تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية وتداعياته الأمنية المحتملة

شرعت الدولة اللبنانية في تطبيق خطةٍ تدريجيةٍ لسحب السلاح من المخيمات الفلسطينية، بدءًا بمخيمات بيروت الثلاثة: صبرا وشاتيلا، برج البراجنة، ومار الياس، اعتبارًا من منتصف حزيران، أي بعد عطلة عيد الأضحى. هذه الخطوة، التي أُعلنت رسميًا في اجتماعٍ جمع الجيش اللبناني ووفد “تحالف القوى الفلسطينية” في وزارة الدفاع، تأتي في إطار محاولة الدولة لبسط سلطتها الكاملة على الأراضي اللبنانية، ضمن التزامها بتطبيق القرار 1701، وبعد تراجع النفوذ السوري في لبنان، وتحديدًا بعد سقوط نظام بشار الأسد كغطاء إقليمي للفصائل الفلسطينية في المخيمات.
بين السيادة والاستقرار: ما وراء الخطة
الدولة اللبنانية، وعلى قاعدة عدم الدخول العسكري المباشر إلى المخيمات، تحاول اليوم تفكيك عقدة سلاح الفصائل الفلسطينية، التي لطالما شكّلت حساسية أمنية – سياسية داخلية. الخطّة ترتكز إلى مراحل تبدأ في بيروت كـ”بالون اختبار”، ويُفترض أن تمتد لاحقًا إلى مخيمات أخرى.
وقد تم إنشاء لجان لبنانية – فلسطينية مشتركة، أمنية وعسكرية ومدنية، لمتابعة هذا الملف، بالتوازي مع التفاوض حول الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان.
غير أن تنفيذ هذه الخطوة على الأرض يواجه تحدّيات كبيرة، أبرزها غياب جهة فلسطينية موحّدة قادرة على اتخاذ قرارٍ جامعٍ، والانقسام الحادّ داخل المخيمات، حيث تتوزع السيطرة بين فتح، وحماس، وقوى إسلامية متشددة، وتنظيمات أخرى منها ما يصنّف على أنه إرهابي.
انقسام فلسطيني وتخوّف لبناني
بحسب صحيفة ” الديار”، ” تضاربت الآراء حول جدية نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية، فالبعض اعتبر ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعطى موافقةً معنويةً للدولة اللبنانية برفع الغطاء عن سلاح المخيمات. وعليه رأت اوساط سياسية أن عباس باع “سمكًا في البحر” للدولة اللبنانية نظرًا للنسبة الضئيلة التي تسيطر عليها السلطة في المخيمات في حين هناك فصائل اخرى ابرزها حماس الى جانب وجود تنظيمات ارهابية تغلغلت في مخيم عين الحلوة.
في المقابل، كشف البعض الآخر ان عباس يمهّد لتقديم شيء ما للاميركيين والاسرائيليين، ظنًا منه ان اي خطوة نحو ازالة العسكرة عن الفلسطينيين، وتوطينهم في الاماكن الذين يتواجدون فيها يمكن ان يمهّد الطريق لموافقة الائتلاف الراهن الاسرائيلي على خريطة الطريق بإقامة الدولة الفلسطينية”.
في المقابل، مصادر عسكرية لبنانية حذّرت، في تصريحات لـ”الديار”، من أن عملية تسليم السلاح قد تكون “شكليةً”، حيث سيتم تسليم “أسلحة غير مهمة”، في وقتٍ تحتفظ فيه الفصائل بأسلحتها النوعية تحت الأرض أو خارج نطاق الكشف.
ماذا عن المخيمات الأخرى؟
حتى الآن، لم تُكشف هوية المخيمات التي ستُدرج في المرحلة الثانية من الخطة، إذ تنتظر الدولة نتائج المرحلة الأولى في بيروت، لتبني عليها في تحديد المسار المقبل. وهنا، تكمن المعضلة، لأن كل مخيم في لبنان يحمل طابعًا مختلفًا، من حيث التركيبة الديموغرافية، والفصائل المسيطرة، والأوضاع الأمنية والاجتماعية.
وفي حال فشلت المرحلة الأولى، فإنّ مخاطر الانفجار الأمني تزداد، ليس فقط في المخيمات نفسها، بل في محيطها الجغرافي، خصوصًا في مناطق مثل صيدا والبقاع، حيث يتداخل الوجود الفلسطيني مع مجتمعاتٍ لبنانيةٍ هشّةٍ أمنيًا.
رفض ضمني وغياب القرار المركزي
ما يزيد من تعقيد المشهد، هو أن القرار الفلسطيني داخل المخيمات غير مركزي. فحتى داخل حركة فتح نفسها، هناك تيارات ترفض التخلي عن السلاح ما دامت فصائل أخرى تحتفظ به.
وفي هذا السياق، قال مصدر حزبي لبناني رفيع لـ”الديار”، إن الدولة ملزمة، بحسب اتفاق الطائف، بتجريد جميع الميليشيات من السلاح، بما في ذلك الفلسطينية، لإسقاط اتفاق القاهرة الذي سمح سابقًا للفلسطينيين بالعمل العسكري في لبنان.
واعتبر أن الدولة اللبنانية دخلت “مرحلةً جديدةً” لا تحتمل وجود مخيمات مسلحة خارج سيطرتها.