المرحلة الثالثة من الانتخابات: بيروت بين معركة المناصفة والإنماء وزحلة تُثبت حضور القوات

لبنان 19 أيار, 2025

أُنجزت المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان الأحد بهدوء نسبي، على الرغم من تسجيل بعض الإشكالات الأمنية والإدارية التي جرى احتواؤها سريعًا. وقد جرت هذه الجولة في بيروت ومحافظة البقاع، وسط اهتمام سياسي وشعبي كبير، خصوصًا لما تحمله من دلالاتٍ تتجاوز حدود التمثيل البلدي، لتمسّ مباشرة مبدأ المناصفة الطائفية في العاصمة، وتوازن القوى السياسية في البقاع، لا سيما في زحلة، حيث خاضت القوات اللبنانية معركةً شرسةً بوجه خصومها ونجحت.

أولًا: معركة المناصفة والمشاركة المتدنية في بيروت

بيروت، العاصمة اللبنانية، تحوّلت إلى ساحة اختبار صعب لمسألتيْن متلازمتيْن: المناصفة الطائفية والتمثيل الإنمائي. فمنذ صباح الأحد، شهدت مراكز الاقتراع في العاصمة إقبالًا خجولًا، على الرغم من مناشدات النواب والقيادات الروحية والسياسية. فقد بلغت نسبة الاقتراع النهائية 20.78% فقط، بحسب أرقام وزارة الداخلية والبلديات، وهي من أدنى النسب على مستوى المحافظات.
وفي ظلّ هذه النسبة المتدنية، تصاعد القلق من فقدان المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت، الذي يتألف عرفًا من 24 عضوًا (12 مسلمًا و12 مسيحيًا)، على الرغم من أن هذا التقاسم الطائفي غير منصوص عليه دستوريًا، إلا أنه يعتبر عرفًا راسخًا بفعل التوازنات الطائفية التي تحكم النظام اللبناني.

ووفق ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط”، برزت تحذيرات من تكرار تجربة طرابلس، حيث أدّى التوزيع التصويتي وتشرذم اللوائح إلى غياب الطوائف غير السنية عن المجلس البلدي، ما دفع القوى السياسية في بيروت إلى الاتحاد ضمن لائحة واحدة سُمّيت “بيروت تجمعنا”، مدعومةً من تحالفٍ يضم أبرز الأحزاب اللبنانية، من “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”التيار الوطني الحر”، إلى “حزب الله” و”حركة أمل” و”الطاشناق” وجمعيات أخرى مثل “المشاريع”، مروراً بالحزب التقدمي الاشتراكي والنائب فؤاد مخزومي.
وبحسب جريدة “النهار”، ومع أن أرقامًا أولية لماكينات انتخابية سجلت بعد انطلاق الفرز رقمًا مهمًا أوليًا للائحة “بيروت تجمعنا” قُّدر بخمسة وأربعين في المئة من الأصوات لمصلحتها، فإنّ ذلك لم يسقط الحذر الشديد في ترقب الفرز الشائك نظرًا لتبيّن وجود تشطيب واسع يصعب معه نهاية سريعة للفرز وتبيّن النتائج النهائية قبل الساعات المقبلة. ومع ذلك، سادت أجواء متفائلة ليلًا بأن لائحة ائتلاف “بيروت تجمعنا” تتقدم مما يعني الفوز بالمناصفة.

واللوائح الأخرى هي:
“بيروت مدينتي”، مدعومة من نواب التغيير وجمعيات مدنية.

“بيروت بتحبك”، مدعومة من النائبين نبيل بدر وعماد الحوت (الجماعة الإسلامية).

لوائح مستقلة مثل “أولاد البلد”، و”مواطنون ومواطنات في بيروت”، و”بيروت عاصمتنا”.

تغييب التغيير… وصفعة “بيروت مدينتي”

برزت في بيروت خسارة واضحة للائحة “بيروت مدينتي”، التي كانت قد حصلت في انتخابات 2016 على 40% من الأصوات، مما شكّل حينها مفاجأةً سياسيةً أعطت زخمًا لحراك المجتمع المدني، ومهّدت لفوز وجوه تغييرية في انتخابات 2022 النيابية. إلّا أنّ النتائج الأولية لهذه الانتخابات عكست نكسةً واضحةً لهذه القوى، وأظهرت تراجعًا في قدرتها على التأثير بسبب المشاريع التي كشفت عن فسادها الى جانب عودة الناخب إلى الاصطفافات التقليدية خوفًا من الإخلال بالتوازن الطائفي.

