نصار: العمل على بناء دولة القانون ضرورة لا يمكن التراجع عنها

لبنان 17 حزيران, 2025

ألقى وزير العدل عادل نصار، كلمة في الندوة التي نظمها المجلس الدستوري تحت عنوان “اجتماع المحاكم الدستورية في المشرق”- في فندق الفينيسيا في بيروت، بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ممثلا بنائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري. قال فيها: “حضوري اليوم في هذه الندوة يحمل دلالة شخصية خاصة، فاسمحوا لي أن أبدأ بمقدمة صغيرة من القلب، أعبر فيها عن شكري لمجلسكم الكريم، وبصورة خاصة لحضرة الرئيس طنوس مشلب، الذي أتاح لي هذه الفرصة الوجدانية لأتحدث من هذا المنبر في حضور والدي، الرئيس الأسبق للمجلس الدستوري، والذي بلغ من العمر أمس 96 عاما. ومن الصعب جدًا إنكار الأثر العاطفي الناتج عن هذه اللحظة”.

أضاف: “وانعقاد هذه الندوة في وقت تشهد فيه المنطقة تقلبات دراماتيكية وحروبا خطيرة تمس مستقبل الشرق، يشكل دليلا على قدرة لبنان على المحافظة على دوره الرائد في صون الدستور ومبادئ الجمهورية. وعلى الرغم من كل الظروف التي تمر ببلادنا وبمجتمعنا، فإن العمل على بناء دولة القانون يبقى ضرورة لا يمكن التراجع عنها، أي دولة تحصر القوة في السلطات الرسمية وأجهزتها الأمنية، تحت سقف القانون. ويجب أن يبقى القانون، وبصورة خاصة الدستور اللبناني، المرجع الوحيد لجميع اللبنانيين والمقيمين في لبنان، وأن تمارس قواعد الديموقراطية في ظل الدستور، لا على حسابه، وأن يتساوى جميع اللبنانيين أمام القانون”.

أضاف: “لقد عانى المجتمع اللبناني من الانقسامات، ودفع ثمنا باهظا نتيجة لها، وحان الوقت لتوحده تحت راية الدولة، الدولة التي تكون للجميع، والضامنة للجميع.وعلى لبنان أن ينفتح على جميع الدول، ولكن من منطلق وطني لا يرى سوى المصلحة الوطنية وحماية أبنائه. فالتعاون مع الدول يجب أن ينطلق من حرص اللبنانيين على تطوير أنظمتهم والتشارك مع الآخرين من أجل غد أفضل، بعيدا عن كل ما قد يعرض أمننا وسلامة مواطنينا للخطر”.

فالقضية التي يجب أن تجمعنا دائما هي المصلحة الوطنية، والمصلحة الوطنية وحدها، وأخذ العبر من سلبية تلك المغامرات التي أدت إلى شرذمة المجتمع، وتهديد السلم الأهلي، وزج لبنان في الحروب. لقد حان الوقت ليكون المواطن اللبناني وحده مركز اهتمامنا في جميع قراراتنا”.

وتابع: “أما المجلس الدستوري، فهو المرجع الذي يضمن الالتزام بنص الدستور، وهذا ما يضعه في موقع المواجهة مع قرارات السلطة التشريعية، أي في مواجهة سلطة ناتجة عن الإرادة الشعبية المباشرة. فمسؤولية المجلس كبيرة، إذ يطلب منه أحيانا أن يعاكس خيارات تتبناها سلطة تتمتع بشرعية سامية.

وبالفعل، ارتضينا جميعا في لبنان، كما في دول أخرى، أن يكون هناك مجلس يسهر على حماية القانون الأعلى مرتبة، أي القانون الدستوري، لأنه يشكل قاعدة المحافظة على الجمهورية والديموقراطية والحقوق الأساسية للأفراد. فإذا ارتضينا بأنه لا يجوز تجاوز هذه القواعد حتى من قبل الأكثرية النيابية، فهذا يعني، بصورة واضحة، أنه لا يجوز اعتبار الدستور وجهة نظر.

وعندما أقول ذلك، أستذكر عبارتين: الأولى قالها رئيس مجلس دستوري سابق في فرنسا، وتم تكرارها مرارا، وهو Robert Badinter، عند تعيينه، إذ صارح الرئيس الفرنسي آنذاك، فرنسوا ميتران، بقوله إنه، أي Robert Badinter، يخضع لما يسمى “موجب نكران الجميل” (devoir d’ingratitude)، أي إنه ملزم باتخاذ قراراته حتى وإن عاكست رغبة السلطة التي عينته.
أما العبارة الثانية، فهي للبروفيسور Dominique Rousseau، أستاذ القانون الدستوري، عندما قال:
C’est en période de crise que le respect des droits fondamentaux est encore plus important.
أي: “في وقت الأزمات، تكون حماية الحقوق الأساسية أكثر أهمية”.

واستطرد نصار: “لقد مر لبنان، ولا يزال، بالعديد من الأزمات، لكن علينا التمسك بالمبادئ الأساسية وحمايتها، وحماية استقلال هذا المجلس، واستقلال القضاء، واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، وألا نتردد في اتخاذ القرارات ولو كانت صعبة، دفاعا عن القانون والمبادئ الأساسية وعن الحق، وعن لبنان واللبنانيين.

إن هذا المجلس يؤدي دورا أساسيا في ترسيخ دولة القانون، واستمرارية عمله، وكذلك إمكانية توسيع صلاحياته، سواء من جهة تفسير الدستور أو من جهة توسيع الحق في مراجعته، تشكل حجر أساس في بناء دولة القانون الحديثة والحضارية.

وإن ديموقراطية لبنان وتعدديته يشكلان ميزة خاصة جرى الحفاظ عليها في أصعب الظروف. وأكرر ما قيل سابقا، مع بعض التعديل، نقلاً عن Victor Hugo: “إذا لم تبق في الشرق سوى عشر ديموقراطيات، فيكون لبنان العاشرة، أما إن لم تبق سوى ديموقراطية واحدة، فتكون هي لبنان”.

وختم: “أكرر شكري لمجلسكم الكريم، ولرئيسه، على دعوتي إلى هذه الندوة، وأتمنى لكم مداولات بنّاءة. وبصفتي وزير العدل، أؤكد أنني سأبقى في تصرّفكم في كل جهد يمكن بذله لتحصين هذا المجلس وتوسيع صلاحياته”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us