طرابلس تنتظر الحقيقة: ماذا وراء تأخير نتائج الانتخابات البلدية؟!

لبنان 13 أيار, 2025

في مدينةٍ لا تنام على هدوءٍ دائمٍ، ولا تصحو على طمأنينةٍ كاملةٍ، خيّمت موجةٌ من التوتر على طرابلس، المدينة التي دفعت ثمنًا مضاعفًا في انتظار نتيجة اقتراع بلدي تأخر صدوره بشكلٍ أثار الريبة والغضب. من ليلٍ مضطربٍ أُطلق فيه الرصاص في بعض الأحياء، إلى صباحٍ عاد فيه الهدوء مشوبًا بالقلق، بدت طرابلس وكأنّها عالقة بين صندوقيْن: صندوق الاقتراع وصندوق الشكّ.

لحظة الانفجار الشعبي – غضب في الشارع وهدير في الساحات

في ساعات الليل المتأخر من ليل أمس الاثنين، بدأت تتصاعد أصوات احتجاجاتٍ شعبيةٍ في طرابلس، اعتراضًا على تأخّر إعلان نتائج الانتخابات البلدية. سرعان ما انتقل الغضب من مواقع التواصل إلى الشوارع، حيث تجمّع المحتجون أمام قصر العدل وسراي طرابلس، وأُقفلت ساحة النور الحيوية وسط إطلاق نار متفرّق في أكثر من حيّ.

القوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، تدخلت بسرعة لاحتواء المشهد ومنع أي انزلاق إلى الفوضى، بينما استُقدمت تعزيزات عسكرية مكثّفة أعادت فرض السيطرة على الأرض، وأرسلت إشارات سياسية إلى من يعنيهم الأمر: المدينة لا يجب أن تشتعل.

الدولة تردّ وتتحرّك

في مواجهة هذا التصعيد، تحرّك وزراء الدولة المعنيون. وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، ووزير العدل عادل نصار، حضرا على عجل إلى قصر العدل في طرابلس، في خطوةٍ نادرةٍ تعكس حجم الإرباك في إدارة ما بعد الاقتراع.

الحجّار، الذي زار طرابلس مرتيْن خلال أقلّ من 24 ساعة، حاول تبديد المخاوف، مؤكدًا أن لا نية ولا صلاحية لوزارة الداخلية في إلغاء الانتخابات، وأنّ أي قرار بهذا الحجم يعود إلى القضاء ومجلس شورى الدولة فقط. وأوضح “أنّ نتائج انتخابات المختارين أُنجزت بالكامل، وسيتسلمها مع المدير العام للشؤون السياسية تمهيدًا لإدخالها في النظام المعلوماتي، ومن ثم إعلانها رسميًا”، مشيرًا إلى “أنّ هذه النتائج موثوقة وصادرة عن لجان القيد، ضمن آليةٍ دقيقةٍ تمرّ بثلاث مراحل، ما يعكس الشفافية والنزاهة في العملية”. لكنّه لم يُخفِ واقع التأخير، مشدّدًا على أنّ عملية الفرز تمرّ بثلاث مراحل دقيقة يقودها قضاة، وأنّ بعض الاعتراضات والملاحظات تطلّبت إعادة عدّ وفرز لصناديق بأكملها.

وبعد تداول وسائل التواصل الاجتماعي لصورٍ قيل إنّها تعود لأحد رؤساء الأقلام، وهو يقوم بفتح صناديق الاقتراع في طرابلس، صدر عن وزارة الداخلية بيان جاء فيه: “وفقًا للآلية المعتمدة فإنّه عند وصول رئيس القلم والكاتب إلى نقطة تواجد العناصر الأمنية بالقرب من مبنى قصر العدل في طرابلس حيث تتواجد لجان القيد يقوم العنصر بإرشاد رئيس القلم الى لجنة الاستلام التي يرأسها قضاة لتسليم محاضر نتائج فرز القلم وتوجيه الكاتب لتسليم الصندوق الذي يحتوي باقي المُستلزمات الانتخابية في مكانٍ آخر ليصار إلى إعادتها الى وزارة الداخلية والبلديات”.

تعقيدات تقنية أم خلل بنيوي؟

في خطاب الوزير، بدا واضحًا أن سبب التأخير يتعلّق بعقبات تقنية ولوجستية، ومنها أخطاء في الفرز الأوّلي داخل أقلام الاقتراع، ناتجة عن ضعف التدريب أو التباس في تفسير بعض الأصوات. إلّا أنّ البعض، لا سيما في الشارع الطرابلسي، رأى في هذا التفسير محاولةً لتغطية ما هو أعمق: غياب العدالة الانتخابية.

سلام: الحكومة لن تتهاون مع أي تلاعب في طرابلس

تابع رئيس الحكومة نوّاف سلام عن كثب التطوّرات وأكد على ضرورة ضمان نزاهة العملية الانتخابية وعدم السماح بأي شكلٍ من أشكال التلاعب أو المخالفات. وقد دعا سلام المتظاهرين إلى التزام ضبط النفس، مشدّدًا على أنّ الحكومة لن تتسامح مع أي عملية تزوير أو تلاعب، لا سيما بوجود الحجار في المدينة لمتابعة وتوفير الشفافية في إصدار النتائج.

طرابلس “العطشى” للتجديد

في ظلّ هذا المشهد المرتبك، تبقى طرابلس بحاجةٍ ماسّةٍ إلى بلدية فاعلة تُعيد تنظيم شؤون المدينة وتدير ملفاتها الحيوية. فالأزمة ليست فقط أزمة نتائج، بل أزمة ثقةٍ بنيويةٍ، بين الدولة ومواطنيها، بين العملية الديموقراطية ومفاعيلها الواقعية.

الوزير الحجار أنهى زيارته بالتأكيد أنّ التأخير لا يعني خللًا ممنهجًا، وأنّ طرابلس كما سائر المدن تستحقّ مؤسّسات فاعلة تحترم المهل الدستورية. لكنّ الشارع الطرابلسي، وهو الأكثر احتكاكًا بتداعيات الغياب البلدي، يطالب اليوم بما هو أعمق: بمصارحة حقيقية، وبإعادة بناء الثقة قبل إعادة فتح صناديق الاقتراع.

أيًّا تكن الرواية الرسمية أو المطالب المدنية، ما حصل في طرابلس لا يجب أن يُقرأ كحادثةٍ معزولةٍ. إنّه جرس إنذار لنظام انتخابي يعيش أزمة بنيوية، ولحياة ديموقراطية تحتاج إلى مراجعة جذرية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us