هل اخترقت رسالة لودريان جدار الصمت الرئاسي؟

الفراغ والشغور والتعطيل، مصطلحات باتت من صلب السياسة اللبنانية وخاصةً بعد اثنتي عشرة جلسة عقيمة لانتخاب رئيس للجمهورية، فمنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون منذ تسعة أشهر ونيّف الشغور مستمر في رأس الدولة، ولو أنّ المعارضة اتّفقت على مرشّحها جهاد أزعور وتقاطعت بذلك مع التيار الوطني الحر الذي حاز على 59 صوتاً مقابل 51 صوتاً لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي، الذي كما فرض ميشال عون رئيساً بقوة التعطيل في عام 2016 يحاول اليوم إيصال فرنجية إلى سدّة الرئاسة.

الموفد الفرنسي جان إيف لودريان

المراوحة في الملفّ الرئاسي دفعت بـ “الأمّ الحنون” إلى مدّ يد العون، ففي السابع من حزيران الماضي، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان مبعوثاً خاصاً إلى لبنان للمساعدة في إيجاد حلّ “توافقي وفعّال” للأزمة اللبنانية.

وكانت الزيارة الأولى للودريان إلى لبنان في أواخر حزيران، أصدر في ختامها بياناً جاء فيه:” بناء على طلب رئيس الجمهورية، الذي عيّنني موفده الشخصي من أجل لبنان، قمت بزيارة إلى لبنان من 21 إلى 24 حزيران. في هذه الزيارة الأولى، أردتُ أوّلاً أن أصغي. لذا إلتقيت بالسلطات المدنيّة والدينيّة والعسكريّة بالإضافة إلى ممثّلين عن كافة الأطراف السياسية الممثّلة في مجلس النواب. سوف أرفع تقريراً حول هذه المهمّة إلى رئيس الجمهورية فور عودتي إلى فرنسا. وسأعود مجدّداً إلى بيروت في القريب العاجل لأنّ الوقت لا يعمل لصالح لبنان. وسوف أعمل على تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين من أجل التوصّل إلى حلّ يكون في الوقت نفسه توافقيّاً وفعّالاً للخروج من الفراغ المؤسّساتي والقيام بالإصلاحات الضروريّة لنهوض لبنان بشكل مستدام، وذلك بالتشاور مع الدول الشريكة الأساسيّة للبنان.”

أمّا في زيارته الثانية في 25 تمّوز، فجاء لودريان حاملاً معه الدعوة إلى الحوار التي سبقه إليها الثنائي الشيعي، وأعلنت ذلك وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها وجاء فيه أنّ لودريان “اقترح على كافة الأطراف الفاعلة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية دعوتهم في أيلول لعقد لقاء في لبنان هدفه التوصل إلى توافق على القضايا والمشاريع ذات الأولوية التي ينبغي على الرئيس المقبل أن يتولاها.. والهدف من هذا اللقاء هو خلق مناخ من الثقة يتيح للبرلمان الاجتماع في ظل ظروف مؤاتية” لانتخاب رئيس للجمهورية.

رسالة لودريان

بعث لودريان في 15 آب الجاري رسالة إلى رؤساء الكتل النيابية ومجموعة من النواب يطلب فيها بشكل رسمي “الإجابة الخطية والموجزة قدر المستطاع”، عن سؤالَيْن، الأول: “ما هي بالنسبة إلى فريقكم السياسي، المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة”، والثاني: “ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟”.

وجاء في رسالة لودريان: “نظراً للضرورة الملحّة للخروج من الطريق المسدود الحالي على الصعيد السياسي، الذي يُعرّض مستقبل البلد لمخاطر جمّة، اقترحت على ممثلي كافة القوى السياسية التي تشغل مقاعد نيابية، أن أدعوهم في شهر سبتمبر إلى لقاء يرمي إلى بلورة بشأن التحديات التي يجب على رئيس الجمهورية المستقبلي مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالتالي المواصفات الضرورية من أجل تحقيق ذلك”.

وأضافت: “اللقاء هذا يتمحور حصراً حول هذه المسائل، ويهدف إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك وضمن ظروف مؤاتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً”.

وطلب لودريان من النواب “إرسال الأجوبة إلى سفارة فرنسا في لبنان قبل الحادي والثلاثين من شهر آب”، مشيراً إلى أنه “سوف يسبق تنظيم الاجتماع إجراء مشاورات ثنائية”، معرباً عن رغبته بالاجتماع بهم في هذا الإطار.

ردود فعل

أصدرت قوى المعارضة بياناً أكّدت فيه على عدم جدوى أيّ حوار مع الحزب وحلفائه، محذرة من “فرض رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة حزب الله، محتفظين بحقنا وواجبنا في مواجهة أي مسار يؤدي إلى استمرار خطفه الدولة”.

واعتبر النواب المعارضون أن “شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنَين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية.. أما محاولة تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات سياسية مسبقة، فهي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب أولاً، رافضين منطق ربط النزاع”.

فيما كتب عضو كتلة “الجمهورية القوية”، النائب جورج عدوان، في منشور على حسابه عبر منصة “X” : “وصلتني اليوم بواسطة الأمانة العامة لمجلس النواب رسالة من المبعوث الفرنسي “جان إيف لودريان” يطلب فيها بشكل رسمي وخطياً الإجابة قبل نهاية الشهر الحالي على سؤالين يتعلقان بانتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية”.

وأضاف، “وقد أثارت هذه الرسالة استغرابي، ففرنسا بلد صديق تربطه بلبنان علاقات تاريخية، وهي دولة عريقة بممارساتها الدستورية وباحترامها للقواعد الدبلوماسية ولأصول التعاطي، لكن هذه الرسالة تشكل اليوم سابقة من نوعها وتتعارض مع أبسط القواعد على مختلف الصعد، وتتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية، التي كانت وستبقى حجر الزاوية في تعاطينا مع الدول الصديقة، ومن ضمنها فرنسا، كما مع الدول غير الصديقة”.

من جهته، قال “تكتل لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل، الذي يخوض حواراً “رئاسياً” مع “حزب الله”، قد يخرجه من تقاطعه مع قوى المعارضة، في بيان له، إنه “تم بحث الرسالة الفرنسية وكيفية الرد عليها، بما يؤكد إيجابية التيار للوصول إلى حلول توافقية حول رئاسة الجمهورية بشروط موضوعية محددة تتعلق ببرنامج الحوار وزمنه المحدود وارتباطه بجلسات انتخابات متتالية، من دون هدر الوقت واستعماله لتغيّر الظروف ومحاولة فرض رئيس من فريق على فريق آخر”.

فيما كشفت معلومات “الجديد” أنّ “الثنائي الشيعي سيجيب في الأيام المقبلة على رسالة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بشكل خطي ومعلن”.

وفي السياق، كتب النائب وضاح الصادق عبر منصة “X”:”لن أرد على ‫الرسالة الفرنسية، بإختصار أرفض تجاوز سيادة لبنان ومجلسه النيابي. نحن من جلبنا الإهانة لأنفسنا عندما خضعنا لسياسة الأمر الواقع التي أغلقت المجلس وضربت بالدستور عرض الحائط”.

كما أفادت مصادر مطلعة لقناة “الجديد”، بأنّ زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان قد يليها دعوات مفتوحة سيوجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us