لبنان في قلب القمّة الخليجية – الأميركية: ترامب يفتح الباب أمام “تحرّر” الدولة من قبضة “الحزب”

لبنان 14 أيار, 2025

برز الملف اللبناني بقوةٍ في أعمال القمّة الخليجية – الأميركية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض، اليوم الأربعاء، في مركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات. عُقدت القمّة برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة خلال ولايته الثانية وقادة دول مجلس التعاون الخليجي.

تأتي القمّة تتويجًا لسلسلة لقاءات بدأت في أيار 2015 في كامب ديفيد، لتشكّل منصةً دائمةً للتشاور حول قضايا الأمن الإقليمي والاقتصاد والسياسة في الشرق الأوسط، ولتعكس تطوّر العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين.

وخصّ ترامب لبنان بكلامٍ مباشرٍ خلال كلمته أمام القادة الخليجيين، معلنًا أنّ “لبنان أمام فرصة تاريخية للتحرّر من قبضة حزب الله”، في إشارةٍ واضحةٍ إلى دعم بلاده لمسار سياسي جديد في بيروت، منفصلٍ عن نفوذ الحزب المسلح.

وأضاف ترامب أنّ الرئيس اللبناني جوزاف عون قادر على بناء دولةٍ مستقلةٍ وقويةٍ بعيدًا عن حزب الله، ما يعكس موقفًا أميركيًا داعمًا لأي تحرّك داخلي لبناني يقود إلى تعزيز دور المؤسسات الشرعية على حساب القوى الخارجة عن سلطة الدولة.

وشدّد الرئيس الأميركي على أنّ استقرار لبنان يصبّ في مصلحة المنطقة ككل، لكنّه ربط هذا الاستقرار بإعادة هيكلة السلطة وضبط السلاح، ملمّحًا إلى أنّ أحد شروط الدعم الدولي مستقبلًا سيكون احتكار الدولة اللبنانية وحدها للسلاح والقرار الأمني والعسكري.

في المقابل، أعرب ولي العهد السعودي عن دعم بلاده لاستقرار لبنان، مؤكدًا أنّ المملكة لطالما وقفت إلى جانب الشعب اللبناني، ومجدّدًا التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها. وجاء هذا الموقف منسجمًا مع سياسة المملكة التقليدية في دعم سيادة لبنان ومؤسساته الدستورية.

الحضور الرسمي ورسائل ما قبل القمّة

شهدت القمة مشاركة قادة الدول الخليجية الست: السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين، وسلطنة عمان. وكان قد سبق القمّة تبادل رسائل دبلوماسية، أبرزها الدعوة التي وجّهها الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس الإماراتي محمد بن زايد، والتي نقلها سفير السعودية في الإمارات، بما يكرّس عمق العلاقات الثنائية الخليجية.

كما استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القادة المشاركين، من بينهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، وولي عهد أبو ظبي الشيخ خالد بن محمّد، وملك البحرين حمد بن عيسى، ونائب رئيس الوزراء العُماني أسعد بن طارق، في استقبال رسمي وحوارات ثنائية سبقت الجلسات العامة.

الكلمة الافتتاحية لولي العهد السعودي: رسائل استقرار وإصلاح

في كلمته الافتتاحية، أكّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنّ القمّة تعكس “الحرص المشترك على تعزيز التعاون والعمل الجماعي لضمان استقرار المنطقة”، مشدّدًا على ضرورة إنهاء الحرب في غزّة عبر مسار سياسي يضمن حقوق الفلسطينيين، وعلى أهمية الحوار في اليمن، ووحدة الأراضي السورية، ووقف إطلاق النار في السودان.

كما شدّد على دعم استقرار لبنان، داعيًا إلى “حصر السلاح بيد الدولة”، في موقفٍ متقدّمٍ يعكس رغبة المملكة في رؤية دولةٍ لبنانيةٍ موحدةٍ قادرةٍ على فرض سيادتها، بعيدًا عن هيمنة الميليشيات.

ولم يُغفل الأمير محمد بن سلمان الإشادة بالقرار الأميركي رفع العقوبات عن سوريا، معبّرًا عن دعم المملكة لتوجّهات تطبيع العلاقات مع “الحكومة السورية الجديدة”، في إشارة إلى تغيّر في مقاربة المنطقة للملف السوري.

خطاب ترامب: هجوم على إدارة بايدن، ووعود بتحالفات راسخة

جاء خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حادًّا تجاه إدارة سلفه جو بايدن، إذ اتهمه بـ”خلق فوضى في المنطقة” عبر ما وصفه بـ”تراخي تجاه أذرع إيران”. ترامب أعاد التأكيد على موقفه الرافض لامتلاك إيران سلاحًا نوويًا، مشيرًا إلى رغبة واشنطن في إبرام اتفاق جديد معها، “لكن شرط وقف دعمها للإرهاب”.

