وإن استهدفت إيران، ما الذي سيبقى من توازن القوى في لبنان، وما هي الانعكاسات على مصير حزب الله؟
للوهلة الأولى، قد تبدو الأحداث متفرقة، لكن جمعها يكشف مسارًا واضحًا: ضربات إسرائيلية متواصلة في الجنوب، تحذيرات من حرب لم تعد مواربة، رسائل متبادلة بين تل أبيب وطهران وحزب الله، وأحداث تبدو بعيدة عن المسرح الرئيسي، كحادثة سيدني، لكن الأنظار سرعان ما تعود إلى إيران. ثم يكشف جمع هذه المشاهد عن صورة مختلفة: مسار واحد متكامل، لا سلسلة مصادفات.
على الأرض، لا تكمن الخطورة الحقيقية في التصعيد نفسه، بل في تبعاته نفسها. والسؤال المفصلي يتمحور حول من الهدف الأول. فهل ستستهدف إيران أم حزب الله في لبنان؟ وبأي ثمن استراتيجي؟ بعيداً عن الانجراف وراء التكهنات أو التسرع في السيناريوهات، Ici Beyrouth تقرأ المشهد بهدوء، بناء على وقائع ثابتة، في محاولة لفهم الديناميات العميقة التي تحرّك الأحداث، ورسم حدود السيناريوهات الواقعية في مرحلة شديدة الخطورة.
استهداف الأدوات أم المصدر؟
في لحظة إقليمية حاسمة، يبرز طرح جديد في مقاربة المواجهة: هل آن الأوان للانتقال من ضرب الفروع (أي الأدوات) إلى استهداف “العشّ” (أي الجذور) نفسه؟ هذا ما يطرحه العميد المتقاعد مارون حتّي، الذي يرى أنّ إسرائيل ربما تستعد لإعادة النظر في أولوياتها العسكرية. وعوضاً عن الاستنزاف المتواصل في استهداف حزب الله في لبنان، قد تميل تل أبيب لتوجيه ضربة مباشرة لإيران، باعتبارها مركز الثقل الاستراتيجي الذي تستند إليه شبكة الحلفاء الإقليميين، في مقاربة يعتبرها حتّي “عقلانية ومنطقية” من الناحية العسكرية.
غير أنّ هذا الخيار، على وجاهته النظرية، يفتح الباب أمام السؤال الأكثر حساسية: هل تكفي الضربة ضد إيران فعلًا لزعزعة حزب الله؟ التجربة الأخيرة تفرض الكثير من التحفّظ. فالضربات الإسرائيلية التي نُفذت في حزيران الماضي واستهدفت مواقع إيرانية نجحت في إضعاف النظام وشبكاته، لكنها لم تصل إلى حدّ إسقاط البنية القائمة أو تفكيك الأذرع الإقليمية. ووفق قراءة حتّي، حتى ولو تكرر سيناريو مشابه للحرب التي استمرت اثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل، ستزيد الحزب ضعفا على الأرجح، دون أن تُحدث زلزالًا استراتيجيًا يغيّر موازين القوى أو يضرب القدرات الجوهرية للنظام الإيراني أو لحلفائه. هكذا، يصبح استهداف “العشّ” خيارًا مطروحًا، دون أن يحسم الصراع نهائيًا.
وفي هذا السياق، يذكّر الخبير العسكري بجملة من الوقائع الصلبة التي لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن استهداف إيران. فإيران ليست طرفًا هامشيًا أو ساحة محدودة تقلب موازينها بضربة واحدة، بل هي دولة مترامية الأطراف، تتجاوز مساحتها مليونًا ونصف المليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة. وهي تمتلك مراكز قرار ونفوذ متعددة، موزّعة جغرافيًا ومحصّنة أمنيًا. لذلك، فإن تحديد “مراكز الثقل” الحقيقية الكفيلة بإسقاط النظام يتطلّب تحليلًا بالغ الدقة. من هنا، يميّز الخبير بوضوح بين المستويين: العسكري حيث الأمر ممكن نظريًا، والسياسي حيث المسألة أكثر تعقيدًا بكثير، ما يستبعد أي استنتاجات متسرّعة.
