الاعتداءات على “اليونيفيل”: رسائل ميدانية تهدّد مهامّ القوات الدولية جنوبًا

لبنان 29 أيار, 2025

 

في وقتٍ يترقّب فيه لبنان موعد تجديد ولاية قوات “اليونيفيل” في مجلس الأمن الدولي في 31 آب المقبل، تتزايد الاعتداءات والمواجهات على الأرض بين السكان المحليين وقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب. هذه الحوادث، التي تتكرّر بوتيرةٍ لافتةٍ في الأشهر والأسابيع الأخيرة، لا تقتصر على مشهد ميداني عابر، بل تحمِل في طيّاتها رسائل سياسية وأمنية تُحرج الدولة اللبنانية وتُضعف موقفها التفاوضي بشأن مستقبل وجود هذه القوات.

أحدث فصول هذه الحوادث كان في بلدة ياطر الجنوبية، حيث حاصر عدد من المدنيين دورية تابعة لليونيفيل صباح أمس ومنعوها من استكمال جولتها، بحجة أنّها دخلت من دون مرافقة الجيش اللبناني. وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، هذا الحادث لم يكن معزولًا، بل جاء بعد أيام فقط من حوادث مشابِهة في بلدة الجميجية الجنوبية وفي بلدتيْ شقرا وعيناتا، بالإضافة إلى دخول خاطئ لدورية أممية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.

الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل”، أندريا تيننتي، أوضح أنّ الدورية كانت ضمن المهام المخطّطة مسبقًا والمنسّقة مع الجيش اللبناني، مؤكدًا أن أي اعتراض على أنشطة البعثة يتعارض مع القرار الأممي 1701. وقال بحسب صحيفة الشرق الأوسط: “قوات حفظ السلام تعمل في جنوب لبنان بناءً على طلب الحكومة اللبنانية وبتكليف من مجلس الأمن. وأي تدخل في أنشطة الجنود أمرٌ غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان”.

مزاعم محلية مقابل صلاحيات دولية

الجدل الأكبر يتركّز حول مدى قانونية تحرّك “اليونيفيل” من دون مرافقة الجيش اللبناني. السكّان المحليون يرَون في ذلك خرقًا لصلاحيات البعثة الأممية، لكنّ مصادر عسكرية لبنانية أوضحت لصحيفة “الشرق الأوسط” أنّ التعديلات الأخيرة على تفويض “اليونيفيل” تُجيز لها التحرّك على الطرق العامة من دون مواكبة عسكرية لبنانية، على أن يتمّ التنسيق المسبق في حال دخول أراضٍ خاصة.

وتشير هذه المصادر إلى أن الإشكالات تقع غالبًا عندما تحاول دوريات اليونيفيل دخول ممتلكات خاصة أو مناطق حساسة، لافتةً إلى أن الجيش “دائمًا يتدخّل بسرعة عند وقوع الإشكالات ويمنع أي اعتداء على القوات الدولية”.

الخبير العسكري العميد سعيد القزح، اعتبر في حديثه لـ”الشرق الأوسط” أن “المدنيين ليسوا الطرف الأساسي في هذه الاعتراضات، بل يتم استخدامهم من قبل الحزب كغطاءٍ لمنع القوات الدولية من مراقبة تحركات ميدانية”.
وأضاف: “الهدف من هذه الحوادث هو عرقلة عمل “اليونيفيل” وكسب الوقت لتنفيذ مهام معينة لا يرغب الحزب بأن تُكتشف”.

التمديد على المحكّ

مع اقتراب موعد التجديد لليونيفيل في مجلس الأمن، تدخل القوى الدولية والإقليمية على خطّ التفاوض. بحسب صحيفة “نداء الوطن”، ترتفع نبرة القلق من مستقبل مهمة “اليونيفيل”، في ظلّ تصعيد إسرائيلي واضح واتهامات متكررة لها بـ”العجز عن مراقبة حزب الله” جنوبي الليطاني، ودعوات لتعديل تفويضها. في المقابل، تلوّح الولايات المتحدة بعرقلة التجديد ما لم يتم إدخال تغييرات “جوهرية” على مهمّة القوات الدولية.

