في قرار مفاجئ.. إخلاء سبيل المتّهم بمقتل الجندي الإيرلندي شون روني
في بلدٍ بات معروفاً بغياب المحاسبة، وقبل أيام من اجتماع مجلس الأمن لمراجعة تنفيذ القرار 1701 أفرجت المحكمة العسكرية، برئاسة العميد الركن خليل جابر، عن المدعو محمد عيّاد، المتورط بجريمة “العاقبية” (جنوب مدينة صيدا) والمتهم بقتل الجندي الإيرلندي “شون روني” (23 سنة) من قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام “اليونيفيل”، وأحد أفراد الكتيبة الإيرلندية العاملة جنوب لبنان، بتاريخ 14 كانون الأول الفائت.
وقد علق بعد الحادثة مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا في حديث لرويترز بالقول: نتقدم بالتعزية من قوات اليونفيل لسقوط قتيل. ونتمنى الشفاء للجرحى في الحادث غير المقصود الذي وقع بين الأهالي وأفراد من الكتيبة الايرلندية، مطالباً بترك المجال للأجهزة الأمنية للتحقيق في الحادث وعدم إقحام حزب الله في الحادثة.
توقيف عياد
وقد تمّ تسليم محمد عياد في 25 كانون الأوّل الماضي، في سياق تعاون حزب الله مع التّحقيق الّذي تجريه مخابرات الجيش.
وقد ادّعى في حينها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي،على الموقوف محمد عيّاد بجرم قتل الجندي الإيرلندي ومحاولة قتل رفاقه الثّلاثة، بإطلاق النّار عليهم من رشّاش حربي. وادّعى كذلك على أربعة أشخاص معروفي الهويّة ومتوارين عن الأنظار، وعلى اثنين آخرين مجهولي الهويّة، بجرائم إطلاق النّار تهديدًا من سلاح حربي غير مرّخص، وتحطيم الآليّة العسكريّة وترهيب عناصرها. ثمّ أحال عقيقي الملف مع الموقوف على قاضي التّحقيق العسكري الأوّل فادي صوان، لإجراء التّحقيقات وإصدار المذكّرات القضائيّة اللّازمة
القرار الاتّهامي بالتفاصيل
وما لبثت أن أظهرت التحقيقات أنّ المتّهمين الأربعة في الحادثة ينتمون إلى حزب الله، فقد اتهّم قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان عناصر ينتمون إلى “حزب الله” بـ “تأليف جماعة من الأشرار، وتنفيذ مشروع جرمي واحد، أسفر عن قتل عنصر من الكتيبة الايرلندية التابعة لقوات “اليونيفيل” في بلدة العاقبية في جنوب لبنان ومحاولة قتل ثلاثة من رفاقه”.
واعتبر في قرار اتهامي أصدره في الأوّل من حزيران الماضي أنّ أفعال كل من الموقوف محمد عيّاد، والفارين من وجه العدالة علي خليفة، علي سلمان، حسين سلمان ومصطفى سلمان، تنطبق على الفقرة الخامسة من المادة 549 العقوبات اللبناني، التي تنصّ على أنه “إذا ارتكب جرم على موظّف رسمي أثناء ممارسته الوظيفة أو في معرض ممارستها أو بسببها يعاقب بالإعدام”. وأشار إلى أنّ “الاتفاقية الموقعة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة تتضمن في المادة 45 منها، أنّ الجرائم التي ترتكب على قوات “اليونيفيل” أو أحد عناصرها، يطبّق عليها النص ذاته الذي يطبق على الجرم الواقع على القوات المحلية”.
واستعرضت وقائع القرار الاتهامي الذي يقع في 30 صفحة، الأدّلة التي استند إليها قاضي التحقيق، ومنها إفادات الشهود، وتسجيلات بالصوت والصورة لكاميرات المراقبة التي ضبطت في محيط موقع الكمين الذي تعرضت له الدورية الإيرلندية، وأشار إلى أنّ “مضمون التسجيلات أظهرت بشكل واضح محاصرة الدورية المعتدى عليها من كلّ الجهات، ومهاجمتها من قبل مسلحين، وقد سمع بعضهم يقول “نحن من حزب الله، وينادون بعضهم عبر الأجهزة اللاسلكية بأسماء علي مسلماني، هادي، عبود، زياد وغيرها، وكان أحدهم يصرخ بسائق السيارة المعتدى عليها “يا حمار نحن حزب الله”.
وفنّد القرار بالتفصيل كيف أنّ الدورية “وأثناء توجهها من الجنوب إلى بيروت، ضلّت طريقها وسلكت طريقاً فرعية داخل بلدة العاقبية، ولما وصلت إلى موقع الحادث، جرى تطويقها بالسيارات من كلّ الاتجاهات، وترجل عناصر مسلحة منها وبدأوا يضربون أبواب السيارة، ثم أقدموا على خلع باب الصندوق، وبدأوا بالاستيلاء على معداتها، وهنا سمع صوت أحد عناصر الدورية يقول “إنتهينا”، عندها عمد السائق إلى صدم السيارة المتوقفة أمامه، وانحرف قليلاً وانطلق محاولاً الفرار، وفي هذه الأثناء بدأ المسلحون إطلاق النار من الخلف، فعمد العناصر إلى تخبئة رؤوسهم والانحناء وراء المقاعد، أما السائق الذي كان منطقاً بالسيارة، فأصيب برصاصة في مؤخرة رأسه اخترقت جمجمته وهشمتها وخرجت من فوق حاجبه الأيسر، ما أدى إلى فقدان السيطرة على الآلية العسكرية التي سارت لوحدها بضع أمتار ثم اصطدمت بجدار محل مخصص لبيع الدهانات، وانقلبت على جنبها الأيمن”.
