بيروت والبقاع: جولة ثالثة حاسمة تحت مجهر السياسة والطائفية والتنمية

مع بدء تسليم صناديق الاقتراع، ليل أمس، في البيال، بحضور وزير الداخلية وقبل ساعات قليلة من فتح صناديق الاقتراع في بيروت ومحافظتيْ البقاع وبعلبك-الهرمل، ترتفع وتيرة الحماسة والقلق في آنٍ معًا، حيث تتشابك عناصر المنافسة الانتخابية بين ما هو سياسي وتحالُفي، وما هو مناطقي وعائلي. إنّها جولة بلدية ثالثة لكنّها تبدو وكأنها استحقاق وطني مصغّر.
بيروت: اختبار التوازنات في عاصمة التناقضات
تخوض العاصمة معركتها البلدية وسط منافسةٍ محتدمةٍ بين ست لوائح، تكاد تشكّل “بانوراما سياسية” مصغّرة عن المشهد اللبناني. اللائحة الأبرز، “بيروت بتجمعنا” برئاسة ابراهيم زيدان، تجمع أضدّادًا من كل الاتجاهات السياسية، من التيار الوطني الحر إلى القوات اللبنانية، ومن حزب الله إلى الطاشناق والاشتراكي، برعاية شخصية دينية جامعة هي المطران الياس عودة.
اللائحة جاءت نتيجة خشية جدّية من خللٍ في المناصفة، لا سيما بعد الحديث عن إمكانيّة تشطيب مرشحين مسيحيين في ظلّ تدني نسبة التصويت المسيحي، وهو ما دفع الكتائب والقوات والتيار إلى الدخول في تحالفٍ غير اعتيادي مع قوًى كانت حتى الأمس خصمًا. النائب سامي الجميّل وصف هذه الخطوة بـ”ضرورة حفاظية” لضمان التوازن الطائفي في المجلس البلدي.
في المقابل، تخوض قوى التغيير معركتها بلائحة “ائتلاف بيروت مدينتي” برئاسة فادي درويش، مدعومةً من أبرز نواب التغيير، وتراهن على قوة الدفع الشعبي الرافضة للمنظومة السياسية التقليدية.
أمّا اللائحة الثالثة “بيروت بتحبك” بقيادة العميد محمود الجمل، فتعوّل على قاعدتها السنّية في الطريق الجديدة وعلى الإرث التنظيمي لتيار المستقبل، بدعمٍ من الجماعة الإسلامية والنائبيْن نبيل بدر وعماد الحوت.
وتبرز أيضًا لائحة “أولاد البلد” بقيادة الإعلامية رولا العجوز، المدعومة من شخصياتٍ بيروتيةٍ تقليديةٍ، أبرزها فيصل سنّو وسليم دياب، فيما يطرح شربل نحاس عبر لائحته “مواطنون ومواطنات في بيروت” خطابًا يساريًا صادمًا يطرح إصلاحًا سياسيًا شاملًا خارج التحالفات الطائفية.
أمّا لائحة “بيروت عاصمتنا” برئاسة عدنان الحكيم، فهي ذات طابع سنّي تقليدي، وتُعتبر أقلّ تأثيرًا على المستوى العام، على الرغم من حضورها في بعض الأحياء.
كلّ هذه اللوائح تخوض معركةً مشحونةً بالتوتّر السياسي والحسابات الطائفية، وتدور في ظلّ خطة أمنية استثنائية تنفذها القوى الأمنية لضمان سير العملية من دون إشكالات أو انفلات.
في بيروت، يبلغ عدد الناخبين لهذه الدورة (18 أيار 2025) 511 ألف ناخبٍ، يتوزّعون بين 66.5 % مسلمين (50 % سنّة، و15% شيعة)، و33.5 % مسيحيين. وفي الانتخابات الأخيرة (2016)، بلغت نسبة الاقتراع 20 %، إذ اقترع نحو 97 ألف شخص: 72 ألفًا من المسلمين و25 ألفًا من المسيحيين (وفق الدولية للمعلومات).
