المطران عودة: رأس المال الحقيقي ليس نفطًا لا يزال في البحر بل علمًا وتربية

لبنان 21 تشرين الأول, 2022

دشن متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عوده، المبنى الرئيسي لجامعة القديس جاورجيوس في بيروت في احتفال أقيم برعايته، مساء اليوم، بحضور نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب، الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: التربية والتعليم العالي القاضي الدكتور عباس الحلبي، الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض، الإعلام زياد المكاري، النائبين غسان حاصباني وملحم خلف، محافظ بيروت القاضي مروان عبود، الوزير السابق رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت الدكتور طارق متري، الوزيرة السابقة منى عفيش، النائبين السابقين نزيه نجم وعاطف مجدلاني، رئيس جامعة البلمند البروفسور الياس الوراق، رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران ممثلا بعميد كلية الاداب البروفسور أحمد رباح، نائب رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور توفيق رزق، نائب رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت الدكتور أنطوان حداد، المدير العام لمستشفى القديس جاورجيوس الدكتور مروان نجار، إضافة إلى وعمداء كليات الجامعة ومديريها والأساتذة والطلاب وحضور رسمي وأكاديمي.

استهل المطران عوده الاحتفال بإزاحة الستارة عن اللوحة التذكارية وبترؤس صلاة تبريك المبنى الرئيسي، الذي يعود بناؤه إلى عام 1913 وتم تأهيله وتحديثه وتجهيزه أخيرا وفقا لأرفع المواصفات التربوية والفنية مع الحفاظ على طابعه التراثي المميز، ليضم حاليا كليتي الطب والآداب والعلوم.

متري

وألقى متري كلمة قال فيها: “كانت الأيام قاسية على اللبنانيين كافة وما زالت. وإطلاق مشروع جامعي وبناؤه، حجرا فوق حجر، وبشرا مع بشر، امتحان لسنوات وما توقف الامتحان، ولا غلبت المحنة، لكن الثقة بأن جهود الكثيرين الصادقة مباركة سمحت بتجاوز صعاب كثيرة. وتقوى الثقة هذه، بثقة سيادة المتروبوليت الياس أولا، ومعه مجلس الأمناء الذي يشرف ويستشرف ولجنة الأبرشية المالية والتنفيذية التي تعنى، في جملة مهامها، بدعم المؤسسات التربوية وضمان استمرارها”.

أضاف: “لم ينشىء سيدنا الياس جامعة القديس جاورجيوس من عدم، فهي تكمل أعمالا كثيرة وكبيرة في التعليم والخدمات الطبية والاجتماعية، تواصلت بلا انقطاع ما يقارب قرنا ونصف قرن. لذا، فالجامعة مدعوة إلى أن تكون أمينة لتراث تميز بروحية الشهادة والخدمة العامة والاستجابة لحاجات المجتمع، وهي متعاظمة. فلا تكون الجامعة الناشئة جامعة ضيقة الآفاق ومؤسسة تضاف إلى نظيراتها وتحذو حذوها أو تطمح إلى منافستها، بل جماعة حية ومنفتحة ومجددة، تعي هويتها في قلب رسالتها”.

وتابع: “لعل تدشين هذا المبنى التراثي، الذي حرصنا أشد الحرص على صون طابعه المعماري وخصائصه، الكبيرة والصغيرة، بمثابة شهادة على التأليف بين تلك الأمانة للتراث وهذا التجدد المستمر”.

وأردف: “لا يخفَ عليكم، أيها الأصدقاء، أن لبعض المباني، ومنها هذا المبنى، ذاكرة تستعاد باعتزاز لا لتعيدنا إلى الوراء، بل لتمتد بنا نحو ما هو قدام. وفي هذا التطلع، حسبي استلهام تاريخ مطرانية بيروت التي رعت قيام أقدم مستشفى في بيروت، والتوقف بتقدير كبير أمام الأثر الطيب الذي تركته كوكبة من المحسنين الذين تضافرت مساهماتهم في بنائه وتجهيزه وامام ما حققته نخبة من الأطباء والعلماء، ومنهم العلامة كورنيليوس فانديك، من الذين خدموا فيه وعالجوا وعلموا ودربوا أعدادا كبيرة من العاملين في القطاع الصحي”.

