نزع السلاح الفلسطيني خطوة أولى على طريق السيادة الكاملة للدولة

لبنان 31 أيار, 2025

في وطنٍ أنهكته الحروب والوصايات، ودفعت دولته أثمانًا باهظةً من سيادتها واستقراره، بات واضحًا أن لا قيام للبنان ولا قيامة لدولته من دون حصر السلاح بيد الشرعية، بكل ما تمثّله من جيش ومؤسّسات أمنية وقضائية. فالسلاح غير الشرعي، مهما كانت هويته أو الجهة التي تحمله، يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، ويمنع بناء دولةٍ عادلةٍ قادرةٍ، ويحوّل أراضي الوطن إلى ساحات صراعٍ إقليمية، بدل أن تكون ساحة وحدةٍ وطنيةٍ وعدالةٍ اجتماعيةٍ.

من هذا المنطلق، تتقدّم الدولة اللبنانية، للمرة الأولى منذ سنوات، بخطوةٍ عمليةٍ وحذرةٍ باتجاه نزع السلاح الفلسطيني من داخل المخيّمات، في رسالةٍ واضحةٍ ألّا استثناءات بعد اليوم، وأن هيبة الدولة لا تُبنى بالتمنّي، بل بالقرارات الشجاعة والتنفيذ المدروس.

في أيار 2025، أعلنت الحكومة اللبنانية رسميًا إطلاق خطةٍ تدريجيةٍ لسحب السلاح من المخيمات الفلسطينية، بإشرافٍ مباشرٍ من الجيش اللبناني والأمن العام، وبدعمٍ دولي وإقليمي، لا سيما من فرنسا. الخطة، بحسب مصادر رسمية، ستبدأ من ثلاثة مخيمات في بيروت منتصف حزيران المقبل، على أن تشمل لاحقًا المخيمات كافة.

هذا التحرّك يأتي عقب الاجتماع اللبناني–الفلسطيني المشترك الذي ترأسه رئيس الحكومة نواف سلام بحضور السفير رامز دمشقية، رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقد اتُّفق خلال اللقاء على نزع السلاح الثقيل والمتوسط من داخل المخيّمات، مع الإبقاء على السلاح الفردي الدفاعي فقط، ضمن تفاهمٍ غير مشروطٍ بإعطاء الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين، وإن كانت اللجنة أكدت على أن “تحسين أوضاع الفلسطينيين يخدم استقرار لبنان”.

زيارة أمنية فلسطينية وتنسيق تدريجي

وأكّد السفير رامز دمشقية في تصريح صحافي أن وفدًا فلسطينيًا أمنيًا رفيع المستوى، مؤلفًا من ثلاثة رؤساء أجهزة أمنية، سيزور لبنان قريبًا للتنسيق بشأن آلية تنفيذ عملية التسليم، مضيفًا أن حوارًا داخليًا فلسطينيًا يجري لضمان عدم التصادم خلال التنفيذ، وأن “العملية يجب أن تتم بسلام ولمصلحة المخيمات”.

بدوره، عبّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن موقفٍ واضحٍ، مؤكدًا أن “السلاح الفلسطيني في المخيمات لم يحرّر فلسطين، بل كلّف لبنان وفلسطين الكثير”، وهو ما يُعدُّ تحوّلًا في النظرة الرسمية الفلسطينية تجاه ملف السلاح خارج الأراضي الفلسطينية.

الدوافع السياسية والأمنية

يرى الباحث الفلسطيني خالد فهد في حديثه لـ”قدس برس” أن انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة ذات توجه إصلاحي وأمني، هو ما أعاد الملف إلى الواجهة، ضمن مشروع لإعادة ضبط السلاح المنتشر في البلاد.

وبحسب فهد، فإنّ التعامل مع السلاح الفلسطيني لطالما كان مقترنًا بسلاح حزب الله، حيث يُنظر إليه كجزءٍ من معادلة أكبر تتعلّق بالسلاح خارج الدولة. أمّا اليوم، وبعد تراجع نفوذ حزب الله نسبيًا، فإنّ الدولة تحاول الاستفادة من الفرصة لمعالجة الملف الفلسطيني كـ”خطوةٍ أولى” في فرض السيادة.

أما الخبير العسكري الأردني نضال أبو زيد، فاعتبر أن سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان يتراوح ما بين خفيف ومتوسط، ويشمل أسلحةً مثل الكلاشنيكوف، الهاون، والصواريخ المحمولة على الكتف، من دون امتلاك آليات ثقيلة. ورأى أن الهدف الأبعد من خطة نزع السلاح هو إعادة بناء الهيبة العسكرية للدولة اللبنانية وسط فوضى أمنية خطيرة.

من اتفاق القاهرة إلى المواجهة

يعود الوجود المسلح الفلسطيني في لبنان إلى اتفاق القاهرة عام 1969، الذي أبرمته الحكومة اللبنانية مع منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، وسمح بموجبه للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في جنوب لبنان وتنظيم أنشطة مسلّحة وسياسية داخل المخيمات.

هذا الاتفاق أعطى شرعيةً موقتةً لحمل السلاح، لكنّه ما لبث أن أصبح مثار جدل وخلاف سياسي داخلي، وجرّ البلاد لاحقًا إلى مواجهاتٍ دمويةٍ بين الفلسطينيين وبعض المكوّنات اللبنانية، أبرزها معارك “تل الزعتر” (1976)، والاشتباكات مع حركة أمل في الثمانينيات.

في عام 1987، ألغى البرلمان اللبناني رسميًا اتفاق القاهرة، إلّا أنّ الوجود المسلح استمرّ فعليًا داخل المخيمات، متحوّلًا إلى “دويلات مصغرة” خارجة عن سيطرة الدولة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us