صحيفة “النهار” وصفت نتائج بيروت بأنّها “صفعة لنواب التغيير”، مشيرةً إلى أن لوائح المجتمع المدني لم تنجح حتى في التوحّد، مما سهّل مهمة اللائحة المدعومة من الأحزاب.
وفي تعليقٍ له من مركز اقتراع في بيروت، دعا رئيس الحكومة نواف سلام إلى التصويت الكثيف، مشددًا على أن “بيروت بحاجة إلى إنماء حقيقي”، مؤكدًا حيادية الحكومة، ومعتبرًا أن “تأمين المناصفة لا يتناقض مع الإنماء”، بحسب ما نقلت صحيفة النهار.

أما وزير الداخلية أحمد الحجار، فأكّد من بيروت أن “الوزارة على مسافة واحدة من الجميع، والهدف هو ضمان نزاهة الانتخابات”، مشددًا على أن التنافس السياسي بوجهه الإنمائي أمر مشروع.

زحلة: انتصار القوات… بقرع الأجراس

بعكس المشهد البيروتي، كانت زحلة على موعد مع معركة انتخابية حادّة بين لائحة “القوات اللبنانية” من جهة، ولائحة العائلات والأحزاب التقليدية من جهة أخرى. وبلغت نسبة الاقتراع في المدينة 45.86%، وهي من أعلى النسب في البقاع، ما عكس استنفارًا انتخابيًا ملحوظًا.

وعلى الرغم من الحديث عن تعاون تكتيكي بين القوات من جهة، و”التيار الوطني الحر” و”الكتلة الشعبية” من جهة أخرى، فإنّ لائحة القوات خاضت المعركة منفردة، وحققت فوزًا بارزًا أعاد تثبيت حضورها في المدينة.

وتفيد المعلومات بأن قوى التغيير والمجتمع المدني لم تنجح في اختراق الخريطة الزحلية، حيث لم تفز بأي مقعد، مما شكّل انتكاسةً جديدةً مقارنةً بنتائج انتخابات 2016 و2022.

زحلة… رسالة سياسية بصمتٍ مدوٍ

حملت نتائج انتخابات زحلة الأخيرة دلالات سياسية بالغة الأهمية، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا على الساحة المسيحية والوطنية الأوسع. فقد استطاعت “القوات اللبنانية” أن ترسّخ موقعها كأقوى حزب مسيحي، من خلال تثبيت حضورها الشعبي والتنظيمي في عاصمة البقاع، حيث خاضت معركة شرسة بوجه تحالف هجين وربحتها بحسب النتائج الأولية التي أظهرت تقدمها على الجميع.

أهمية ما حصل في زحلة لا تنبع فقط من الأرقام والنتائج، بل من طبيعة المدينة نفسها، التي تُعدّ بمثابة مرآة حساسة للرأي العام المسيحي، وتتمتع بخصوصية جغرافية وطائفية تجعلها مركز ثقل انتخابي لا يُستهان به.

هذا التثبيت في زحلة، يأتي أيضًا كمؤشر مبكر على المعركة النيابية المنتظرة العام المقبل.

أرقام ونسب الاقتراع الرسمية

نشرت وزارة الداخلية والبلديات، بعد إقفال صناديق الاقتراع، النسب النهائية للتصويت في هذه الجولة الثالثة، على النحو التالي:
بيروت: 20.78%
زحلة: 45.86%
بعلبك: 48.08%
الهرمل: 35.06%
راشيا: 36.53%
البقاع الغربي: 42.63%
بعلبك – الهرمل (ككل): 46.12%
البقاع: 43.53%.

وإن كانت النتائج الرسمية لن تُعلن قبل غد الثلاثاء، فقد باشرت الماكينات الانتخابية إصدار أرقامها، خصوصًا في البقاع، حيث بدا أن معظم المعارك حُسمت لمصلحة التحالفات التقليدية.

تقييم المرحلة وملامح الجولة الأخيرة

مع إنجاز الجولة الثالثة، بات لبنان على مشارف إنهاء استحقاق الانتخابات البلدية في جولته الرابعة والأخيرة المقررة السبت المقبل في محافظتي الجنوب والنبطية. ووسط تأهب أمني وإداري، أكدت وزارة الداخلية أن “الخريطة الانتخابية في الجنوب ليست نهائية بعد”، مشددةً على أولوية سلامة الناخبين والموظفين والقضاة، وضرورة التنسيق مع الجهات المعنية، لا سيما في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us