وقال: “على هذا النحو، وبقوّة هذا الإرث، سوف تشهد كلية الطب التي بدأت سنتها الأولى في رحاب هذا المبنى، على الشراكة الوثقى بين جامعة القديس جاورجيوس ومستشفى القديس جاورجيوس الجامعي”.

أضاف: “تعلمون أننا وصلنا إلى هذا اليوم، بعد تأخر وتعثر، فانفجار الرابع من آب أعاق عمليات البناء وإعادة البناء واستدعى ترميما لغير مبنى لما ينجز بعد، وأدى إلى رفع الأكلاف بما فاق التوقعات والإمكانات، لكن العزيمة، ومعها الإلتزام، ظلت أقوى. ودعاؤنا ألا تتراجع مهما تردت الأحوال. فالمشروع الجامعي، الهادف إلى توفير تعليم عال وعلى مستوى عال وبأقساط معتدلة نسبيا، قضية نبيلة، آمن بها القيمون عليه والأساتذة والعاملون جميعهم. وبفعل هذا الإيمان، وفقنا الله بانضمام صفوة من الطلاب سعدنا بهم ودعيناهم الطلاب المؤسّسين، وجلهم من ذوي الكفاءات البينة والحوافز العالية. وبفعله أيضا، تيسرت أمور الجامعة واستكملت الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة. ويطيب لي، في هذا المجال، أن أخصّ بكلمة عرفان العزيز معالي الوزير عباس الحلبي، الذي، بإنصافه وحسن تدبيره واحترامه الأنظمة، وضع حدا للمماطلة والعرقلة، أعانه الله في خدمة بلدنا المعذب”.

وختم: “كما أرى لزاما علي أيضا أن أشكر عضو مجلس الأمناء الصديق النائب السابق نزيه نجم لدعمه ترميم هذا المبنى وتجديده، وأشكر جميع الذين عملوا في سبيل إعادته إلى رونقه القديم وتحديثه أفضل تحديث، وفي مقدمهم المعماريان والإستشاريان فضل الله داغر وفؤاد حنا وإدارة المشروع ممثلة بأنطوان عبود والمتعهّد نبيل عبد الله. فهم لم يقوموا بعمل مهني جيد فحسب، بل ثابروا بلا كلل، رغم كل العوائق والمعوقات. لن أعدّد ذوي الفضل الآخرين فهم كثيرون والفضل يعرفه ذووه”.

الحلبي

من جهته، قال الحلبي: “من رحم الأزمات، ومن جحيم الفوضى والارتباك العام، تزهر جامعة القديس جاورجيوس، وردة في وسط الأشرفية وفي قلب بيروت، جامعة جامعة لكل مكونات الوطن، رابضة على تاريخ من العمق الروحي، وعلى مسار من العلم والأخلاق والوطنية الصادقة المنزهة عن كل مصلحة، سوى الصالح العام. هذه المبادئ الثوابت التي يجسدها سيادة المطران إلياس عودة، الصوت الصارخ في برية الوطن، المرشد الناصح، والقائد الروحي والوطني والاجتماعي، الذي يسمع صوته الجميع، ويحترمه القاصي والداني، ويحسب لموقفه ألف حساب في القضايا المفصلية، وإن كان أحيانا، لا بل غالبا، يزعج الذين يتربصون بالوطن ويحاولون تغيير معناه ومبناه، إلا أنه دوما على الحق صامد وعن الوطن مدافع”.

أضاف: “نعم، إنها جامعة القديس جاورجيوس الجديدة في التأسيس، العريقة في منابت العلم، المتطلعة إلى المستقبل برؤية واضحة، رسمها رئيسها الدكتور طارق متري وعمداؤها ومجلسها، وترتكز إلى الجودة والملاءمة مع اسمها، وتتكل على بركة الله وشفاعة القديس جاورجيوس راعي هذه المؤسسات والمستشفيات وجميع المؤمنين”.

وتابع: “تعاني البلاد صعوبات متداخلة تصل إلى حدود الاختناق على المستويات كافة، وترخي هذه الظروف بثقلها على المواطنين، وخصوصا على القطاعين التربوي والجامعي، وتتزاحم الأولويات أمام الأهالي الذين لم يعد أمامهم سوى تعليم أولادهم والاستثمار فيهم، على أمل أن يعود الشباب معززين بالتخصص وينهضوا بأهاليهم وبعائلاته، لكن رغم كل ذلك السواد، نبذل مع المخلصين جهودا جبارة لنحافظ على استمرارية القطاع برمته، ونشدد على المساحات المضيئة التي تجترحها المؤسسات على غرار إطلاق جامعة القديس جاورجيوس اليوم”.

