ميليا شاهدة حية على انفجار الرابع من آب: ليس سهلاً أن نتعافى


كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان”:

كثيرة هي المآسي التي خلفها انفجار الرابع من آب وكثيرة هي المشاهد المؤلمة التي طبعت في ذاكرة اللبنانيين. فواحد منها كفيل بأن يهدّ جبلاً أمامه. وحدهم الناجون من جريمة العصر هذه باقون ليخبروا ما رأوه بأم العين. ربما نسي البعض التفاصيل وربما تمكّن البعض من استرجاعها كاملة مع الوقت، لكنّ الندوب التي أصابتهم هي الرواية الموحّدة عن فظاعة الانفجار.

“لا أعرف إن كان في إمكان الإنسان أن يتعافى”. هذه هي حال الصحافية ميليا بو جودة التي أنقذتها العناية الإلهية من انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب. تستذكر ميليا تلك الحادثة الأليمة وكأنها حصلت بالأمس. تخرج منها الكلمات بكثير من القوة، كما القوة التي حملتها كي تصمد وترفع عنها ركام منزلها المدمر في محيط مستشفى القديس جاورجيوس في الأشرفية.

لم تكن ميليا في منزلها في ذلك التاريخ بسبب عطلة من العمل، بل لأنها كانت في فترة الحجر المنزلي لإصابتها بكورونا. “كنت أنتظر نتيجة فحص الـ pcr، وكان النهار ثقيلاً وقتها ولم أعرف كيف انقضت فترة بعد الظهر، كما لم أكن أعلم أن هناك سوءاً ينتظرني.. سمعت صوت فرقعة كبيرة، ففتحت النافذة ووجدت أناساً في الشارع يراقبون.. لحظات مرت وإذا بعصفٍ قويٍّ يحملني ويرميني على الأرض”.

وتضيف: “لا أعلم كيف تمالكت نفسي وأزحت الزجاج عني، وهو زجاج واجهة الألومينيوم التي انهارت علي. استجمعت قوتي، وتمكنت من نفض الزجاج.. سال الدم مني بكثرة وكأنني أنزف، إنما لم أكن أعلم من أي مكان في جسدي. طارت نظاراتي ومن دونها لا أرى بوضوح.. وبالرغم من ذلك وقفت ورأيت منزلي مدمراً وكأنه أصيب بقذيفة”..

“في الخارج، تلونت السماء باللون الرمادي الغريب”.. تقول ميليا التي رأت أناساً يتحركون ببطء أو يسيرون على slow motion، “حضرت مشاهد الحرب في رأسي والمعارك التي كانت تدور وقتها. عدت إلى منزلي لأفتش عن هاتفي بين الأغراض المبعثرة. إلى أين سأتوجّه وأنا لا زلت في فترة الحجر هذا ما قلته لنفسي. الباب مخلوع والأثاث هنا وهناك، والدم لا زال يغطي أنحاء جسدي. نظرت إلى الركام أو إلى ساحة المعركة في منزلي ووجدت بينها هاتفي. التقطت “السيلفي” لأعرف الضرر الذي لحق بي، وما وجدته هو أنف مشوه ربما، لكن الدماء كانت تملأ المكان.. وفي هاتفي وصلت رسالة نتيجة فحص الكورونا، إنها سلبية. لا أعلم إن كنت فرحة أو حزينة وقتها”.

ميليا الجبارة في ذلك اليوم المشؤوم رتبت أغراضها ووضعت هويتها وأرسلت السلفي التي التقطتها إلى طبيب صديق لها لاستشارته. “كانت يدي مخلوعة وعقدت منشفة على زندي لأضغط عليها. اتصلت بصديق لي وطلبت منه أن يوصلني إلى المستشفى”.

“تنقلت من مستشفى إلى آخر”.. تروي ميليا التي لم تكن تعرف أن انفجاراً وقع في المرفأ. جرحى في كل مكان. الناس يرمون أنفسهم هنا وهناك… “في مستشفى بحنس، رأيت بأم العين كيف قامت الممرضات بغسل الدماء التي غطت أجسام المصابين بالمصل”.

نجت ميليا وخضعت لعمليات في يدها ولا تزال بحاجة إلى عملية أخرى فأوتارها ممزقة والندبات لا تزال الشاهد الأكبر على ما عاشته في ذلك اليوم..

ميليا لن تنسى ولا تزال حتى هذا اليوم غير قادرة على الجلوس على الكنبة التي كانت تجلس عليها في الرابع من آب، استغرق بها الأمر أشهراً حتى باتت قادرة على استيعاب ما جرى. “لم أعد قادرة على سماع أي صوت وصرت انتفض عند سماعي أي فرقعة.. ما مررت به جسدياً ونفسياً يصعب الخروج منه، ربما يزول الألم الجسدي، لكن الألم النفسي سيبقى قائماً”.

“لا الأمر ليس سهلاً”، تقول ميليا فهي لم تتعافَ لكنها تملك النية لذلك، مشيرة إلى أن الصليب الأحمر الدولي تكفل بالعلاج الفيزيائي ليدها. “أمّا منزلي الذي تدمرت محتوياته، فأعدت ترتيبه شيئاً فشيئاً”.

وماذا عن الحقيقة؟

لا تحبذ التشاؤم لكنها تعتقد أن الحقيقة لن تظهر حتى وإن كانت مطلباً أساسياً ومحقاً لأهالي الضحايا ولمن أصيب ولمن خسر ممتلكاته.

كما ميليا آخرون كتبت لهم الحياة مجدداً لكنهم لا يزالون يعانون من الآثار النفسية والجسدية جراء هذا الانفجار الكبير.. وهؤلاء أيضاً غير على محو ذلك اليوم الأسود من ذاكرتهم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar