زيارات الرئيس عون ووفد الكونغرس: مقاربات عربية ودولية لدعم مشروع الدولة في لبنان

تبرز زيارات رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون إلى الدول العربية، بالتوازي مع استقبال وفد من الكونغرس الأميركي في بيروت، كمؤشر على سعي لبناني رسمي لاستعادة ثقة الخارج، وطلب الدعم العربي والدولي في مسيرة بناء الدولة، وتثبيت السيادة، وحصر السلاح بيد الشرعية.
هذه التحركات الدبلوماسية ليست منفصلة عن واقعٍ لبناني جديد بدأت ملامحه بالتبلور، يتجسد بمحاولات الدولة لاستعادة دورها ومكانتها، من خلال خطوات داخلية شجاعة من جهة، وتنسيق خارجي محسوب من جهة أخرى. وبينما تأتي الزيارات الخليجية لتأكيد الانتماء العربي، جاء الوفد الأميركي ليكرس الانخراط الدولي في ملفات حساسة مثل السلاح الفلسطيني، والجنوب اللبناني، والعلاقة مع سوريا، وملف النزوح.
إعادة تموضع لبنان عربيًا
بحسب صحيفة “اللواء”، نُظر إلى زيارات الرئيس عون إلى دول الخليج العربي، خصوصًا المملكة العربية السعودية والإمارات، على أنها تحمل رسالة واضحة مفادها: “لبنان يريد العودة إلى الحضن العربي”. وقد أتى إطلاق “منتدى التبادل المعرفي الحكومي” بين الإمارات ولبنان في السرايا الحكومية، بحضور رئيس الحكومة نواف سلام، كمؤشر عملي على بداية هذا التوجه.
وقد أكد سلام أن “صندوق أبو ظبي للتنمية لعب دورًا أساسيًا في دعم لبنان منذ أواخر السبعينيات”، مشيرًا إلى أن الدولة اللبنانية أطلقت خطة تعافٍ اقتصادي جديدة، ما يُعد تطورًا لافتًا في العلاقة اللبنانية – الخليجية التي شابها الكثير من التوتر في السنوات الأخيرة.
دعم خليجي مشروط بالإصلاح
لكن الموقف العربي من لبنان، كما كشفت مصادر وزارية لـ”اللواء”، ليس دعمًا مفتوحًا على بياض. بل هناك إدراك خليجي بأن أي دعم فعلي يجب أن يُقابله تنفيذ حقيقي للإصلاحات الاقتصادية والمالية، ولا سيما في ملف ضبط الحدود، ومكافحة التهريب، وتنظيم العلاقة مع سوريا.
في هذا السياق، أثمرت زيارة الرئيس عون إلى الخليج عن تنامي توجه لدعم العهد الجديد، وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدول الشقيقة، مع تأكيد على ضرورة بسط الدولة اللبنانية سلطتها الكاملة، وتطبيق مبدأ حصرية السلاح، لا سيما داخل المخيمات الفلسطينية.
وبحسب “اللواء”، “تأتي خطوة حصر السلاح غير الشرعي بيد الدولة اللبنانية، توازياً مع إجراءات تعزيز الروابط مع الأشقاء العرب، على طريق تأمين وسائل الدعم اللازمة لاستعادة لبنان عافيته السياسية والاقتصادية . وتحت هذا العنوان جاء إطلاق “منتدى التبادل المعرفي الحكومي” التابع لوزارة شؤون مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة مع لبنان، في السرايا الحكومية برعاية وحضور رئيس الحكومة نواف سلام، وبمشاركة مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للتنافسية والتبادل المعرفي عبد الله لوتاه والقائم بأعمال السفارة الاماراتية في لبنان فهد الكعبي مع وفد إماراتي من “صندوق ابو ظبي للتنمية” ومن مكتب التبادل المعرفي الحكومي التابع لرئاسة الوزراء الاماراتية.”