ويرى الناطق باسم اليونيفيل تيننتي في حديث لـ”نداء الوطن” أنّ البعثة “ليست في موقع اتخاذ القرار بل في موقع تنفيذ القرار 1701″، موضحًا أنّ “مهمة اليونيفيل تقتصر على الدعم اللوجستي والميداني للجيش اللبناني، ولا تملك صلاحية مصادرة الأسلحة أو الدخول إلى الممتلكات الخاصة من دون إذن”.

لكن هذه المواقف تُظهر حجم الهوّة بين ما يطالب به لبنان وما تريده إسرائيل وأطراف أخرى في مجلس الأمن. إذْ يطالب لبنان بالإبقاء على التفويض الحالي من دون تعديل، حرصًا على السيادة ومنعًا لأي تصعيد، فيما ترى أطراف دولية أنّ أداء “اليونيفيل” لم يعد فعّالًا، ويجب تعديله ليتناسب مع تطورات الواقع الميداني.

“اليونيفيل” بين السكان والمجتمع الدولي

يوضح تيننتي لـ”نداء الوطن” أنه على الرّغم من الحوادث المتكرّرة، لا تزال “اليونيفيل” تُعتبر جهةً داعمةً للمجتمع الجنوبي، حيث توفّر خدمات إنسانية وطبية وتنفّذ مشاريع بنى تحتية، فضلًا عن كونها ثاني أكبر جهة توظيف في الجنوب بعد الدولة اللبنانية”.

لكنّ التصعيد الأخير يُهدّد بتآكل العلاقة بين القوات الدولية وسكان الجنوب، خصوصًا في ظلّ الضغوط النفسية الناتجة عن استمرار الغارات الإسرائيلية، وحالة النزوح التي يعيشها أكثر من 100 ألف مواطن منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
مصادر نيابية لبنانية صرّحت لصحيفة “الأنباء” الكويتية بأن “الاستياء الشعبي مفهوم نتيجة الظروف الصعبة”، لكنّها شدّدت على أنّ “المواجهات مع “اليونيفيل” تُضعف موقف لبنان في مجلس الأمن، وقد تعطي ذريعةً للجهات المطالبة بعدم التمديد”.

خطر الانسحاب وفتح الباب أمام الفراغ

يُحذّر محلّلون عسكريون من أن تزايد الاعتداءات على “اليونيفيل” قد يدفع بعض الدول المساهمة بسحب وحداتها، ما يفتح الباب أمام فراغ أمني خطير على الحدود الجنوبية، إذ إنّ القرار 1701، وعلى الرغم ممّا يُقال عن محدودية تنفيذه، شكّل مظلّة دولية للاستقرار النسبي في الجنوب منذ عام 2006.

ويقول العميد القزح لـ”الشرق الأوسط”: “إذا انسحبت بعض الدول من اليونيفيل، ستكون هناك حرية أكبر لكل من إسرائيل وحزب الله للتحرّك من دون مراقبة أو توثيق، وهذا قد يؤدّي إلى المزيد من التوتّر والاعتداءات، وربّما مواجهة مفتوحة لا يريدها أحد الآن”.

حادثة طريق المطار: نقطة تحوّل

الحادث الأخطر الذي تعرّضت له القوات الدولية خلال هذا العام وقع في شباط 2025 على طريق مطار بيروت الدولي، حيث أقدم مناصرون لحزب الله على مهاجمة موكب تابع لليونيفيل، وإضرام النار في إحدى المركبات مما أدّى إلى إصابة ضابطيْن.
ووصفت فرنسا الحادث يومها بـ”جريمة الحرب”، بينما أبدت عواصم غربية استياءً كبيرًا من الهجوم، وجرى توقيف أكثر من عشرين شخصًا وإحالتهم إلى القضاء العسكري.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us