وماذا عن حزب الله؟ الصورة أكثر تعقيداً فالحزب يواصل التأكيد على استعداده لكل الاحتمالات، لكن خلف هذا الخطاب، تبرز نقاط ضعف واضحة. عسكريًا، هو متضرر، حتى وإن نجح جزئيًا في إعادة ترميم قدراته. سياسيًا، يزداد عزلة داخل بلد يعاني أصلًا من إنهاك شامل. أما اجتماعيًا، تتحمّل قاعدته الشعبية تكلفة مواجهة طويلة ومستمرة، وإن كانت منخفضة الوتيرة. استراتيجيًا، يبقى اعتماده على إيران كاملًا وحاسمًا. وهنا، تكمن العقدة الأساسية حسب المصدر: حزب الله قادر على تحمّل ضربات إسرائيلية محدودة طالما أنّ إيران تشكّل ركيزة ثابتة. لكن إذا اهتزّت هذه الركيزة، تصبح منظومة الردع بأكملها في المنطقة مهدّدة. لذلك، لا يتمحور السؤال الجوهري حول قدرة الضربة المباشرة على حزب الله على إضعافه، بل على الأثر الحقيقي لأي ضربة ضد إيران، على الحزب ودوره وموقعه.
الفرصة الأخيرة للبنان؟
وفقاً للعميد حتّي، اللحظة الحالية قد تكون حاسمة وربما هي الأخيرة بالنسبة للدولة اللبنانية. فما يجري ليس مجرّد تطوّر إقليمي، بل نقطة تحوّل استراتيجية تضع لبنان أمام فرصة نادرة لتحمّل مسؤولياته الداخلية. والمشكلة ليست نتاج صراعات إقليمية فحسب، بل هي في جوهرها مشكلة لبنانية بحتة تتمثّل بوجود طرف مسلّح خارج إطار الدولة، أي حزب الله، يعمل خارج المؤسسات الرسمية ويساهم في إضعاف الدولة وتقويضها.
ويؤكد حتّي أنّه في حال نجحت الدولة اللبنانية باتخاذ موقف واضح وصريح من حزب الله، قد تبقى إدارة المواجهة ضمن الإطار السياسي. أمّا في حال استمرار الغموض والتردّد، سيُفرض هذا الوضوح من الخارج، لا من الداخل. ولذلك، يحذّر الخبير من أنّ أي صدام محتمل لن يكون حربًا شاملة وليس مجرد تبادل رمزي للضربات، بل مواجهة محدودة زمنيًا، صُمّمت بعناية لتحقيق أكبر قدر ممكن من النتائج. والهدف، في هذه الحالة، لن يكون احتواء الأزمة، بل إقفال ملف حزب الله نهائيًا. هكذا، يضع حتّي الدولة اللبنانية أمام مفترق طرق واضح: إمّا المبادرة السياسية الفورية، وإما فرض الحلول اللاحقة تحت ضغط الوقائع الميدانية.
وفي هذا السياق، لم يعد الهدف الاستراتيجي الدولي في لبنان الاستقرار الفوري، بل إرساء حالة جديدة من التوازن تتبعها مرحلة لاحقة من الاستقرار الفعلي. ويؤكد حتي أنّ خطر التصعيد مرتفع جدًا، بينما مدة المفاوضات قصيرة ومحدودة. ويضيف أنّه من الوهم الاعتقاد بإمكانية احتواء الوضع بشكل دائم. كما يشير إلى أنّ الأسابيع الأولى من كانون الثاني قد تشهد سيناريوهين محتملين: إمّا تقديم حزب الله تنازلات سياسية كبيرة، وهو ما يعتبره غير مرجح، وإما التصعيد العسكري العنيف ولكن المحدود زمنيًا. وفي هذه الأثناء، تستمر المفاوضات تحت ضغط شديد، وتستمر الضربات، وفي ذلك خير دليل على فشل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني 2024.
مواضيع ذات صلة :
رجي يتمنى على الدول الأوروبية أن تشمل المفاوضات مع إيران مسألة أذرعها في المنطقة | لأول مرة في تاريخه.. الدولار يتخطّى 127 ألف تومان في السوق الموازية الإيرانية | عن الإرهاب الفكري واستدامته… |