وأردف: “صاحب السيادة، أيها الحضور الكريم، أنتم مرجعية روحية وطنية، اجتماعية، تربوية وأخلاقية، تشكلون المظلة التي تمنح الثقة لجامعة القديس جاورجيوس والعديد من المدارس والمؤسسات الاجتماعية. وأملنا كبير في أن تحقق هذه الجامعة النجاحات التي نراهن على حدوثها، برعايتكم ودعمكم”.

وختم: “في إطلاق السنة الدراسية رسميا، نتمنى للطلاب الأعزاء عاما جامعيا مباركا، وندعوهم إلى الإجتهاد والسهر لتعويض ما فاتهم من المناهج والبرامج والمهارات والكفايات التي لم يكن ممكنا تحقيقها في ظل عامين دراسيين من الانقطاع أو التعليم من بعد. وإننا على ثقة بمسيرة معالي رئيس الجامعة الدكتور طارق متري، الذي يقود طاقما أكاديميا وبحثيا على مستوى عال من الكفاءة، ونتمنى له التوفيق في هذه المهمة الجليلة. لتكن إنطلاقة مباركة لجامعة القديس جاورجيوس وسنة دراسية موفقة، وليكن هذا المبنى الذي يحتضن الجامعة صرحا أكاديميا واعدا يخرج أفواج الطلاب لقيادة مستقبل البلاد ونهوضها وعزتها”.

عودة

من جهته، ألقى المطران عودة كلمة قال فيها: “نجتمع اليوم معاً، وما أجمل أن يجتمع الإخوة، من أجل مباركة عـام جامعي مميز لأنه يعلن انطلاق العمل فـي المبنى الرئيسي لجامعة القديس جاورجيوس المحروسة بالله. لقد كان هذا المبنى التاريخي انطلاقة مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، منذ مـا يقارب القرن ونصف قرن. وكما وصل المستشفى إلى أسمى درجات العلم والخدمة، دعاؤنا أن تسمو جامعة القديس جاورجيوس، ليس بالمباني فقط، بل بخريجيها، الذين سنعمل بجهد ليكونوا الأمل بمستقبل زاهر ينحتونه لهذا الوطن الحبيب. فالتعليم هو جواز السفر إلى المستقبل، ونحن في بلد يتهافت أبناؤه للحصول على جواز سفر هربا من واقع دمر مستقبلهم في أرضهم، وسعيا إلى مستقبل يزهر، وطموحات تتحقق في الغربة”.

أضاف: “العلم يحرر عقل الإنسان، وهو السلاح الأمضى الذي يمكن استخدامه لتغيير وجه العالم. لذلك، نسعى، من خلال مدارسنا، ومن خلال هذه الجامعة، إلى زرع بذور العلم والإنـسانية والفضائل في عقول أبنائنا، لتزهر ثقافة وانفتاحا وفنا وإبداعا. لقد شئنا هذه الجامعة، رغم قساوة الأيام، وصعوبة البناء في زمن تحطيم كل القيم والإمكانات، لنكمل المسيرة التي بدأها أسلافنا في بناء الصروح التعليمية والطبية والخدماتية. فمدارسنا، وأولاها مدرسة الثلاثة الأقمار التي أنشئت سنة 1835، كانت منارات في خدمة أجيال بيروت، ورأينا أن الوقت قد حان لبناء صرح جامعي يتابعون فيه تحصيلهم العلمي، والثقافي، والأخلاقي، والوطني”.

وتابع: “الكنيسة تسعى جاهدة من أجل بناء الإنسان روحيا وفكريا وجسديا، كي تكون منارة في ظلمة العالم المادي المتخبط بالمشاكل والحروب، والساعي وراء الشهوات والماديات والمصالح. الكنيسة لا تخوض حربا دموية، بل حربا لا منظورة ضد الشر، ضد الجهل، والظلم، والـتخلف، والتعصب، والاستعباد، والاستبداد، والظلام الفكري، إلا أن المشكلة التي تواجهنا في هذه الأيام العصيبة هي في إقناع هذا الجيل بأن العلم، من دون سواه، هو مفتاح النجاح والمستقبل الزاهر، فـيما هو محاط بحملة الشهادات الذين يعيشون البطالة والفقر، ويعانون كغيرهم من أبناء هذا البلد، من عقم تصرفات بعض المسؤولـين، وجهل البعض، وجشع الآخرين”.

