الرئيس عون من الجزائر: نريد دولةً كاملة السيادة ونتطلع لتعاون عربي يُعيد إعمار لبنان

توجه رئيس الجمهورية الرئيس جوزاف عون إلى الجزائر في زيارة رسمية، حيث التقى نظيره الجزائري الرئيس عبد المجيد تبون.
وقلّد الرئيس الجزائري الرئيس عون، أرفع وسام في الدولة الجزائرية وسام “أثير”.
وعُقدَت قمة جزائرية – لبنانية ومحادثات موسعة وثنائية، وتقرر عودة الطيران الجزائري الى لبنان خلال الأسبوعين المقبلين والبحث في إنشاء خط بحري مع مرفأ طرابلس.
كما تقرر تفعيل آلية التشاور السياسي التي عُقدت مرة واحدة منذ عام 2002 وجرى توقيع مذكرة تفاهم إعلامي.
وقال الرئيس عون بعد لقائه تبون: “بسعادةٍ أخويّةٍ صادقة، وبروحِ تعاونٍ عربيٍّ ضروريٍّ وكاملٍ، أُلبّي اليومَ دعوتَكم الكريمة لزيارة الجزائر الشقيقة، في خطوةٍ تؤكّدُ أهميةَ العلاقات بين بلدَيْنا، وتهدفُ إلى تعزيزِ تعاونِنا، والتطلّعِ معًا إلى عالمٍ عربيٍّ أكثرَ قوّةً وتضامنًا”.
وتابع: “إنّ العلاقاتِ بين لبنانَ والجزائر تاريخية، هي من عمرِ وجودِهما معًا، ومع سواهما من الإخوة العرب، على شاطئِ المتوسّط. جمعَنا الفينيقيّون منذ آلافِ السنين، ويجب أنْ يجمعَنا نظامُ المصلحة العربيّة المشتركة لسنينَ آتية، على قاعدةِ تحقيقِ خيرِ الإنسان في كلِّ بلدٍ من بلداننا، وفي منطقتِنا، وفي عالمٍ كاملٍ نريدُ الانفتاحَ عليه، والصداقةَ معه”.
وأضاف: “إنّ لبنان لا ينسى مواقف الجزائر الداعمة له دومًا. فهي لم تَغِبْ مرّةً عن المساعي العربيّة الحميدة، لخروجِه من أزماتِه، وإنهاءِ حروبِه المركّبة بين داخلِه والخارج. وكان للجزائر دائمًا دورٌ بارزٌ في تلك المهمّة المشكورة، خصوصًا يومَ شاركت ضمنَ اللجنة العربيّة العليا، مع كلٍّ من البلدين الشقيقين العزيزين، المملكة السعوديّة والمملكة المغربيّة، في الجهودِ التي أدّت إلى إقرارِ وثيقةِ الوفاقِ الوطني في مدينةِ الطائف، والتي تحوّلت دستورًا لانتظامِنا السياسي، وسِلمِنا الوطني، وانتمائِنا العربي، وسيادتِنا الكاملة”.
وتابع: “إنّ استذكارَ تلك المحطّة التاريخيّة، يزيدُنا إيمانًا واقتناعًا، بأنّ التضامنَ العربيّ هو ضرورةٌ لقوّةِ لبنان. وهو يُصلِّبُ وحدتَه، ويُحصِّنُ سيادتَه واستقلالَه”.
وقال: “الجزائر ساعدت لبنان وما زالت، في مجالاتٍ كثيرة، من مواقفها المؤيّدة في مجلسِ الأمنِ والمحافلِ الدوليّة، إلى تقديمِها كلَّ دعمٍ عند كلِّ أزمة، عند كارثةِ وانفجارِ مرفأ بيروت، وقبلَها وبعدها، وفي شتّى المجالات. وللجزائر موقفٌ أخويٌّ تاريخيٌّ مُؤازِرٌ لرسالةِ لبنان، رسالةُ الحياةِ الوطنيّة الحرّة والكريمة والواحدة، في مناخات السيادةِ والحرّيّةِ والتعدّديّة معًا. فلا نتخلّى عن أيٍّ من هذه الأقانيم الثلاثة، في تلازُمِها لبقاءِ لبنان، وفي الانطلاقِ منها للانفتاحِ على كلِّ العرب وكلِّ العالم. هذه هي صورةُ الجزائر عندنا، منذُ كان الأمير عبد القادر الجزائري في بيروت، عنوانًا لوأدِ الفِتن، والسعيِ إلى وحدةٍ وطنيّةٍ، لا يحمي لبنانَ سواها، في مواجهةِ العواصف”.