وفد الكونغرس الأميركي: السلاح الفلسطيني في الواجهة
من جهة أخرى، التقى الرئيس جوزاف عون بوفد من الكونغرس الأميركي برئاسة السيناتور أنغوس كينغ أمس، حيث تناول البحث موضوعات حساسة، أبرزها: السلاح الفلسطيني، القرار 1701، علاقة لبنان بإسرائيل، والتعاون مع اليونيفيل.
في هذا اللقاء، كشف الرئيس عون أن معالجة ملف السلاح الفلسطيني ستبدأ من 3 مخيمات في بيروت منتصف حزيران، مؤكدًا أن هناك اتفاقًا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ضرورة حصر السلاح داخل المخيمات، وتسليمه للدولة اللبنانية، وتم تشكيل لجان مشتركة لتنفيذ ذلك. وقد تم تفكيك 3 معسكرات فلسطينية في الشمال والجبل والجنوب.
هذه الخطوة، التي حظيت بدعم السلطة الفلسطينية، تأتي في إطار الرغبة اللبنانية في إغلاق ملف طالما اعتُبر من أبرز مظاهر السيادة المنقوصة، كما أنها تلاقي ارتياحًا دوليًا، تمثّل بدعم أميركي لهذا الاتجاه، بحسب ما نقله أعضاء الوفد.
الجنوب اللبناني و1701: التمديد دون التزام إسرائيلي
في موضوع القرار 1701، جدد عون أمام الوفد الأميركي تأكيد التزام لبنان الكامل بتطبيق بنوده، مشيرًا إلى أن الجيش اللبناني ينتشر جنوب الليطاني ويقوم بمهامه بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، التي وصف دورها بـ”المهم والأساسي”، مؤكدًا طلب لبنان التمديد لها سنة اضافية.
لكن المفارقة، كما أشار، أن إسرائيل لم تلتزم بما وقّعت عليه، لا سيما من حيث انسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية، مثل التلال الخمس، ولا من حيث الإفراج عن الأسرى اللبنانيين، ما يُبقي الوضع متوتراً، ويمنع استقرار الجنوب، رغم تعاون الجيش اللبناني مع القوات الدولية.
سوريا والنازحون: علاقة مركّبة ومستقبل مقلق
وفي ملف العلاقة مع سوريا، شدد عون أمام الوفد الأميركي على استمرار التواصل مع الحكومة السورية، لمعالجة مسائل أمنية، وأبرزها ملف النازحين السوريين، معتبرًا أن “القرار الأميركي برفع بعض العقوبات عن سوريا خطوة إيجابية، تُساهم في تحسين الاقتصاد السوري”، مما يجعل مناخ عودة النازحين أفضل.
ولفت إلى أن عودة النازحين السوريين “ضرورة وطنية”، وليست مجرد خيار سياسي، ودعا الأمم المتحدة إلى تحويل مساعداتها إلى داخل سوريا، لتشجيع السوريين على العودة والمساهمة في إعادة بناء وطنهم.
إعادة صياغة موقع لبنان
ما بين زيارات خليجية ودعم أميركي مشروط، يحاول لبنان إعادة رسم موقعه الإقليمي والدولي. فالرئيس عون يحمل ملفات حساسة، من بسط السيادة إلى ضبط السلاح غير الشرعي، إلى الإصلاح المالي والاقتصادي، مدعومًا من الجيش، ومن رئيس الحكومة، ومن جهات عربية ودولية تعتبر أن “الفرصة الأخيرة” لإنقاذ لبنان قد تكون الآن.
مواضيع ذات صلة :
![]() “يوجد ضمانات”.. الرئيس عون لـ”هنا لبنان”: إرادة الحياة أقوى من الموت | ![]() الرئيس عون: ماضون في سبيل تحقيق كامل قدراتنا للبنان حرّ | ![]() لقاءٌ بين الرئيس عون وماغرو |