وأردف: “يقول الفيلسوف الإغريقي أرسطو: “التعليم زينة في الرخاء وملاذ في الشدة”. فهل من شدة أعظم مما نحن فيه؟ مع ذلك، لم نشهد حماسة المتعلمين لإصلاح ما أفسده الفساد، وكفاءة حاملي الشهادات فـي تصويـب الأمور، وفعالية ذوي الاختصاص فـي ابتكار الحلول، وتفانيهم من أجل إنقاذ البلد، ووقوفهم الحاسـم في وجه ذوي الأطماع والحصص. هنا، يأتي دور الجامعات في إعداد الطلاب إعدادا يجعلهم مواطنين مؤمنين بربهم، أمناء لوطنهم، ومفكرين، ذوي فكر نقدي ورؤية واضحة وعمل خلاق، فيصبح ذوو الفكر والمنطق أكثر عددا من المستغلين والطماعين، وأكثر شعورا بالمسؤولية وعملا فاعلا، فينعم المجتمع بثمار الحكمة والعقل والعلم، ويزدان بالمعرفة والثقافة ورجاحة الرأي”.

وقال: “إن رأس المال الحقيقي ليس نفطا لا يزال في البحر ولا نعلم متى يستخرج، إن استخرج وأحسن استثماره، رأس المال الحقيقي هو العلم. أما الجهل فهو العدو الأكبر. الكنيسة التي تعمل بحسب قول ربها: “من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات” (متى 5: 19) تعي تمام الوعي أن ترك النفوس بلا علم ولا أدب وثقافة هو كترك مريض بلا طب أو علاج. وبما أن كل إنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، تدأب الكنيسة على الاهتمام بالبشر وإعلاء شأنهم عن طريق العلم، الذي هو الوسيلة الوحيدة التي ترتفع بها مراتب الإنسان إلى الكرامة والشرف، طبعا بعد إتمام الوصايا الإلهية والسير بهدي كلمة الله”.

أضاف: “أحبائي، الكنيسة تحاول أن تعمل على الأرض بحسب كلام الرب القائل: “أعلمك وأرشدك في الطريق الذي تسلكه، وعيني ترعاك” (مز 32: 8). عينها ساهرة دوما على ما فيه خير أبناء سيدها يسوع المسيح. لذا، نضع هذه الجامعة بين يدي الرب، بشفاعات العظيم في الشهداء جاورجيوس، علها تكون مصنعا للرجالات، والنسـاء العظيمات، ورافدا لبحر هذا البلد المتعطش إلى الشابات والشبان الجديين، الذين يحلمون بلبنان الحرية والعدالة والثقافة والجمال والإبداع، لا بوطن يهلك الإنسان فيه فقرا وظلما ومهانة وذلا”.

وختم: ” دعاؤنا أن يعي خريجو هذه الجامعة أن “رأس المعرفة مخافة الرب، أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب” (أم 1: 7)، ومتى حفظوا هذا الكلام الإلهي، سيكونون في مأمن من هجمات شيطان الأنا والكبرياء والجهل والحقد والكراهية. الشكر الأول والأخير للرب الذي سمح بأن ترى هذه الجامعة النور، وقد أصبحت في السنة الثانية من عمرها، وأن تنجز أعمال ترميم هذا البناء التاريخي، رغم ما تعرض له من أذى، بسبب التفجير الآثم الذي أصاب قلب عاصمتنا الحبيبة وأدماها، وأودى بخيرة شاباتها وشبانها. الشكر أيضا لجميع من رافق قيام الجامعة وأعمال الترميم بصلواته أولا، وبأي نوع من التخطيط والجهد والتعب والسهر وبذل الذات والمال والوقت، والشكر المسبق لكل من سيمد يد العون لكي تنمو هذه الجامعة وتكبر وتضاعف أبنيتها ونشاطها في خدمة إنسان هذا الوطن الجريح

والمرهق، عل العلم يبلسم جراحه ويشفي آلام أبنائه”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us