وعشية الانتخابات البلدية في بيروت، أشار رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى أن الكتائب “حاولت داخل مجلس النواب إقناع النوّاب الآخرين بإقرار قانونٍ يؤمّن ويضمن المناصفة في بيروت للسماح بالمنافسة، موضحًا أنّه عندما تكون المناصفة مؤكّدة ومضمونة تجري انتخابات وتحالفات سياسيّة وإنمائيّة، ولكن للأسف لم يحصل هذا الامر واضطررنا حفاظًا على المناصفة ومنعًا للشرخ الى الإئتلاف والتوافق وأن تتمثّل كلّ المكونات في بيروت كما يجب لضمان بقاء المناصفة، والضمانة لهذا الامر هو التزام جميع الداعمين للائحة بالتصويت الكامل لها”.
زحلة: بين “قلب زحلة” و”رؤية وقرار”… معركة على الهوية
في مدينة زحلة، المعركة لا تقلّ شراسةً، وإنْ اختلفت أدواتها. فهناك مواجهة بين لائحة “قلب زحلة” المدعومة من القوات اللبنانية وترأسها شخصية اقتصادية محلية هي سليم غزالة، في مواجهة لائحة “رؤية وقرار” برئاسة الرئيس الحالي للبلدية أسعد زغيب، الذي حشد تحالفًا عريضًا من حزب الكتائب، إلى حزب الوطنيين الأحرار، والنائب ميشال ضاهر، والنائبيْن السابقيْن نقولا فتوش ويوسف المعلوف.
التحالفات لم تتوقّف عند هذا الحدّ، فمؤخّرًا، انضمت ميريام سكاف، رئيسة الكتلة الشعبية، إلى لائحة زغيب بعد فشل محاولاتها لتشكيل تحالف مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، في خطوةٍ أعادت خلط أوراق المعركة.
التيار الوطني الحر، بدورٍه، يعيش حالة ارتباكٍ واضحةٍ. ففيما لم يعلن رسميًا دعمه لأيّ من اللوائح، تُشير معلوماتٌ إلى توجهه نحو دعم لائحة القوات اللبنانية، تكرارًا لتجربة تحالفهما الأخيرة في انتخابات بلدية طرابلس.
معركة زحلة تأخذ طابعًا سياسيًا بامتياز، لكنها لا تنفصل عن الروح الزحليّة العائلية والمناطقية، حيث تلعب الشخصيات التاريخية والعائلات البارزة دورًا حاسمًا في توجيه الأصوات.
بعلبك – الهرمل: مُنازلات عائلية وخطّة أمنية مشدّدة
في محافظة بعلبك – الهرمل، المشهد مختلف. فالمعارك البلدية تدور غالبًا ضمن العائلات والعشائر، لكن خلف الستارة، لا تغيب الأحزاب الكبرى كحزب الله وحركة أمل عن توجيه بوصلة التحالفات، ولا سيما في القرى ذات الكثافة الشيعية.
في القرى المسيحية من القضاء، يتّجه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية إلى التنافس وجهًا لوجه، بعد أن فشلت محاولات تشكيل لوائح توافقية، ما ينذر باحتدام المنافسة.
محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر أشرف شخصيًا على تسليم صناديق الاقتراع ومستلزماتها في قاعة اتحاد بلديات بعلبك، حيث جرى تنظيم دقيق وسط حضور أمني لافت. خضر أكد في تصريح له أنّ “العملية تسير بشكلٍ منظّمٍ”، مشيدًا بجهود الموظفين الذين توافدوا منذ الفجر.
الأجهزة الأمنية شدّدت إجراءاتها أيضًا في ظلّ تخوّف من حصول إشكالات في بعض القرى التي تشهد تنافسًا عشائريًا حادًّا. وذكرت مصادر أمنية أنّ هناك أوامر صارمة بمنع إطلاق النار ابتهاجًا أو التسبّب بأي خلل في الاستقرار.