كما تحدّث القرار عن “مطاردة سيارة أخرى للكتيبة الإيرلندية كانت برفقة الآلية المعتدى عليها” وأوضح القرار أنّ “السيارة الثانية التي كان فيها ضابط وثلاثة جنود إيرلنديين، توقفت على الطريق الرئيسي أي على الأوتستراد، واتصل الضابط بالسيارة الأخرى وعندما ردّ عليه أحد العناصر أخبره أنّهم وقعوا في كمين وسمع أصوات الصراخ وصدم الآلية، وهنا وصلت عناصر حزبية وطوقوا الآلية الثانية، وقد ترجل منها الضابط والعناصر وفروا إلى أحد البساتين القريبة واختبأوا بين المزروعات، عندها اتصل الضابط بقيادة اليونيفيل التي اتصلت بقيادة الجيش، وحضرت دوريات لمخابرات الجيش إلى المكان وعملت على حماية سيارة اليونيفيل”، ونقلت عناصرها إلى مقر قيادة قوات الطوارئ في الناقورة.
وخلص القرار إلى اتهام الأشخاص المذكورين أعلاه بالقتل عمداً وتأليف جميعة أشرار وسطّر مذكرات تحرّ دائم لمعرفة هوية باقي المتورطين في الاعتداء وأحال الجميع على المحكمة العسكرية لمحاكمتهم، كما سلّم صوان نسخة عن القرار الاتهامي إلى الدائرة القانونية في قوات الطوارئ الدولية.
إخلاء سبيل عياد بكفالة مالية
وبعد مرور ما يقارب السنة على توقيفه، قد أخلت المحكمة العسكرية سبيل محمد عياد، بكفالةٍ مالية بلغت مليار و200 مليون ليرة لبنانية، منذ عدة أيام، بينما تمّ تسريب الخبر يوم الأربعاء 15 تشرين الثاني الجاري. وقيل أنّ إخلاء السبيل قد جاء نتيجة التقارير الطبية التّي قدمها وكيل عيّاد القانوني للمحكمة العسكرية، مفصلًا وضعه الصحي الصعب، ومن ضمنها أنّه مصابٌ بالسرطان، وبحاجة إلى متابعة طبيّة دائمة وإلى أدوية
اليونيفيل: الحكومة اللبنانية أعلنت التزامها بتسليم الجناة
وقد توالت ردود الفعل على إخلاء سبيل عياد، خصوصاً وأنّ أسباب عدم محاكمة عياد طوال هذه الفترة غير واضحة، كما أنّ أن قرار الافراج عن المتهم صدر من رئيس المحكمة العسكرية وليس من قاضي التحقيق، علماً أن رئيس المحكمة، من الطائفة الشيعية، ولا يعيّن إلا بقرار من الثنائي الشيعي.
وفي السياق، أعلن الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي، أن “بعثة حفظ السلام اطلعت على التقارير التي تفيد بأن السلطات اللبنانية أطلقت الليلة الماضية سراح الشخص الذي اعتقلته، بعد الهجوم الذي أدى إلى مقتل جندي حفظ السلام التابع لليونيفيل شون روني بسبب تدهور حالته الصحية”.
ولفت تيننتي، الى أننا “نعمل على التأكد من هذه المعلومات من المحكمة العسكرية، والحكومة اللبنانية أعلنت في مناسبات عدة التزامها تقديم الجناة إلى العدالة”.
وأضاف “اليونيفيل تواصل الحث على محاسبة جميع الجناة وتحقيق العدالة للجندي روني وعائلته”.
ردود الفعل
وقد كتب النائب أشرف ريفي، في منشور على حسابه عبر منصة “إكس”: “إفراج المحكمة العسكرية عن محمد عياد المتهم بقتل الجندي الإيرلندي، يشبه الإفراج عن المتهم بقتل الرائد الطيار سامر حنا، ويشبه محاكمة عشائر العرب في أحداث خلدة”. وأضاف، “والنتيجة واحدة: المحكمة العسكرية أداة بيد “حزب الله”، ولبنان يدفع الثمن”.
وختم: “كيف يُبنى وطن بصيفٍ وشتاء تحت سقفٍ واحد؟”.
وقال المحامي مجد حرب في حديث إلى “المركزية”: “لبنان تحوّل إلى مزرعة لدرجة أصبحتُ فيها أخجل بأنني أحمل فيه شهادة محاماة وأخجل بأنني أدخل لأرافع أمام هؤلاء القضاة الذين يُصدرِون أحكاما كهذه. من دون ان أُعمِّم، إذ لا يمكن وضع جميع القضاة في الخانة نفسها، لكنني لا أستغرب من قضاء أطلق سراح قاتل ضابط لبناني بعدالة قضاء لبناني وفي فترة ستة أشهر، ألا يقوم بإطلاق سراح أي قاتل بغض النظر عن هوية المقتول أو حجم الجريمة المرتكبة”. مضيفاً: “ماذا ننتظر من دولة يخرج رئيس حكومتها ليقول بأن قرار الحرب والسلم ليس بيده؟ ونسأل بعدها إذا كان هناك من قضاء يُطبّق على هذه الجماعة؟”.
مواضيع ذات صلة :
“اليونيفيل” قلقة بشأن النشاط الإسرائيلي قربها | “اليونيفيل”: إسرائيل تعرّض قواتنا للخطر | اليونيفيل: قلقون من النشاطات الإسرائيلية |