وأردف: “أزور الجزائر اليوم، تحدوني آمالٌ كبيرةٌ في إنقاذِ بلدي من المخاطرِ المحيطة، وفي استعادةِ دولتِه، وإعادتِها دولةً كاملةَ الأوصافِ والمواصفات، وأوّلُها سيادتُها الكاملة، غيرُ المُنتقَصة، ولا المُشتركة مع أيٍّ كان، على كاملِ أرضِها، وكلِّ شعبِها. وهذه قضيّةٌ لا شكّ أنّ كلَّ عربيٍّ صادقٍ يُؤيّدها، ويدعمُنا في سبيلِ تحقيقِها. وأوّلُ مُقتضياتِ الدعمِ العربيّ أنْ تكونَ البلدانُ العربيّة متضامنةً، مُتآخيةً على الحقِّ والخيرِ والسلام”.
وتابع: “هكذا نأمل، وبهذا الدافعِ نطمحُ إلى الدخولِ إلى كلِّ بلدٍ عربيٍّ شقيق، وإلى كلِّ بيتٍ عربيّ، بالمحبّةِ والأخوّة. فلا نتدخّلُ في شأنِ أيٍّ من إخوتِنا، ولا هم يتدخّلون في شؤوننا، إلّا بالمؤازرة على خيرِ كلٍّ منّا، وخيرِ كلِّ بلداننا، ضمنَ مناخاتِ الاحترامِ الكامل، والتعاونِ المُطلَق. فكلّما ارتفعَ منسوبُ التضامنِ العربيّ، كلّما زادت أضعافًا مَناعةُ لبنان، وقوّتُنا جميعًا”.
وقال: “إنّ مجالاتِ التعاون بين بلدينا كثيرةٌ ومهمّةٌ جدًّا، في مجالاتِ الطاقة وقطاعاتِ الاقتصادِ كافّة، من زراعةٍ وتجارةٍ وتربيةٍ وتعليمٍ وثقافةٍ وصحّةٍ وسياحةٍ وتكنولوجيا وغيرِها، خصوصًا في القضيّةِ المُلحّة اليومَ في لبنان، ألا وهي مساعدتُنا على إعادةِ إعمارِ ما خلّفته الاعتداءاتُ والحروبُ الأخيرة، على مستوى المنشآتِ الحكوميّة، والبُنى التحتيّة، وبيوتِ الذين دُمِّرت منازلُهم. ولا نريدُ للوقتِ الضائع، ولا للخياراتِ الخاطئة، أن تُدمّرَ آمالَهم في العودةِ إلى أرضِهم، والبقاءِ فيها كِرامًا أعزّاء”.
وأضاف: “مجالاتُ التعاون هذه كلُّها، نتطلّعُ اليومَ في زيارتِنا، إلى إرساءِ بداياتِها مع مساعدتِكم المُقدَّرة جدًّا، فاتحين قلوبَنا وعقولَنا لكلِّ شقيقٍ أو صديقٍ أو قادرٍ على مساعدتِنا ودعمِنا، من المتوسّط إلى الخليج، وصولًا إلى كلِّ الأرضِ من شرقٍ وغربٍ، مع طموحِنا الثابتِ والأكيد بتعميمِ نموذجِ التعاونِ والتكاملِ الاقتصاديَّين، على كلِّ البلدانِ العربيّة”.
