بيئة “الحزب” تعيق “اليونيفيل”.. اعتداءات متكررة!

في ظل التصعيد الإقليمي، يطفو مجدداً على سطح الأحداث ملفٌ بالغ الحساسية: الاعتداءات المتكرّرة على قوات “اليونيفيل”. هذه الحوادث ليست مجرّد اعتراضات محلية عفوية كما يُروّج. ولا يمكن قراءتها بمعزل عن البيئة السياسية والأمنية التي تُقيَّد فيها مهام هذه القوة الدولية. فالمواجهات مع الدوريات، ومصادرة العتاد، ومحاولات الترهيب، ليست مجرّد ردود فعل شعبية عفوية، بل تأتي في سياق مرسوم بوضوح، هدفه تكريس وقائع ميدانية تمنع “اليونيفيل” من تنفيذ تفويضها بحرّية. والنتيجة: تقويض فعالية القرار 1701، وتعطيل الجهود الدولية الرامية إلى حماية الاستقرار الهش في الجنوب.
من بنت جبيل إلى طيردبا، المشهد يتكرر: مدنيون يُعرقلون الدوريات الدولية، شعارات ميدانية تُعيد رسم قواعد الحركة، وسجال لبناني داخلي يشتدّ حول مسؤولية الدولة، وسلطة الجيش، ومدى التزام حزب الله بقرار 1701. فهل نحن أمام موجة رسائل مشفّرة من خلف الستار؟ أم أمام انزلاق خطير نحو مواجهة غير مباشرة مع المجتمع الدولي؟
الاعتداءات تتكرّر… والجهة واحدة
في مشهد يعيدنا إلى ما قبل اندلاع الحرب الأخيرة في جنوب لبنان، سجّلت منطقة بنت جبيل الثلاثاء الماضي حادثة جديدة في سلسلة الاعتراضات على قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، حينما اعترض “أهالي البلدة” على مرور دورية دون تنسيق مع الجيش اللبناني. تكرّرت الحادثة بعد أيام في بلدة طيردبا القريبة من صور، حيث قام شابان بمطاردة آلية تابعة لـ”اليونيفيل” وإجبارها على التراجع، فيما دوّى في الفيديو صوت أحدهما قائلاً: «ممنوع دخولهم من دون الجيش».
هذه الحوادث ليست جديدة، بل أصبحت ظاهرة متكرّرة، ما يدفع إلى التساؤل عن المستفيد من إرباك البعثة الدولية، التي تنفّذ مهماتها وفق القرار الأممي 1701، القاضي بمنطقة خالية من السلاح غير الشرعي جنوب الليطاني، وبالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني.
الدولة تحاول… والاعتداءات تُحرجها
بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن هذه الاعتداءات المتكررة طرحت خلال اجتماع بين رئيس الجمهورية جوزيف عون وقائد قوات “اليونيفيل” الجنرال أرولدو لازارو، حيث جرى التأكيد على ضرورة التنسيق بين البعثة الأممية والجيش اللبناني لمنع تفاقم الأوضاع. المصادر الرئاسية أكدت أن الجيش يعالج هذه الحوادث فوراً، وأنه لا تساهل مع أي طرف يعكّر صفو العلاقة مع القوات الدولية.
لكنّ مصادر وزارية وصفت الاعتداءات بأنها «غير مقبولة»، وذكّرت بموقف الدولة الرسمي الرافض لها، لا سيما بعد اعتداء طريق المطار قبل شهرين، والذي انتهى بتوقيف 25 شخصاً، أُطلق سراح 19 منهم، بينما أُحيل الباقون إلى المحكمة العسكرية.
غضب شعبي أم غطاء سياسي؟
في المقابل، هناك من يرى في هذه التحركات الميدانية ما يتجاوز “غضب الأهالي”. الصحافي والخبير العسكري رياض قهوجي، رئيس مركز «أنجِما»، قال في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إن هذه الحوادث تندرج في سياق “الرسائل الميدانية” التي يرسلها “حزب الله”، للقول: “نحن موجودون، ونرسم خطوط التماس”، معتبراً أن لا أحد يتحرّك على الأرض من دون توجيه مباشر.
هذه النظرية، وإن لم تكن جديدة، إلا أنها تُقابل برواية مغايرة من المنسّق الحكومي السابق لدى اليونيفيل العميد المتقاعد منير شحادة، الذي اعتبر في تصريحه أن ما حدث في طيردبا هو “عمل فردي بحت”، مؤكداً أن حزب الله “متعاون مع الجيش في تنفيذ وقف إطلاق النار”، لكنّه أقرّ بوجود “سخط شعبي جنوبي” من أداء اليونيفيل في ردع الاعتداءات الإسرائيلية، من اغتيالات إلى قصف وتدمير منازل، وهو ما يخلق مناخاً عدائياً تجاه هذه القوات.
اليونيفيل تُصرّ على الاستمرار
رغم هذه الهجمات المتكررة، أكدت نائبة الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” كانديس آرديل أن القوات الدولية تعمل بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني، وتُواصل مهامها دعماً للقرار 1701، مضيفة أن “أي تدخل في أداء واجبات حفظ السلام يتعارض مع التزامات لبنان الدولية”.
وأشارت آرديل إلى أن “الدورية التي تعرّضت للاعتراض في طيردبا قد سلكت طريقاً بديلاً وتمّت ملاحقتها، لكنّها أكملت مهمّتها”، فيما جددت الحكومة اللبنانية، بحسب ما نقلت الشرق الأوسط، التزامها بالتعاون مع “اليونيفيل”، ورفضها لأي اعتداء على عناصرها.
خلفيات متشابكة ورسائل مزدوجة
ليست هذه الاعتداءات حدثاً عابراً. فبينما تؤكد الحكومة حرصها على الاستقرار والتعاون، يُرسل الميدان إشارات مضادة تُربك البعثة وتطرح شكوكاً حول من يريد تقويض مهامها.
وقد رأت جهات دبلوماسية غربية في بيروت أن استمرار هذه الحوادث قد يدفع بعض الدول المشاركة في “اليونيفيل” إلى إعادة تقييم دورها، أو حتى سحب قواتها، خصوصاً إذا لم يتم ضمان أمنهم على الأرض.
هل من أهداف خفية؟
اللافت أن هذه الاعتداءات تتزامن مع التمديد الأخير لمهام اليونيفيل ومع نقاشات لبنانية داخلية حول مستقبل القرار 1701، وتوسيع مهام الجيش في الجنوب. فهل تُرسل هذه “الاعتراضات الشعبية” رسائل ميدانية ضدّ أي مشروع لتفعيل دور الجيش وتقليص نفوذ “حزب الله”؟ وهل هي رسائل سياسية من أطراف رافضة لأي مسار دولي يقترب من “تفكيك المعادلة القائمة” على الحدود؟