“الإنجاز” اليتيم “طار”… والمسؤولية جماعيّة!
“طار” التدقيق الجنائي، الذي تباهت الحكومة يوم إقراره بتصنيفه “إنجازاً” حقّقته في وجه المنظومة الحاكمة منذ عقود، واعتبر معها “العهد” أنّه حقّق أخيراً شيئاً ممّا وعد به قبل أكثر من أربع سنوات، حين خاض الانتخابات الرئاسيّة وفق برنامجٍ أساسه “الإصلاح والتغيير”، الشعار الذي لطالما رافق الرئيس ميشال عون.
لكنّ “الإنجاز اليتيم”، إن جاز التعبير، والذي لم يكن “على البال والخاطر” لو لم تنصّ عليه صراحةً المبادرة الفرنسية في صدارة بنودها، “طار” بدوره، مثله مثل جميع الإصلاحات الموعودة التي “تبخّرت” بسرعة البرق، بعدما ثبُت بالجرم المشهود، أنّها لا تعدو كونها “شعارات” سياسيّة وانتخابيّة، وفق منطق “البروباغندا”.
“طار” التدقيق الجنائي، ففرغت الساحة السياسية خلال عطلة نهاية الأسبوع ليمارس السياسيّون هوايتهم المفضّلة المتمثّلة في “البكاء على الأطلال”، من دون أن يبحث أحد، في العمق، عمّن يتحمّل المسؤولية، وقبل ذلك، عمّا إذا كان هناك من يريد أصلاً للتدقيق الجنائي أن يمرّ في دولة “علي بابا والأربعين حرامي”.
اتهامات بالجملة…
كان من الطبيعي أن يحضر “تطيير” التدقيق الجنائي على رأس خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون في ذكرى الاستقلال، تأكيداً للمضيّ في تطبيقه، مهما كانت الصعوبات والعوائق، تماماً كما حضر في تغريدة لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي ذهب إلى حدّ اعتبار تعطيل التدقيق “جناية”.
لعلّ “التيار الوطني الحر” يعتبر نفسه في هذا السياق، “أمّ الصبيّ”، وهو لذلك “تطوّع” لتوزيع الاتهامات عن تعطيل التدقيق الجنائيّ يميناً ويساراً، إذ يقول محسوبون عليه إنّ ما حصل يشكّل “إدانة كاملة المواصفات” ليس لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة فحسب، على رغم أنّ الأخير يرمي الكرة في ملعب الحكومة، ولكن قبله لمن يقف خلفه، من تيار “المستقبل” إلى حركة “أمل” وغيرهما، وفقاً لمنطق “العونيّين”.
ولا يتردّد “العونيّون” في ربط ما حصل على خطّ “التدقيق الجنائي”، بالمواجهة “غير المتكافئة” التي يقولون إنّهم يخوضونها مع منظومة “الفساد”، والتي “كبّلتهم” ومنعتهم من تحقيق ما يصبون إليه منذ انطلاقة “العهد”، وهم يعتبرون أنّ ما حصل يجب أن يُظهِر للرأي العام مَن الذي يعرقل فعلياً الإصلاح، بعدما تبيّن، كما يقولون، أنّ مصرف لبنان هو “الحاكم بأمره” في الدولة، وأنّ الرهان على حكومة برئاسة سعد الحريري للمواجهة “خائب سلفاً”!
“التيار” غير بريء!
لكن، إذا كان باسيل ذهب أبعد من ذلك، بإطلاقه شعار “تيار التدقيق الجنائي”، في “حملةٍ” يسعى منها إلى التأكيد على مواصلة “التيار الوطني الحر” المعركة على خطّ التدقيق الجنائي، ثمّة من يجزم أنّ “التيار” نفسه ليس “بريئاً” من “جناية” تعطيل “التدقيق الجنائي”، ويتحدّث عن مسؤوليّاتٍ جوهريّة يتحمّلها على هذا الصعيد، سياسيّاً ومعنويّاً.
وبرأي هؤلاء، فإنّ “التيار” نفسه تعاطى مع التدقيق الجنائي بمنطق “البروباغندا” لا أكثر ولا أقلّ، بدليل السجال الافتراضيّ الشهير الذي دار بين الوزيرة ماري كلود نجم والنائب إبراهيم كنعان قبل أسبوع، والذي “فضح” حقيقة الانقسام الحاصل داخل صفوف “التيار” في المقاربة، بين من يرى ضرورة لـ “تحصين” التدقيق الجنائيّ بمشاريع واقتراحات قوانين، لا أحد يعرف متى يمكن أن تنتهي “ورشة إقرارها”، ومن يعتبر مثل هذا الأمر “تشريعاً” لتعطيل التدقيق عبر تجميده ولو بستار مؤقت، وهو ما حصل في نهاية المطاف، بعدما “نفد صبر” شركة التدقيق، وفق ما أوحى به بيان انسحابها الذي لم يخلُ من الغموض واللبس.
ويعتبر خصوم “التيار” أنّ الأخير، وإن كان “متحمّساً” للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، بما يخدمه سياسياً وشعبياً، إلا أنّه كان يخشى ويتوجّس من “انقلاب السحر على الساحر”، خصوصاً في ضوء إصرار الكثيرين على أنّ التدقيق لا يمكن أن يُحصَر بالمصرف المركزيّ، بل يجب أن يشمل وزارات أساسيّة شكّلت عنواناً للهدر والمحسوبيّات، وعلى رأسها وزارة الطاقة، التي احتكرها “التيار” منذ أكثر من عشر سنوات.
ثمّة من يذهب أبعد من كلّ ذلك، بالحديث عن “ضغوط وتهديدات” وصلت إلى شركة التدقيق الجنائي، ودفعتها إلى “الانسحاب”، وثمّة من يلفت إلى “تخاذل حكوميّ” تمثّل بعدم الردّ على ما يقول مصرف لبنان إنّها “مراسلات” وجّهها للسماح بكشف السرية المصرفية عن حسابات عددٍ من الوزارات. لكن، في كلتا الحالتين، الأكيد، بعيداً عن الشعارات الرنّانة، أنّ مسؤولية “تطيير” التدقيق جماعيّة، في بلدٍ لم يعد خافياً على أحد أنّ “الخصوم” فيه يتحوّلون إلى “شركاء”، تكريساً لنهج المحاصصة والفساد “الأزليّ”!
المصدر: لبنان24