وتقدم في مركز محافظة بعلبك – الهرمل، 1.858 مرشحًا للانتخابات البلدية في قضاء بعلبك، سعيًا لملء 965 مقعدًا موزعًا بين 76 بلدية، من أصل 104 قرى يتألّف منها القضاء. علمًا أنّ بعض المجالس البلدية تشمل ممثّلين عن أكثر من بلدة، فيما لا توجد بلديات في 22 قرية.
أما على مستوى الانتخابات الاختيارية في قضاء بعلبك، فقد بلغ عدد المرشحين لمناصب المخاتير والهيئات الاختيارية 665 مرشحًا، سيتنافسون يوم الأحد لانتخاب 293 مختارًا.
وفي مدينة بعلبك تحديدًا، يخوض 53 مرشحًا السباق البلدي على 21 مقعدًا في المجلس البلدي.
وفي قضاء البقاع الغربي، بلغ عدد المرشّحين للانتخابات البلدية والاختيارية 959 مرشحًا، توزّعوا كالآتي: 725 مرشحًا للبلديات، و174 للمخاتير، و60 للهيئات الاختيارية، في 31 بلدية و36 بلدة تُجرى فيها انتخابات للمخاتير. وقد بلغ عدد أقلام الاقتراع 344 قلمًا، موزعة بالتساوي بين الذكور والإناث.
وفازت بالتزكية ست بلديات في قضاء البقاع الغربي، وهي: الخيارة، السلطان يعقوب الموحّدة، المنصورة، بعلول، زلايا، وقليا.
أمّا البلدات التي فاز فيها المخاتير بالتزكية، فهي: بعلول، تل الذنوب، باب مارع، زلايا، قليا، ميدون، لوسيا، ومشغرة التحتا.
وفاز بالتزكية أيضًا أعضاء الهيئات الاختيارية في كلّ من: السلطان يعقوب التحتا، المنصورة، جبّ جنين، كفريا، وعين زبدة.
ويُشار إلى أن عدد الناخبين في قضاء البقاع الغربي يبلغ 106.010 ناخبين من الجنسين.
تزكية في بعض المناطق… واشتباك انتخابي في أخرى
وعلى الرَّغم من هذا الزّخم في بيروت وزحلة وبعلبك، فإنّ مشهدًا مغايرًا تمامًا يسود مناطق أخرى، حيث فازت ست بلديات في البقاع الغربي بالتزكية، مثل عنجر وحوش موسى ورياق وحوش حالا، وبلديات في قضاء راشيا مثل كفرمشكي وبكا وعين عرب. وفي بعضها، جرى إعلان التزكية على الرغم من استقالات سابقة من الأعضاء الحاليين، ما يطرح أسئلة حول جدوى المشاركة الشعبية ومستوى التمثيل الفعلي.
وفي المقابل، تخوض بلدات كبرى ذات غالبية سنيّة مثل بر الياس وتعلبايا ومجدل عنجر وسعدنايل، معارك انتخابية شرسة يغلب عليها الطابع العائلي، وإنْ كان الدعم السياسي لبعض اللوائح حاضرًا من خلف الكواليس.
تحضيرات لوجستية… وعيون على النتائج
على الصعيد الإداري، ترأس وزير الداخلية أحمد الحجار اجتماعًا موسعًا لغرفة العمليات الانتخابية بحضور فريق عمل الوزارة ومحافظي بيروت القاضي مروان عبود، البقاع القاضي كمال أبو جوده وبعلبك الهرمل بشير خضر والقضاة المعنيين، جرى خلاله مناقشة التحضيرات للانتخابات. وتمّ التشديد على ضرورة “الحيادية المطلقة” في تنفيذ اليوم الانتخابي، والعمل على حماية العملية الديموقراطية من أي تدخل سياسي أو أمني.
وتم تجهيز أكثر من 800 قلم اقتراع في قضاء بعلبك وحده، وتجري عمليات التسليم بإشرافٍ مباشرٍ، فيما حُجزت القوى الأمنية والعسكرية لمواكبة العملية وحتّى صدور النتائج وما بعدها.