بعد سنتين من انفجار ٤ آب وغيبوبة طويلة.. أول كلمة نطقتها “ماما” ليليان بين ظلم زوجها وظلم دولة حرمتها حقوقها!
كتبت ريتا عبدو لـ “هنا لبنان”:
أبكى عيوننا.. كسر قلوبنا.. خطف تفكيرنا.. عن انفجار مرفأ بيروت أتحدث! عن كارثة لا توصف بالكلام، لأن ما خبأته من قصص ومآسٍ وجرحى وضحايا لا تكفي الحروف لوصفها! عمّ سنتكلم بعد سنتين من تلك الجريمة؟ سنتان من طلب الحقيقة ولا حياة لمن تنادي.. واليوم أكثر من ذي قبل، بعد المحاولات المستمرة لهدم الإهراءات وآخرها عن طريق افتعال الحريق… يُهدم جزء من الصوامع.. وأمام هذا المشهد ينفطر قلبنا مرة جديدة. هذا هو القهر بحد ذاته، هذا هو الأسى على من رحل ولم يُؤخذ حقه، ولم يُعرف القاتل، ولم يُحاسب المسؤولون القتلة… أي قضاء وأي رؤساء وأي دولة تقتل شعبها بيدها.. وتتستّر على المجرم.. فعلاً لا حروف تكفي لوصف الحزن فينا.. الحزن على من رحل، الحزن على وطن!
قضيتي اليوم هي ليليان شعيتو! هذه المرأة التي أصابها الانفجار بكل قساوة أولاً، وخذلتها صحتها، وخذلها زوجها، وخذلها المجتمع وقانون الأحوال الشخصية، وخذلتها الأزمة الاقتصادية ووزارة الصحة… وكأنّ وضعها الصحي الذي حجزها على مدى سنتين في المستشفى جراء إصابتها بانفجار ٤ آب لا يكفي. أصيبت هذه الشابة بأضرار بالغة في فصوص دماغها الأمامية، لترقد في غيبوبة دامت أشهراً، وتطلبت خضوعها لثلاث عمليات جراحية. وسط هذا الصمت الطويل، فاجأت ليليان عائلتها في الشهر الفائت بالنطق بأول كلمة لها وكانت “ماما”… فهذه الأم حُرمت لسنتين من رؤية طفلها “علي”، الذي لم تره منذ وقوع الانفجار، بسبب نزاع على الحضانة مع زوجها. وكأن وجعها الجسدي لا يكفيها، حتى يتأجج وجعها النفسي بسبب اشتياقها لصغيرها.
كان لا بد من إجراء مقابلة خاصة لموقع “هنا لبنان” مع نوال شقيقة ليليان شعيتو، لمعرفة وضع هذه البطلة التي انتصرت على الموت. وأوضحت أن بعد أشهر من الغيبوبة، استفاقت ليليان من نومها، هي بحال جيدة نوعاً ما، تستطيع تحريك يدها ورجلها الشمال لكن الجهة اليمنى لا زالت ضعيفة، لهذا فإنها بحاجة إلى علاج فيزيائي مخصّص لحالتها، فبحسب تقرير الجامعة الأميركية، هذا العلاج ليس متوفراً في لبنان، بل في ألمانيا تحديداً. ليليان اليوم جاهزة للخروج من المستشفى لكن المشكلة تكمن في عدم توفر مركز خاص لرعايتها، في ظل حرمان زوجها لها من جواز سفرها! علماً أن عائلة ليليان لا تملك القدرة المادية لعلاج ليليان في الخارج، وبالتالي فإن أمام هكذا انفجار، لا بد من أن تكون وزارة الصحة هي المنوطة بتحمل تكاليف علاج ليليان هنا في لبنان على الأقل وفي مراكز مختصة لهكذا حالات، لكنها تستمر في الرفض! فهل من جواب من معالي وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض؟!
وفي سياق آخر، ليليان أم محرومة منذ عامين من رؤية طفلها لأسباب تافهة ليست إلا حججاً سخيفة لحرمانها عن قصد من حقها! المفتي الشيخ أحمد قبلان، تدخّل شخصياً في هذا الموضوع، للضغط على زوجها للسماح لها برؤية طفلها، فما يقوم به لا يجوز شرعاً ولا ديناً، كذلك لا يحق لزوجها أن يحرمها من جواز سفرها ويمنعها من السفر لاستكمال علاجها في الخارج!! وككل مرة يعد زوجها بأن يسمح لها برؤية طفلها، وبأنه سيعطيها جواز سفرها، وأنه سيتكفل بالعلاج، أو ربما يعطيها جواز سفرها شرط ألّا يدفع تكاليف العلاج…. أكاذيب تلو الأكاذيب ولا شيء يتغير في هذه القضية!
وأكدت نوال، أن المحكمة الجعفرية حكمت بأن يقضي “علي” يومياً ٤ ساعات مع عائلة ليليان، لكن ذلك الزوج “الحنون” طعن بالحكم وحتى اليوم لم ينفّذ! فعلى ما يبدو المحسوبيات أقوى من سلطة القانون، والمحامي البلطجي الذي يوكله الزوج أقوى من حكم القاضي!
ظُلمت من بلد يتعشعش فيه الإجرام كالنيترات في ذلك المرفأ، ظُلمت من زوج لا يقلّ إجراماً عن الفاسدين، ظُلمت من دولة لا تتحمل مسؤولية علاجها في أرض بلدها! سألتُ نوال “ما الرسالة التي توجهينها بعد سنتين من انفجار ٤ آب؟ ” فكان الجواب: “الله لا يسامح من كان السبب في انفجار المرفأ” سواء كان الانفجار مؤامرة أم لا، فإن الدولة مهملة وفاسدة، ما ذنب ليليان لتكون جريحة في هكذا انفجار؟ ما ذنبها لتحضن دمية بدل أن تحضن طفلها الذي حرمها منه، من يُفترض أن يكون بجانبها سنداً ودعماً وقوة!! المهم اليوم هو صحة ليليان، فماذا يعني أن تتهرّب وزارة الصحة من مسؤوليتها، وتطلب من أهلها أن يجدوا أي جمعية خيرية لتتكفّل بعلاجها!؟ أمّا بالنسبة لجواز سفر ليليان، فنحن نناشد اللواء عباس ابراهيم ليتدخل في هذا الموضوع ويعيد الحق لأصحابه!”
ليليان بطلة حية، بين أبطال شهداء وأبطال أحياء كثر. دموع وأوجاع وعاهات جسدية ونفسية تركها ذاك الانفجار الهائل. لكن ربما السكوت عن الحقيقة وتفلّت المجرمين من العقاب، أصعب بكثير مما عاشه اللبنانيون ذلك النهار.. الأهالي لن يسكتوا ولن يتعبوا ولن يستسلموا عن طلب الحقيقة والعدالة حتى آخر نفس. فإذا فسدت عدالة الأرض، فعدالة السماء رأت كل شيء، وتعلم الحقيقة كاملة، ولن يضيع الحساب، وويلهم من ذاك النهار “حيث البكاء وصرير الأسنان”. أما نحن فنقول: “بدنا الحقيقة.. كل لحظة وكل دقيقة”!