أما بشأن غزّة، فعبّر ترامب عن “أمله بتحقيق الأمن والكرامة للشعب الفلسطيني”، مؤكدًا على ضرورة إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع، ودعم مبادرات التهدئة.

أبرز الملفات المطروحة: من غزّة إلى الاقتصاد

1 – الحرب في غزّة: شدّد القادة على ضرورة وقف التصعيد العسكري الإسرائيلي، وإيجاد آلية جديدة لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وسط تأكيد سعودي – أميركي على “حلّ شامل للقضية الفلسطينية”.

2 – الملف النووي الإيراني: ناقشت القمّة مستقبل المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية، في ضوء المتغيّرات الجيوسياسية وتراجع النفوذ الإيراني في بعض الساحات الإقليمية.

3 – لبنان واليمن وسوريا: دَعمت جهود الحوار اليمني، والاستقرار في لبنان، ووقف النار في السودان، بينما رحّبت القمة بإلغاء العقوبات على سوريا، ضمن توجّه نحو إعادة تأهيل النظام السوري على الساحة العربية.

4 – التعاون الأمني والعسكري: أكدت القمّة أهمية تعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج، والتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة.

5 – الشراكة الاقتصادية والتجارية: بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة 180 مليار دولار في عام 2024، وجرى توقيع صفقات بمليارات الدولارات في قطاعات الذّكاء الاصطناعي، الطاقة، الأمن السيبراني، والأسلحة، مع إعلان شركات أميركية كبرى مثل “غوغل” عن استثمارات في المنطقة.

دلالات القمّة في السياق الإقليمي والدولي

تأتي القمّة في وقت يشهد فيه الإقليم تحوّلات كبرى:

• تراجع واضح في الدور الإيراني في بعض الساحات نتيجة الضغوط الأميركية والعقوبات.

• تصاعد التوتّرات الإسرائيلية – الفلسطينية وانعكاساتها الإقليمية.

• تزايد الرغبة الخليجية في قيادة مبادرات الحل السياسي بدلًا من الاكتفاء بردود الفعل.

• تغيّرات في موقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد تردّد إدارة بايدن، ما يفسر تقارب الخليج مع إدارة ترامب واستقباله الحافل.

تشكّل القمة إشارة واضحة إلى تمسّك الخليج بشراكة قوية مع الولايات المتحدة، لكن على قاعدة “الندية والتكافؤ”، لا التبعية.

مسار القمم السابقة وبناء الثقة

هذه القمّة هي الخامسة بين الجانبيْن، إذ سبقتها أربع قمم:

• أيار 2015: قمّة كامب ديفيد التي ركزت على الاتفاق النووي مع إيران.

• نيسان 2016: بحثت حينها مكافحة الإرهاب وتكثيف التعاون الأمني.

• أيار 2017: القمة الأبرز، التي انعقدت في الرياض وشهدت إعلان “مركز مكافحة الإرهاب” بحضور ترامب.

• تموز 2022: قمّة موسعة شملت الأردن ومصر والعراق.

قمة 2025، إذا صحّ وصفها، هي قمة رسم معادلات جديدة، تخرج فيها دول الخليج كلاعب إقليمي مركزي، شريك لا تابع، ومفاوض لا متلقٍّ.

التحديات المقبلة والتوصيات

على الرغم من الإشارات الإيجابية، فإنّ أمام الطرفين تحديات ضخمة:

• ضمان تطبيق الالتزامات الاقتصادية والسياسية.

• الحد من التوتّر في ملفات معقدة مثل اليمن وغزّة ولبنان.

• تنظيم الخلافات داخل مجلس التعاون الخليجي نفسه.

• حماية المكاسب الاقتصادية من الانهيار الإقليمي أو الحروب الكبرى.

وعليه، فإنّ أبرز توصية يمكن الخروج بها من القمّة هي: ضرورة استمرار الحوار المؤسّسي بين الجانبيْن على مدار العام، وعدم الاكتفاء بالقمم الموسمية.

تشكل القمة الخليجية – الأميركية الخامسة في الرياض لحظةً مفصليةً في العلاقات الخليجية – الدولية. فبينما تصوغ دول الخليج مسارها السياسي والاقتصادي الخاص، تبقى الشراكة مع واشنطن حجر أساس في أمن المنطقة واستقرارها. أما التحدّي الحقيقي، فيبقى في قدرة الطرفيْن على ترجمة التصريحات الرفيعة إلى أفعال ملموسة، تصنع الفارق في حياة الشعوب، وتُبقي المنطقة بعيدة عن الحروب والانهيارات.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us