لسْنا ساحة أحد: لا الحوثي يحمي لبنان ولا حزب الله يقرّر باسمنا

على الرَّغم من أنّ خطاب عبد الملك الحوثي، قائد جماعة “أنصار الله”، جاء أمس في إطار ما يسمّيه “دعم محور المقاومة” خلال كلمته بمناسبة الذكرى السنوية لإطلاق “الصرخة في وجه المستكبرين”، إلّا أنّه يعكس بوضوح تدخّلًا مرفوضًا في الشأن اللبناني، وتكرارًا لخطاب “حزب الله” الذي يتعمّد تصوير نفسه كـ”الدرع الوحيد” في مواجهة إسرائيل، متجاوزًا بذلك كلّ منطق الدولة والسيادة والقرار الوطني المستقلّ.
في كلمته الأخيرة، انتقد الحوثي ما وصفه بـ”ضعف الموقف الرسمي اللبناني”، متناسيًا أن هذا الموقف ليس ضعفًا بل تعقّلًا، وتمسُّكًا بمصلحة الشعب اللبناني، الذي لم يفوّض أحدًا للدخول في حربٍ جديدةٍ قد تجرّ البلاد إلى الخراب مجدّدًا. بل إنّ اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم، سئموا الحروب التي يُزَجّ بهم فيها من دون استشارتهم، وبعيدًا عن مؤسّساتهم الدستورية.
لسنا بحاجة إلى خطابات تحريضية تُبثّ من اليمن، ولا إلى مديحٍ يأتي من طرفٍ يحمل السلاح في وجه دولته واستقرار بلاده. نحن لا نرى في تدمير البنى التحتية، وتهجير السكان، وموت الأبرياء “مقاومة”، بل كارثة وطنية مستمرّة منذ سنوات. ومن قال إنّ الحرب تحمي لبنان؟ ومن قال إنّ القذائف تحفظ الكرامة؟ الحقيقة أن حزب الله، ومن خلفه المحور الذي يتبجّح بانتمائه إليه، قد جرّ البلاد إلى ويلات متوالية، بدءًا من حرب 2006 وصولًا إلى يومنا هذا، من دون أن يحصد اللبناني سوى المزيد من العزلة الاقتصادية والسياسية والانقسام الداخلي.
حزب الله لم يحمِ لبنان. لقد اتخذ قرار الحرب في 8 تشرين الأول 2023 منفردًا، من دون العودة إلى الحكومة أو البرلمان أو الشعب، وها هو اليوم يحاول جرّ البلد إلى المجهول مجدّدًا، بذريعة “الرّدع” والدفاع عن القضية الفلسطينية. حزب الله لا “يردع” إسرائيل، بل أدخل لبنان في حلقةٍ من الحروب والخراب والعزلة الاقتصادية والسياسية، واليوم يريد تكرار التجربة ذاتها، مستندًا إلى دعمٍ معنوي من ميليشيا ايرانية ويمنية لا علاقة لها بشعبنا ولا أرضنا. لكن لا أحد فوّض الحزب أن يكون وصيًّا على لبنان. لا أحد فوّضه أن يقرّر متى تبدأ الحرب ومتى تنتهي، ولا أن يدعوَ جماعاتٍ من خارج الحدود لتؤكّد على “قوة المقاومة” بينما تتهاوى الدولة ومؤسّساتها.
أما حديث الحوثي عن ضعف الدولة، فهو ليس سوى انعكاسٍ لمشروعٍ يريد أن يرى لبنان مجرّد ساحة، لا دولة. مشروع يعتبر السلاح بديلًا عن الدستور، و”الردع” بديلًا عن العدالة، والانهيار الوطني بديلًا عن السيادة.
مصادر سياسية مُتابعة قالت لصحيفة “نداء الوطن” إنّ “الحوثي يسير على خطى السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني، في التدخّل بشؤون لبنان، حيث يبدو أنّ محور الممانعة لم يقتنع بعد بأنّ هذه البلاد بدأت مرحلةً جديدةً ستكون خالية من تأثيره فيها، وأنّ الدولة ستتّخذ قراراتها السيادية بما يتناسب مع مصلحة لبنان، وفي هذا الإطار، يندرج قرارها الحاسم بحصْر السلاح بيدِ الشرعية، وفقاً لما يكرّره مرارًا رئيسا الجمهورية والحكومة”.
هذا الخطاب الذي يطلّ من خارج الحدود لتأكيد التبعيّة السياسية بين الجماعات المسلحة في المنطقة، قوبل برفضٍ واسعٍ من ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين انتقدوا كلام عبد الملك الحوثي، واعتبروه تدخلًا فاضحًا في الشأن اللبناني، وتطاولًا على سيادة الدولة وكرامة شعبها. واعتبر الكثيرون أنّ لبنان لم يطلب دعمًا من أحد، وأن مَن يريد التضامن فليترك للبنانيين قرارهم، بدل أن يزايد عليهم من خلف الشاشات.
فنحن لا نريد حروبًا لا ناقة لنا فيها ولا جمل. لا نريد أن يدفع أولادنا ثمن صراعات إقليمية. لا نريد أن نكون ساحةً لرسائل دمويةٍ متبادلةٍ بين محاور وقوى لا تسأل عن وجع الناس ولا عن مصلحة هذا الوطن.
رسالة إلى عبد الملك الحوثي: “لبنان ليس ساحةً لكم، ولا منصةً لصراعاتكم، ولا حديقةً خلفيةً لحزب الله، ولا لأي محورٍ خارجي. كفى تدخلًا في شأننا، كفى تمجيدًا لمن يجرّنا من حربٍ إلى خرابٍ. دعوا لبنان للبنانيين، ودعوا القرار يعود إلى الدولة وحدها، لا إلى السلاح، ولا إلى الخطابات المستوردة. ما نريده اليوم هو وقف المغامرات، احترام الدولة ومؤسّساتها، وعودة القرار إلى المؤسّسات الشرعية لأنّ الزمن الأول تحوّل وها قد بدأت مرحلة جديدة في زمن الجمهورية اللبنانية الثالثة”.
مواضيع ذات صلة :
![]() 3 أهداف أميركية للضربات ضدّ الحوثي باليمن… والأخير يتوعد بالرد: “التصعيد بالتصعيد”! | ![]() إسرائيل: نستعد لإستهداف قادة نظام الحوثي | ![]() إسرائيل تحذر الحوثي.. تلميح لإندلاع الحرب |