وختم الرئيس عون: “بهذا النهج، نحفظُ لدولِنا مكانَها ومكانتَها في عالمِنا المعاصرِ والمتطوّرِ بسرعةٍ مذهلة، ونُحقّقُ الحلولَ العادلة لقضايانا المُحقّة، بدءًا بقضيّةِ الشعبِ الفلسطيني، كممرٍّ إلزاميٍّ لسلامٍ عادلٍ ثابتٍ وشامل، يكونُ سلامَ الشجعانِ والسيّادِ والأحرار، سلامَ الحياةِ والنموِّ والازدهار، وصولًا إلى تجسيدِ أحلامِ أجيالِنا في مستقبلٍ يليقُ بهم، ويتخطّى مآسيَ الحاضر”.
وكان الرئيس عون قد وصل إلى الجزائر يرافقه وزيرا الخارجية والمغتربين يوسف رجي، والإعلام بول مرقص، عبر مطار هواري بومدين الدولي، الساعة الرابعة بعد ظهر امس بتوقيت بيروت، حيث كان الرئيس تبون في استقبال الرئيس عون على أرضِ المطار.
وبعد إطلاق 21 طلقة مدفعية، وعزف النشيدَيْن اللبناني والجزائري، استعرض الرئيسان اللبناني والجزائري تشكيلةً من حرس الشرف المكوَّن من القوات البرية والجوية والبحرية.
وبعد ذلك، صافح الرئيس الجزائري أعضاء الوفد اللبناني الذي ضمّ إلى الوزيرين رجّي ومرقص، المستشارين: الوزير السابق علي حميه، والعميد أندره رحال، وجان عزيز، وروعة حاراتي، ونجاة شرف الدين، ومدير الإعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، وسفير لبنان لدى الجزائر محمد حسن.
وصافح الرئيس عون أعضاء الوفد الجزائري الذي ضم: وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج والشؤون الأفريقية أحمد عطاف، ووزير الدولة وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة (الوزير المرافق) محمد عرقاب، ووزير الاتصال محمد مزيان، والمستشار لدى رئيس الجمهورية المكلَّف بالمديرية العامة للاتصال كمال سيدي سعيد، والمستشار لدى رئيس الجمهورية المكلَّف بالشؤون الدبلوماسية عمّار عبّة، والمستشار لدى رئيس الجمهورية المكلَّف بالشؤون السياسية والعلاقات مع الشباب والمجتمع المدني والأحزاب السياسية زهير بوعمامة، والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية سمير عقون، ومدير المديرية العامة للدول العربية في وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج والشؤون الأفريقية عباس بالفاطمي، وسفير الجزائر لدى لبنان كمال بوشامة.
ثم توجّه الرئيسان عون وتبون إلى قاعة الشرف في المطار لاستراحة قصيرة، قبل أن يتوجه الرئيس عون يرافقه الوزير المرافق عرقاب إلى مقر الإقامة.
وكان الرئيس عون قد أدلى، فور وصوله إلى المطار، بالتصريح التالي: “يسعدني أن أطأ أرض الجزائر الحبيبة، هذا البلد الشقيق الذي يحمل في قلبه محبةً خاصةً للبنان وشعبه. إنّ زيارتي اليوم تلبية لدعوة كريمة من أخي الرئيس عبد المجيد تبون، تأتي تعبيرًا عن عمق العلاقات الأخوية التي تربط بين لبنان والجزائر، وتأكيدًا على أهمية تعزيز التعاون بين بلدَيْنا في شتّى المجالات.
إنّ الجزائر قدّمت للبنان على مدى العقود الماضية، الدعم السخيّ والمساندة الثابتة في أصعب الظروف، وكانت حاضرةً وسبّاقةً إلى مساعدة لبنان، واللبنانيون لن ينسوا مواقف الجزائر في مجلس الأمن الدولي خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، إضافةً إلى المساعدات العاجلة التي أُرسلت إلى بيروت بعد انفجار المرفأ عام 2020، ناهيك عن الدعم النفطي وغيره، واحتضان مئات الطلاب اللبنانيين لمتابعة دراستهم في المدارس والجامعات والمعاهد الجزائرية في مختلف الاختصاصات.
