عودة: لنحفر كلمة الله في قلوبنا

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، وبعد الإنجيل ألقى عظة بعنوان “المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور” قال فيها: “تقيم كنيستنا المقدسة في الأحد الرابع بعد الفصح تذكارا للمرأة السامرية التي التقاها الرب عند بئر قرب القرية التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف. ليس الموضوع مجرد سرد حادثة معينة، كأننا أمام مسرحية نقف فيها متفرجين، إنما هو نقل للتعليم المترافق مع بشرى الخلاص، ودعوة للسلوك وفق هذا التعليم. هدف القراءات الكتابية إدخالنا في القصة، لنأخذ موقعا فيها، ونتماهى مع شخصياتها، كي نتخذ في النهاية موقفا بقبول البشارة أو رفضها، لذا يسألنا الرب أحيانا: “أتؤمن بابن الله؟”
وأضاف: “لم يكن اليهود يقيمون اعتبارا للسامريين لأنهم كانوا على خلاف معهم. السامرة إقليم في فلسطين، تقع جنوبي الجليل، غزاها الأشوريون عام 721 ق. م. وقادوا آلافا من سكانها إلى السبي، وأحلوا مكانهم آخرين. لذا، احتقر اليهود السامريين، معتبرينهم عرقا مختلطا. كذلك عمد السامريون، الذين يعيدون أصلهم إلى يعقوب (يو 4: 12)، إلى بناء هيكلهم الخاص على جبل جريزيم الذي أشارت إليه السامرية خلال حديثها مع الرب (4: 20) عوض المجيء إلى أورشليم للعبادة. وقد طبق السامريون كل التقاليد التي نسبها اليهود إلى هيكل أورشليم، ظانين أنهم يكملون مسيرة الإيمان النقي، معتبرين اليهود جماعة منشقة، ولم يعترفوا إلا بالتوراة. أثار حديث الرب مع المرأة وطلبه الماء ليشرب حيرة في نفسها. لم يكن جائزا أن يتكلم معها وهي امرأة سامرية وهو رجل يهودي، والمرأة كانت تعتبر كائنا دون الرجل في المجتمع اليهودي، ما دفع السامرية لأن تماشيه في الحديث لترى من هذا الذي كسر التقاليد والحواجز، ليس فقط ليكلمها، بل ليطلب منها أمرا حيويا قائلا لها: “أعطيني لأشرب”. اللافت أن يسوع هو الذي بادر إلى الحديث مع المرأة لكي يشعرها بأنها ليست كائنا هامشيا بل لها مكانتها في عيني الرب. يسوع، الراعي الصالح، يخرج لملاقاة النفوس التي أضاعت السبيل القويم ويخاطبها ليقودها نحو الأسمى”.
وتابع: “قد تكون الحاجة المادية ذريعة لبدء الحوار. هذا ما حصل مع السامرية التي جاءت لتستقي فسألها يسوع أن تعطيه ماء ليشرب، وجذبها إلى معرفته بطريقته الساعية لطلب الخروف الضال، رغم كشفه أسرار حياتها، ربما غير المشرفة، إذ كانت متزوجة من خمسة رجال، وتعيش الآن مع رجل ليس زوجها. لم تخجل من حالها، بل اندفعت إلى رؤية ما هو خلف المنظور، إلى ما هو مخفي. إعترفت السامرية بصراحة وتواضع بحالتها وقالت: “يا سيد أرى أنك نبي” وحاورته حول مكان العبادة ثم تركت جرتها وانطلقت لتخبر أبناء جنسها عمن أخبرها خفياتها. ومع إدراكها أنه المسيح المنتظر، إلا أنها لم تؤكد الأمر بل تركت الباب مفتوحا، داعية إياهم أن يستنتجوا بأنفسهم ما أعلنه لها قائلة “تعالوا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح”. مع كونها امرأة، إلا أن أهل مدينتها أصغوا إليها وجاؤوا ليروا من أخبرتهم عنه، فقبلوه فيما بينهم واعترفوا به مخلصا للعالم”.
وقال: “في المقابل، نرى التلاميذ، وهم من اليهود، يتعجبون من كلام المعلم مع امرأة سامرية، لكنهم لم يسألوه عن الموضوع. يقول الإنجيلي: “تعجبوا أنه يتكلم مع امرأة ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها”. نجد في إنجيل يوحنا موقفين آخرين لليهود من تعليم الرب: موقف نيقوديموس، المعلم اليهودي الذي اكتفى بالتعجب من كلام يسوع ولم يفهم قصد الرب (3: 1-21)، ولم يقم بما فعلته السامرية بإخبار الآخرين، وموقف القادة اليهود الذين اتهموه بأنه خاطئ، لا بل به شيطان، وأهانوه وأهانوا من قبله (يو 9). يعلمنا القديس يوحنا الذهبي الفم أنه إذا كانت السامرية الغريبة مهتمة بسماع المسيح دون أن تعرفه، لكي تتعلم منه شيئا مفيدا، فما حجتنا نحن الذين نعرفه، ولسنا بقرب بئر ولا في البرية ولا في وسط النهار نتحمل حر الشمس، بل في الصباح الباكر وتحت سقف الكنيسة، نتمتع بالفيء والراحة؟ لكننا قد لا نتحمل شيئا مما يتلى على مسامعنا، بل نستثقله. المرأة كانت منشغلة بكلام الرب، ودعت آخرين لسماعه فيما البعض في أيامنا منشغلون بأعمالهم ومصالحهم وحقدهم، والبعض الآخر بفراغ حياتهم وثرثرتهم وأنانياتهم. يحث القديس يوحنا سامعيه على الخجل من سامرية لها خمسة رجال، تاقت إلى المعرفة الإلهية، ولم يعقها الوقت والحر ولا الغاية الأساسية من مجيئها إلى البئر، بل سعت إلى المعرفة وإلى الخلاص. أما نحن فلا يكفي أننا لا نتوق إلى المعرفة، بل نقف موقف اللامبالاة. فأي مسيحي يذهب إلى بيته، ويتناول الكتاب المقدس ليتصفح محتواه، أو يقرأ سير القديسين إلا ما ندر. هل أعطينا الكتب المقدسة لنحفظها في مجلدات أم لنحفرها في قلوبنا”.
وأضاف: “الرب يسوع، محور إنجيلنا، هو جوهر عبادتنا وطريق خلاصنا. العبادة الحقيقية جهاد دائم لإتحاد إرادتنا بإرادة الله، وختن الشر والخطيئة من قلوبنا، وأن ندع الروح القدس يقودنا فلا نعود نفكر إلا بفكر المسيح ولا ننطق إلا بما هو حق. كلمات يسوع يرفضها كل من يريد سلطة أرضية ومجدا عالميا، أما من يبتغي خلاص نفسه فيطلب الماء الحي الذي إن شربه لا يعطش إلى الأبد”.
وختم: “تدعونا الكنيسة اليوم إلى التمثل بالسامرية التي لم تهتم بموقعها الإجتماعي، ولا بالوقت، ولا انتظرت المكان المناسب لتتقبل الرب، بل تخطت حاجاتها الأرضية ساعية وراء مصدر الحياة الحقيقي، ينبوع الماء الحي، يسوع المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة”.
مواضيع ذات صلة :
![]() بالفيديو: إحتراق صهريج محروقات في حوش السيد علي | ![]() حملة لإزالة صور المرشحين من شوارع طرابلس | ![]() الحجار يتفقّد مراكز الاقتراع في محافظات عدّة |