نحن في لبنان إذ نُقدّر عاليًا هذه المواقف الأخوية النبيلة، نعتبرها تجسيدًا للروابط العربية الأصيلة والتضامن العربي الحقيقي. إنّ التاريخ المشترك بين بلدينا، والقيم المشتركة التي نؤمن بها، والتحدّيات المتشابهة التي نواجهها، كلّها عوامل تدفعنا إلى تطوير علاقاتنا وتعميق تعاوننا، فالجزائر تُمثّل عمقًا استراتيجيًا مهمًّا للبنان في المحيط العربي والأفريقي.
خلال هذه الزيارة، سنبحث مع القيادة الجزائرية سبل تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والإعلامي، وتعزيز التبادل في مجالات التعليم والصحة والتكنولوجيا. كما سنتناول القضايا العربية المشتركة والتحدّيات الإقليمية، انطلاقًا من إيماننا بضرورة العمل العربي المشترك الذي يُحقّق الحلول السلمية ويُطلق الحوار البنّاء في كل القضايا التي تهمّ شعوبنا.
أتطلع إلى لقاءاتٍ مثمرةٍ مع أخي الرئيس تبون والمسؤولين الجزائريين، وأثق بأنّ هذه الزيارة ستفتح آفاقًا جديدةً للتعاون بين بلدَيْنا الشقيقَيْن، وستكون مناسبة للتأكيد على أن لبنان يُقدّر عاليًا الموقف الجزائري الداعم، ويتطلّع إلى المزيد من التعاون والتنسيق في خدمة مصالح شعبَيْنا الشقيقَيْن”.
وقد ازدانت طرقات العاصمة الجزائرية، ولا سيما الطريق المؤدّي من مطار بومدين إلى مقر إقامة الرئيس عون بالأعلام اللبنانية والجزائرية، واللافتات الترحيبية بزيارة رئيس الجمهورية اللبنانية.
وبدأ الرئيس عون لقاءاته فور وصوله إلى العاصمة الجزائرية، فاستقبل في مقر الاقامة في مجمع زارلده الرئاسي، رئيس مجلس الأمة الجزائري عزوز ناصري بحضور وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي والسفير اللبناني في الجزائر محمد حسن والمستشار الخاص للرئيس عون العميد المتقاعد أندره رحال.
ورحب الرئيس ناصري بالرئيس عون في الجزائر التي تجمعها بلبنان علاقات اخوة متينة، لافتًا إلى “وقوف الشعب الجزائري إلى جانب شقيقه الشعب اللبناني”. وشكر الرئيس عون رئيس مجلس الأمة على زيارته، مؤكدًا “ضرورة تفعيل العلاقات اللبنانية – الجزائرية في كافة المجالات”.
كذلك زار الرئيس عون في مقر إقامته، رئيس مجلس الشعب الوطني ابرهيم بوغالي، مرحبًا بزيارة رئيس الجمهورية إلى الجزائر، ومؤكدًا على اهمية التعاون بين البلدين .
وبعدها، توجه الرئيس عون برفقة الوزير الجزائري المرافق محمد عرقاب الى مقام الشهيد حيث وضع اكليلاً من الزهر على ضريح أرواح الشهداء الجزائريين، “عربون تقدير واحترام لتضحياتهم من اجل الوصول بالجزائر الى مصاف الدول المستقلة والفاعلة في محيطها وفي العالم، ولتكون ايضًا عضوًا اساسيًا ومهمًا في صلب الامّة العربية للمساهمة في رعاية مصالحها والدفاع عن الأهداف العربية الموحدة”.
وبعد وضع الاكليل وعزف الموسيقى لحن الموتى، وقف الرئيس عون على شرفة مطلة على العاصمة الجزائرية، والقى نظرة شاملة على مساحة كبيرة من العاصمة، قبل ان يغادر الى القصر الرئاسي للقاء نظيره الجزائري حيث تعقد قمة لبنانية- جزائرية في القصر الرئاسي.